تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
أتوقف كثيرا عند أصوات من المفترض أنها كانت عاقلة يوم ما، تلك الأصوات تحاول جاهدة أن تقنعني أن مصر ليست في حالة حرب، وأن هناك تضخيما متعمدا حول الحالة الداخلية للبلاد، وأن هذا التضخيم هدفه تصفية تيار الإسلام السياسي، بينما الحقيقة– حسب زعمهم– هي أن مصر في أمان ولا يوجد أي تهديد يترصدها.
أتعجب من مثل هذا القول وأتأمل المشهد، ربما يكون اندفاعي كخصم سياسي قد أثر على رؤيتي للواقع، وفي كل مرة توقظني دماء الأبرياء لأعود أكثر اقتناعا بأن بلادي في مرحلة فاصلة وتقف على مفترق طرق، والمشكلة هنا ليست في حجم التحديات ولكن في حجم السخافة التي تطل علينا من تجار النضال وسماسرة دماء الإنسان، فكل ما يعنيهم هو رضا بوصلة الغرب عنهم، واطمئنان سيدهم صاحب التمويل على سير مخطط التخريب في مصر التي هي أهم بلد بالشرق الأوسط.
وفي تلك المعركة يستخدم تجار النضال لغة مخنثة، يتكلمون معك عن الإنسانية والديمقراطية المواثيق الدولية، وهو كلام ظاهره الرحمة وباطنه العذاب؛ لأن إنسانيتهم تتوقف وتنتهي عند حقوق الإنسان الإرهابي، وديمقراطيتهم تنتهي عند حدود تمكين الفاشية الدينية من رقابنا، ومواثيقهم الدولية هي تلك التي تقدم قضية ختان الإناث على قضية الجوع في العالم الثالث.
ازدواجية مشبوهة ورقاعة تصل إلى حد الخيانة، يمهدون الأرض للاستبداد باسم الدين ولا يترددون إذا ما أتيحت لهم الفرصة في طلب التدخل الأجنبي، متجاهلين حقيقة ثابتة وهي أن مصر بتاريخها العميق لم تعرف إلا الانتصار، وأن كل هذا الرقص الذي نشهده على السلالم سينتهي بفاعلية إلى سلة المهملات والاحتقار التاريخي.
فالمؤكد هو أننا اليوم على عتبة بناء جديدة لوطن حر وشعب سعيد عتبة بناء لا تعرف توريث الحكم ولا الفساد، كما كان الحال في زمن مبارك، ولا تعرف الاستبداد باسم الدين وتحويل الوطن إلى إمارة في دولة الخلافة المزعومة كما كان الحال في زمن مرسي، نتجه كشركاء نحمل المسئولية والأمانة لنسلمها لأبنائنا مشرقة وقد عادت شمسها الذهب.
وعندما تكون الصورة هكذا، ولا يرتعش لأصحاب السموم المدسوسة جفن، فأنا هنا مضطر لوصفهم بالقتلة المحترفين، ولما لا فخطاب الرقاعة الذي يعملون على بثه في تحليلة الأخير لا يختلف عن خطاب جبهة النصرة أو داعش، بغض النظر عن صاحب الخطاب سواء كان يرتدى كرافت ويجلس في دكان حقوقي كتاجر أو يرتدي سروالا ويجلس في جبل كقاتل، هما وجهان لعملة واحدة، اسمها عملة الخسة والدناءة وشرب دماء الأبرياء.
ويبدو أن حكايتنا مع تلك الفلول الهاربة من معركة المواجهة المصيرية لن تنتهي، وأن قيام هؤلاء الفلول بدور "ونج اللخمة" في الميدان لم يكن من قبيل المصادفة، ولكنه طريقهم منذ البداية ولم ننتبه له في حينها.
نعم أكرر تسميتهم بالفلول، وأشير إلى أنهم ألعن من فلول مبارك، فعلى الأقل فلول مبارك عندهم حياء وتوارى معظمهم خجلاً، أما طابور حماة الإنسانية الكاذبة فهم وبكل بجاحة يعيثون في الأرض فسادا، ثم يلتفتون إليك في مزايدة رخيصة باعتبارهم ثوار وأحرار بينما هم في حقيقة الأمر مجرد جسور يدهس على ظهورهم العدو للوصول إلى قلب الوطن.