المفترض أن أية دولة محترمة تبنى – عبر مراكز بحوثها ومؤسسات مخابراتها – عددا من التصورات الواقعية، أو – حتى – الخيالية لما يمكن أن يطرأ على ملف معين يتعلق بمصالحها أو بأمنها الإقليمى.
وتشارك فى بناء تلك التصورات، وتحديد ردود الفعل الواجبة إزاء احتمالاتها عناصر النخبة من المتخصصين، هذا إن كانت أهداف النخبة (وطنية)، أو كان لديها وقتا تنفقه من أجل الشعب، وليس من أجل حفنة دولارات تقبضها من جهاز مخابرات أجنبى، أو من هيئة المعونة الأمريكية، وإذا كانت عناصر النخبة – أخيرا – غير متورطة فى أدوار منحطة مارستها إبان عملية يناير 2011 بتهم تتراوح بين التخريب والتحريض والتخابر.
ولقد أفاضت أقلام كثيرة فى الحديث عن صعوبة إقدام إسرائيل على تطوير قصفها الجوى على غزة إلى عملية برية.. ولكن هذا – لو أذنوا جميعا – ناتج تكهنات مجالها قراءة الفنجان وضرب الودع، أما البحوث الإستراتيجية، وجهود مراكز الخبرة والتفكير فهى تدرس جميع (جميع) الاحتمالات.
الإسرائيليون لجأوا إلى العمليات البرية، وسيعمدون إلى اغتيال القادة ليجبروا حماس على وقف إطلاق النار، ولن يسلموا الفلسطينيين اتفاقا مكتوبا، وإنما سيقبلون بمباحثات غير مباشرة فى القاهرة، بعد وقف إطلاق النار، وسيستغلون الفترة حتى ذلك الوقف فى ضرب المخزون الصاروخى لحماس، الذى حصلت على جزء منه عبر عمليات تهريب واسعة النطاق تمت من ليبيا بتواطؤ وفساد من بعض عناصر الإدارة فى مصر وبعض العناصر البدوية، ورجال السلطة العملاء فى عهد الإخوان المجرمين، وضمنها صواريخ يصل مداها إلى 160 كيلومترا، وقد أزعجت إسرائيل رغم نظامها الواقى من الصواريخ (القبة الحديدية)، وهذا – بالطبع – غير الصواريخ البدائية محلية الصنع التى يتم تركيبها فى الورش الغزاوية بالقطاع.
هذا التصور ما كان ينبغى له أن ينفى احتمال العملية البرية، وكان علينا الجهوزية لمواجهته إذ ما اضطررنا لفتح المعبر أمام الفلسطينيين للمرور 24 ساعة، لنواجه الضغط الذى سيترتب على العمليات البرية، فإننا ينبغى أن نجهز ضمانات إجرائية وأمنية محكمة لعدم تحول (المرور الفلسطينى حتى لو كان بريئا) إلى إقامة دائمة فى سيناء، لأنهم إذا أقاموا فلن يخرجوا أبدا، ولسوف يدق أى منهم خيمة يتبعها حفر بئرين للماء، ثم يقيم له حلفاؤه مستشفى، ويتوطد وجوده بعد ذلك وإلى الأبد.
وإسرائيل – قطعا – تريد ذلك، وهذا ما جعلنا نتحسب للعملية البرية ونتجهز لها حتى لو بدت فى وقت من الأوقات احتمالا بعيد المنال، كما – بالضبط- ينبغى علينا التحسب لكل الاحتمالات البعيدة على الجبهة الغربية، وأن نأخذ بمأخذ الجد دخول بعض العناصر التكفيرية بملابسهم السوداء إلى دكاكين السلوم (ستة كيلومترات داخل الأراضى المصرية) وحين سألهم أعرابى (وفقا لقصة إخبارية منشورة على رويترز): "من أنتم؟!"، أجابوه: "سوف تعرفون قريبا من نحن"!!
....................
ترتبط السطور السابقة بموضوع المبادرة المصرية من أجل وقف إطلاق النار فى غزة، والتى رفضتها حماس على لسان خالد مشعل من تركيا قبيل بدء عملية (تنظيف الحدود) الإسرائيلية البرية.
