الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

أطفال بلا عنف 2

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إننا في حاجة ماسة لتعديل أساليب التنشئة الاجتماعية التي نمارسها حيال أطفالنا.. الخطر داهم والأحداث تتسارع، ولم يعد مجديا الاكتفاء بتوجيه النداء إلى المسئولين أو من يعنيهم الأمر، الأمر يعنينا جميعا والأطفال أطفال الجميع والكل في نفس الخندق.
قد يصعب علينا نحن الكبار تعديل ما اعتدناه من أساليب في التنشئة، وقد نستسهل إلقاء المسئولية على فريق منا دون فريق. وقد يزيد من صعوبة مهمتنا أن الأمر قد يتطلب أحداث تغيير أساسي في نمط العلاقات المتبادلة بيننا نحن الكبار.
وقد يزيد من صعوبة مهمتنا أيضاً ذلك الميل الطبيعي لدى البشر جميعاً لمقاومة الاعتراف العلنى بالخطأ . وقد يزيد من صعوبة تلك المهمة كذلك أننا قد نواجه بنية اقتصادية سياسية اجتماعية راسخة يستفيد أصحابها على المدى القصير من الوضع الراهن.
المهمة صعبة ما في ذلك شك، ولكنها تهون بالتأكيد أمام حبنا الصادق لأغلى ما في ذلك شك، ولكنها تهون بالتأكيد أمام حبنا الصادق لأغلى ما في حياتنا: أطفالنا، وتهون المهمة أيضاً إذا ما تذكرنا دائماً أن الأطفال أنفسهم سيكونون سندنا الرئيسي.
فالأطفال منذ طفولتهم المبكرة يقاومون عمليات التطويع قدر استطاعتهم. ويحاولون الاحتفاظ بذاتهم قد ر طاقتهم، ويقاتلون في سبيل ذلك ما وسعهم الجهد، مستخدمين أساليبهم المتميزة في السلام الهجومي من احتجاج بالصراخ إلى إضراب عن الطعام إلى رفض صامت أشبه ما يكون بالعصيان المدني حيال ما يصدر إليهم من أوامر، بل أنهم كثيراً ما يلجئون إلى العديد من الوان المفاوضة والمداورة ومحاولة النفاذ من خلال الثغرات واستغلال التناقضات. فلنسع إلى تدعيم تلك المهارات الفطرية لدى أطفالنا، ولكن تلك الدعوة بداية حوار جاد حول ماذا نريد من أطفالنا للغد؟ وماذا نريد من الغد لأطفالنا؟
إن تصرفات البشر لا تتشكل و تتغير بشكل حر طليق لا ضابط له ولا رابط، بل إنها تخضع في نشأتها وتطورها لقوانين صارمة تسري على البشر، بل والكائنات الحية جميعا دون استثناء: إنها "قوانين التعلم" وأن تلك القوانين تحكمها قاعدة أساسية أشبه بالدستور هي قاعدة "الثواب والعقاب": لا حياة لسلوك دون ثواب، ولا استمرار لسلوك يؤدي بصاحبه إلى عقاب.
لقد عرف الإنسان منذ نشأته الأولى قيمة الثواب والعقاب في تقويم السلوك: عقاب من يأتي فعلا "سيئًا" وإثابة من ينجز فعلاً "طيبًا".
وسار البشر على هذا النهج في تعاملهم مع بعضهم البعض عبر التاريخ البشري: تاريخ الأمم، والحضارات، والأجيال أيضًا. و و لم يكن ثمة اختلاف قط على ذلك المبدأ: مبدأ الثواب والعقاب، فاتبعه الجميع أفرادا و جماعات, كبارا و صغارا. اتبعه الرؤساء في التعامل مع مرءوسيهم، واتبعته الدول في إدارتها لعلاقاتها مع الدول الأخرى الصديقة والمعادية على حد سواء، بل إننا نتبعه جميعا في ممارسة أنشطتنا اليومية.
غير أن الاختلاف، كان ومازال، حول الأسلوب الصحيح لتطبيق قانون الثواب والعقاب بحيث يؤتى أفضل النتائج بأقل الأضرار، وأن تستمر تلك النتائج لأطول وقت ممكن. وفي هذا المجال تباينت آراء الفلاسفة و المفكرين عبر التاريخ. وقد أسهم علم النفس الحديث -وبخاصة نظريات التعلم - في إثراء هذا الجدل المستمر.
لقد مكنتنا نظريات التعلم، بمختلف توجهاتها النظرية والفلسفية، من التوصل إلى كم هائل من القوانين التفصيلية الدقيقة التي تحكم عملية التعلم: قانون المحاولة والخطأ trial and error، و قانون الاستبصار insight، و قانون التعزيز reinforcement, و قانون, التشريط conditioning، و قانون الكف inhibition،....الي آخره. و لسنا بصدد الخوض في التفاصيل الفنية لتلك القوانين العلمية. ما نود الإشارة إليه هو أنه رغم صحة فعالية تلك القوانين جميعا, فإن اختيار الأسلوب الأمثل لتطبيقها، مازال مثار جدل شديد.
1 - العقاب ... مؤلم لمن ؟
كثيرًا ما أصادف أبًا أو أما أو مسئولا يشكو من أن العقاب لم يعد مجديًا مع شخص معين، بل أن العقاب يؤدي إلى العناد و تكرار نفس السلوك الذي أدى إليه, و يحدث في كثير من الأحيان أن أكتشف أن الشخص المقصود لم يكن في حقيقة الأمر يتلقى عقابًا على الإطلاق، بل على العكس فإنه كان يكافأ مكافأة قد تكون كبيرة على سلوكه “الخاطئ"، ولم يكن بد والأمر كذلك من أن يعود إلى هذا السلوك ليتكرر حصوله على المكافأة.
ولنتصور - مثلاً - طفلاً في الثامنة يثير شغبًا في الحصة، أثناء قيام المدرس بشرح الدرس. ينذر المدرس الطفل أكثر من مرة، ثم يقوم بطرده من الفصل باعتبار أن الحرمان من التعليم هو أقصى عقوبة ممكنة. هذا صحيح من وجهة نظر المدرس. أما من وجهة نظر الطفل فإنه قد غادر الفصل الضيق الذي يلتزم فيه بالبقاء مقيدًا إلى مقعده إلى حيث الهواء الطلق في حديقة المدرسة حيث لا قيود ولا التزامات. أليست هذه مكافأة ضخمة قد تدفع بالطفل إلى تكرار نفس السلوك. خلاصة القول ان العقاب لكي يكون مجديًا ينبغي أن يكون عقابًا من وجهة نظر الطفل، أي أن يكون مؤلمًا، كريهًا، مرفوضًا بالنسبة له هو وليس بالنسبة لنا أو للمجتمع بعامة.