تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
بالحق نُحيى ذكرها لا بالباطل، بالاعتبار والعظة لا بالتمجيد ومقالات الفخر، ماكانت ثورة يوليو خيرا لمصر، ولا لشعبها، ولا لمكانتها، ولا عظمتها، ولا لمستقبلها، وإن أردتم الدليل فانظروا لمصر الآن.
كل ما نحن فيه نتاج لما يعُرف بثورة يوليو، كل ما عانيناه وما نُعانيه فى المجتمع والاقتصاد والسياسة ثمار مُرة لفعل طائش من ضباط شباب أطلقوا على نفسهم "أحرارا" ثُم وأدوا الحرية قبل أن يئدوا مصر.
ما كانت ثورة يوليو نقلة حضارية، ولا انطلاقة عظيمة تستحق الاشادة، والتغنى برجالها. ما كانت خطوة للأمام، ولكن تراجع وتخاذل وانسحاق للوراء فى الحريات والاقتصاد والفن والابداع.
ما حملت هذه الحركة التى يتنادر البعض بالحديث عن اسهامها ودورها سوى الصَغار والتشوه للشخصية المصرية.
لقد اختصرت الثورة مصر فى شخص، فصار الحاكم هو الوطن، وتحول الرئيس لأب حازم يختر لأبنائه ما يراه صوابا، ويحرمهم مما يراه شرا، أنهت الثورة التى قام بها فصيل واحد من فصائل المجتمع وهم ضباط ــ لاشك فى وطنيتهم ــ دولة المؤسسات، ودشنت لدولة الفرد، مُجددة الزمن الفرعونى مرة أخرى فى ثياب حديثة .
حُلت الأحزاب المصرية، ولم يجد المسيسون غير المواليين للسلطة من طريق سوى العمل تحت الأرض إما فى جماعة الاخوان أو الاحزاب الشيوعية السرية، تمددت صلاحيات الحاكم ليصبح إلها لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فهو الأول والأعلى والأكبر والارشد والأقدر على توجيه الأوامر وإصدار التعليمات.
أمُمت الصحافة، وكُبلت حرية الرأى وصار الإبداع خاضعا خانعا عاجزا أن يقدم منتجا طيب قبل أن ينحنى أمام سيف المعز وذهبه.
أُهدرت حقوق الانسان وسيق الذين اختلفوا إلى جهنم زُمرا، بينما سيق الذين اتقوا وانحنوا إلى جنان النفوذ والثراء والقوة.
وفى الاقتصاد زُرعت الاتكالية، وصودرت ثروات الأغنياء محسنين كانوا أو مسيئين وفرضت الحراسة على أى مشروع جديد يُدر أرباحا، وساوت الدولة بين الذين يعملون واليذين لا يعملون، وبين الذين يبتكرون، والذين لا يبتكرون.
تحولت البرامج إلى شعارات، وانقلب العمل إلى كلام، واهتم كل مسئول برضا رئيسه، ونبتت ظواهر الرشوة والفساد والاستغلال، وسادت المحسوبية .
خرجت مصر من الاحتلال البريطانى الذى كان يفشل فى تغيير إرادة الأمة إلى الهيمنة السوفيتية، وتغير مفهوم الوطن من حدود مصر إلى حدود الأمة العربية كلها، فقاتل المصريون فى اليمن وفلسطين وغيرها.
لذا كله لا أستبشر خيرا بتشبيه بعض المتثاقفين للرئيس عبد الفتاح السيسى، بجمال عبد الناصر، ولا أسعد بتلك القراءات المغلوطة للتاريخ من خلال احتفالات وثناءات متكررة على ثورة يوليو ورجالها وزمانها.
يقول الشاعر الجميل هاشم الرفاعى فى قصيدة له بعنوان "جلاد الكنانة": "جلاد مصر ويا كبير بغاتها / مهلا فأيام الخلاص دوانى / من أى غاب قد أتيت بشرعة / ما أن يساس بها سوى الحيوان / وبأى قانون حكمت فلم تدع / شيئا لطاغية مدى الزمان ِ/ أبرأيكم؟ والله يشهد أنه / فيه الهوى والغى يلتقيانِ / أم ذاك رأى الشعبِ وهو مكبل / فحياته والموت يستويان/ لو كان عهدك قبل عهد محمدٍ / للُعنتَ يا فرعون فى القرآن. "
والله أعلم.