إذ إن المبادرة جيدة، ولكن توقيت إعلانها – فى تقديرى – كان خاطئا، لأن الوضع لم يك نضج بعد لطرحها، وقد أعطينا حماس فرصة بها لتحاول إحراجنا، والتطاول على مصر/ السيسى، ومحاولة إرباكها كما فعلوا مع الرئيس مبارك من قبل.. وكان على مصر الانتظار حتى تطلب حماس تدخلها.
المبادرة المصرية كانت تهدف إلى وقف إطلاق النار وفتح المعابر بين إسرائيل وغزة، واستضافة مصر لوفد إسرائيلى وآخر حمساوى للتفاوض غير المباشر والرجوع إلى تنفيذ اتفاق 2012.. وهو ما ترفضه حماس – حتى اللحظة – لإحراج مصر.
وقد رفض الحمساويون هذا الكلام، وطلبوا ألا تغلق إسرائيل المعابر أبدا، وأن تقوم بتسليم الأسرى الذين تم الاتفاق عليهم (المجموعة الثالثة) أيام صفقة جيلعاد شاليط، وأن يُفتح مطار غزة، وميناء غزة وممر مائى إليه، وأن يستطيع الصيادون الفلسطينييون الصيد حتى مياه بعمق عشرة كيلومترات، وأن ينتشر مراقبون دوليون على المعابر بين غزة وإسرائيل.
ثم.. وتلك هى المسألة الأساسية التى يسعى إليها الحمساويون ويحاولون حشرها ضمن سلسلة المطالب السابقة حتى تمر من دون مقاومة، وهى: مطالبة مصر بفتح معبر رفح 24 ساعة يوميا، والضمانة الدولية بعدم إغلاقه أبدا.. يعنى يريدون (لا حدود) بين مصر وبينهم، على غرار دول الاتحاد الأوروبى وهو ما كاد محمد مرسى أن يحققه لهم حين تقمص شخصية بابا نويل وأخذ يوزع عناصر السيادة المصرية (وفى مقدمتها الأرض على كل من يطلبها أو يعقد معه صفقة عليها).
وهذا هو المطلب الحمساوى الحقيقى والمستحيل فى نفس الوقت، لأن فتح معبر رفح، وإقحام ما يسمى (ضمانة دولية) عليه ينزع عن مصر سيادتها على حدودها ويربطها بما يجرى، فى ساحة الصراع الفلسطينى/ الإسرائيلى، ويفرض وصاية أجنبية لا نريدها علينا، ولا يمكن لأى مصرى أن يقبل مثل ذلك الهراء إلا لو كان اخوانيا.
ويبدو ذلك واضحا، وبالذات لأعداء الدولة فى مصر من بعض الأكاديميين والحزبيين وأعضاء مجالس الحكماء والائتلافات الثورية.
إذ يدرك أولئك – الآن – أن الوضع يختلف عن عامى 2008-2009، وأن ما استطاعوا تحريض وإثارة الشعب حوله – وقتها – لا يمكنهم تحقيقه اليوم لأن الشعب المصرى افترق فى مساره عن حماس.
مصر – وهذا ما يجب أن تجتهد مراكز البحوث ومؤسسات المخابرات فى دراسته ووضع التصورات له – ينبغى أن تتحرك لحماية مصالحها وأمنها القومى.. واليوم بعد أن عرف المصريون حقيقة رعاع حماس لن يستطيع أحد تأليب الناس على نظامهم فى مصر، وتهيئة البيئة السياسية لقبول انتهاك السيادة المصرية وتبرير تآمر حماس على تلك السيادة.
مرة اخرى.. فإن ما قدمته مصر فى الأزمة الحالية كبير، وهو يخالف رغبة شعبنا وإرادته.. وينبغى أن نتوقف عند الحد الذى بلغناه فى ذلك السياق، ونبدأ فى تخيل ما نحتاجه من إجراءات إزاء التطورات المحتملة – أيا كانت – فى الأيام المقبلة.
....................
