تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
العلاقة بين التعليم والعمل قضية ذات أبعاد متشابكة معقدة، سياسية واقتصادية واجتماعية، فالحصول على شهادة جامعية بمثابة الضمانة الأكيدة للحصول على وظيفة محترمة، تمنح عائدًا ماديًا مجزيًا، وتضفي هالة اجتماعية وطبقية متميزة. ومع التوسع في التعليم بعد ثورة يوليو، وتكدس المصالح والمؤسسات الحكومية بالعمالة الزائدة غير المنتجة، بدأت مشكلة البطالة المقنعة، ثم جاء عهد الانفتاح الاقتصادي بما فيه من فرص لتحقيق الثراء عبر أعمال بعيدة عن “,”الميري“,” ليصنع مشكلة غير معهودة في تاريخ مصر الاجتماعي: متعلمون بلا عمل، وعاملون بلا شهادات.
يقدم فيلم “,”الحب وحده لا يكفي“,” فتاة متخرجة في الجامعة “,”مرفت أمين“,” تقلم أظافر أقدام النساء في محل كوافير، أما حبيبها وجارها الجامعي مثلها “,”نور الشريف“,”، والمنتمي إلى أصول ريفية فقيرة، فلا تسعفه إدارة القوى العاملة سريعًا، ويقنع بوظيفة عامل بناء باليومية، متساويًا مع الذين لا يجيدون القراءة والكتابة، ومتفوقًا – من الناحية المادية- على الموظفين الجامعيين، فإيراده يتيح له أن يأكل اللحوم ويدخن السجائر الأجنبية.
لم تعد للشهادات الجامعية قيمة تُذكر، وشركات الانفتاح التي تلجأ إليها الفتاة الجميلة تحيطها الشبهات، فالشرير “,”عادل أدهم“,” وصديقته “,”ناهد شريف“,”، يمارسان عمليات النصب، ويستغلان الفقراء الكادحين الباحثين عن فرصة للسفر إلى الخارج، ويتورط الشاب الجامعي الطيب في عمليات النصب هذه، ولا تنقذه إلا حيلة تقليدية تعرفها السينما المصرية، حيث يستيقظ ضمير المرأة الشريرة وتوقع بالمجرم الحقيقي!.
يمثل خطاب القوى العاملة إنقاذًا للفتاة، أما الشاب الطموح فيرفض العمل الحكومي، مؤثرًا أن يستمر بين سقالات البناء!، ومثل هذا الاختيار يطرح الأزمة القديمة الجديدة عن العلاقة بين التعليم والعمل، والشهادة والوظيفة، الدخل المحدود والاحتياجات المتزايدة التي لا يمكن إشباعها بمرتب هزيل!
يفجر الفيلم قضايا اقتصادية واجتماعية متداخلة، ومن أهم هذه القضايا أن الوظيفة الحكومية “,”المضمونة“,” لم تعد طموحًا مقنعًا للكثير من الشباب، وأن نوعية التعليم السائد لا تتوافق مع اقتصاديات سوق العمل، وأن كثيرًا من الذين استثمروا مناخ الانفتاح ليسوا إلا لصوصًا يصنعون صورة نمطية سلبية عن التحول الاقتصادي الحتمي، الذي يحتاج إلى قوانين صارمة عادلة، تضع نهاية للفوضى والعبث، فالحرية الاقتصادية في جوهرها انضباط وإحساس بالمسئولية.
بعد السنوات الثلاثين التي مضت على إنتاج وعرض الفيلم، 1981، مازالت القضايا مطروحة: ما جدوى الشهادات التي لا يحتاجها سوق العمل، وما القواعد التي ينبغي توافرها حتى لا يتحول النشاط الرأسمالي الحر إلى جرائم تستحق الإدانة والعقاب؟!.