ترتبط السطور السابقة بموضوع المبادرة المصرية من أجل وقف إطلاق النار فى غزة، والتى رفضتها حماس على لسان خالد مشعل من تركيا قبيل بدء عملية (تنظيف الحدود) الإسرائيلية البرية.
إذ إن المبادرة جيدة، ولكن توقيت إعلانها – فى تقديرى – كان خاطئا، لأن الوضع لم يك نضج بعد لطرحها، وقد أعطينا حماس فرصة بها لتحاول إحراجنا، والتطاول على مصر/ السيسى، ومحاولة إرباكها كما فعلوا مع الرئيس مبارك من قبل.. وكان على مصر الانتظار حتى تطلب حماس تدخلها.
المبادرة المصرية كانت تهدف إلى وقف إطلاق النار وفتح المعابر بين إسرائيل وغزة، واستضافة مصر لوفد إسرائيلى وآخر حمساوى للتفاوض غير المباشر والرجوع إلى تنفيذ اتفاق 2012.. وهو ما ترفضه حماس – حتى اللحظة – لإحراج مصر.
وقد رفض الحمساويون هذا الكلام، وطلبوا ألا تغلق إسرائيل المعابر أبدا، وأن تقوم بتسليم الأسرى الذين تم الاتفاق عليهم (المجموعة الثالثة) أيام صفقة جيلعاد شاليط، وأن يُفتح مطار غزة، وميناء غزة وممر مائى إليه، وأن يستطيع الصيادون الفلسطينييون الصيد حتى مياه بعمق عشرة كيلومترات، وأن ينتشر مراقبون دوليون على المعابر بين غزة وإسرائيل.
ثم.. وتلك هى المسألة الأساسية التى يسعى إليها الحمساويون ويحاولون حشرها ضمن سلسلة المطالب السابقة حتى تمر من دون مقاومة، وهى: مطالبة مصر بفتح معبر رفح 24 ساعة يوميا، والضمانة الدولية بعدم إغلاقه أبدا.. يعنى يريدون (لا حدود) بين مصر وبينهم، على غرار دول الاتحاد الأوروبى وهو ما كاد محمد مرسى أن يحققه لهم حين تقمص شخصية بابا نويل وأخذ يوزع عناصر السيادة المصرية (وفى مقدمتها الأرض على كل من يطلبها أو يعقد معه صفقة عليها).
وهذا هو المطلب الحمساوى الحقيقى والمستحيل فى نفس الوقت، لأن فتح معبر رفح، وإقحام ما يسمى (ضمانة دولية) عليه ينزع عن مصر سيادتها على حدودها ويربطها بما يجرى، فى ساحة الصراع الفلسطينى/ الإسرائيلى، ويفرض وصاية أجنبية لا نريدها علينا، ولا يمكن لأى مصرى أن يقبل مثل ذلك الهراء إلا لو كان اخوانيا.
ويبدو ذلك واضحا، وبالذات لأعداء الدولة فى مصر من بعض الأكاديميين والحزبيين وأعضاء مجالس الحكماء والائتلافات الثورية.
إذ يدرك أولئك – الآن – أن الوضع يختلف عن عامى 2008-2009، وأن ما استطاعوا تحريض وإثارة الشعب حوله – وقتها – لا يمكنهم تحقيقه اليوم لأن الشعب المصرى افترق فى مساره عن حماس.
مصر – وهذا ما يجب أن تجتهد مراكز البحوث ومؤسسات المخابرات فى دراسته ووضع التصورات له – ينبغى أن تتحرك لحماية مصالحها وأمنها القومى.. واليوم بعد أن عرف المصريون حقيقة رعاع حماس لن يستطيع أحد تأليب الناس على نظامهم فى مصر، وتهيئة البيئة السياسية لقبول انتهاك السيادة المصرية وتبرير تآمر حماس على تلك السيادة.
مرة اخرى.. فإن ما قدمته مصر فى الأزمة الحالية كبير، وهو يخالف رغبة شعبنا وإرادته.. وينبغى أن نتوقف عند الحد الذى بلغناه فى ذلك السياق، ونبدأ فى تخيل ما نحتاجه من إجراءات إزاء التطورات المحتملة – أيا كانت – فى الأيام المقبلة.