الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

أطفال بلا عنف 1

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لعلنا لسنا في حاجة لإقامة الدليل على انتشار الممارسات العنيفة في ممارساتنا اليومية، وكيف أن تلك الممارسات تهدد تماسكنا الداخلي وتضعف قدرتنا علي التنافس الحضاري، وليس من شك في أن مواجهة ذلك بأقصى درجات الجدية والحكمة أمر لا يختلف عليه أحد. ولا شك، كذلك في أن تقصي الجذور التاريخية الاجتماعية الاقتصادية السياسية الفكرية لذلك الذي يجرى أمر لازم أيضا لأية معالجة جادة، ولا بأس كذلك إذا ما لزم الأمر من محاولة تحديد على عاتق من تقع مسئولية ما حدث، ولكن تبقى بعد ذلك ـ بل قبل ذلك ـ مهمة عاجلة ينبغي البدء في انجازها الآن وفوراً، فلقد تأخرت طويلاً، وفضلاً عن صعوبتها، فإن إنجازها يتطلب وقتاً، والأحداث تتسارع من حولنا، إنها مهمة محاولة استنقاذ الأجيال القادمة من أطفالنا لكيلا يتكرر ما حدث، ولكي نقترب من حلم "أطفالنا في مجتمع بلا عنف".
إن أولئك الذين يمارسون العنف الآن، كانوا في غالبيتهم أطفالاً منذ زمن قريب، بل لعل بعضهم ما زال كذلك بمعنى ما، وإذا ما استمرت أساليب تنشئتنا لأطفالنا على ما هي عليه، فإن الأجيال القادمة لن تختلف كثيراً عن جيل ممارس العنف الراهن، إذا لم تكن أسوأ، لقد كان هذا الجيل نتاجاً لعمليات التنشئة الاجتماعية لأطفالنا والتي مارسناها كأمهات وآباء، كمربين وتربويين، كإعلاميين ومسئولين، مارسناها في بيوتنا، ومدارسنا، ومساجدنا وكنائسنا ونوادينا ومكاتبنا، مارستها صحافتنا وإذاعتنا وتليفزيوننا، مارستها السلطة والمعارضة، مارسناها جميعاً دون استثناء، مارسناها بالفعل ومن لم يستطع مارسها بالقول، ومن لم يستطع مارسها بالصمت ولعلة الأشد خطراً.
لقد تكاتفنا جميعاً لدفع أطفالنا إلى ما يتنافى مع فطرتهم التلقائية الطبيعية، الطفل بفطرته محاور، دفعناه إلى الصمت، الطفل بفطرته متسائل، دفعناه إلى تقبل التلقين. الطفل بفطرته مفاوض فعال، دفعناه إلى الجمود العدواني. الطفل بفطرته تلقائي، دفعناه إلى التصنع والمداهنة. الطفل بفطرته تلقائي، دفعناه إلى التصنع والمداهنة. الطفل بفطرته ميال للمشاركة، دفعناه إلى الجمود العدواني، الطفل بفطرته تلقائي، دفعناه إلى التصنع والمداهنة. الطفل بفطرته ميال للمشاركة، دفعناه إلى الانطواء والتوجس من الآخرين. ولأننا كنا في ذلك كله نسبح ضد التيار، تيار الفطرة السليمة، فقد كان علينا أن نبذل جهداً شاقاً مستمراً، وقد بذلنا بالفعل. وحققنا نجاحاً كبيراً، ولكنه- لحسن الحظ- لم يكن كاملاً تماماً، فما زال لدى أطفالنا بقية من تلقائية وإيجابية وانفتاح، ولكن جهودنا أيضاً ما زالت مستمرة.
وللحقيقة فإن نوايانا كانت وما زالت طيبة، وحبنا لأطفالنا حقيقة لا يماري فيها أحد، ولكن ذلك وحده لا يكفي، لقد أدت تنشئتنا لأطفالنا إلى حيث لا يجد الطفل أمامه لمواجهة مواقف الحياة إلا واحداً من سبيلين لا ثالث لهما: إما التصدي بالعنف لإزالة ما يحول ببينه وبين ما يريد، ذلك إذا ما استطاع فإذا ما يستطع وكانت العقبة أقوى من إمكاناته، لم يعد أمامه إلا السبيل الآخر وهو الاستسلام دون شروط هجرة أو مرض نفسي أو انطفاء سلبي.
لقد أردنا لأطفالنا القوة في عالم يسوده الأقوياء، وأردنا لهم السلامة في عالم يسوده العنف. أردنا أن نجنبهم مغبة التمرد والمخالفة في عالم يدفع فيه المتمردون ثمناً باهظاً من مستقبلهم ومن حريتهم بل ومن حياتهم أحياناً. أردنا أن نصونهم من مخاطر التلقائية والصراحة في عالم يشجع التصنع والمداهنة. أردنا أن نحميهم من المضي بتساؤلاتهم إلى غايتها في عالم يضع حدوداً صارمة لما يجوز وما لا يجوز التساؤل عنه. أردنا أن ندربهم على الطاعة في عالم يسوده الانصياع والمجاراة.
لقد أردنا لأطفالنا الخير.. كل الخير.. فما الذي حدث؟ ما حدث هو أننا أغفلنا عدداً من الحقائق الأساسية لعل أهمها:-
أولاً: أن محاولة إزالة العقبات بالقوة، أو مواجهة المعتدى بالعنف، قد تكون الوسيلة الأكثر فعالية وسرعة، ولكنها تفترض أن يكون طفلي هو الأقوى والأقدر، وإلا هزم، وازدادت العقبة رسوخاً، وازداد المعتدي إمعاناً في ممارسة اعتداءاته، ولا يصبح أمام طفلنا إلا الاستسلام للعنف إذا ما تكرر، والعجز أمام العقبات إذا ما واجههاً. فالفشل في هذه الأحوال يؤدي إلى مزيد من الفشل.
ثانياً: أن أنواع العقبات والاعتداءات عديدة متنوعة، قد تكون العقبة زميلاً أو أخاً منافساً، أو مدرساً يبدو متشدداً، أو قد تكون حتى أباً يراه الطفل قاسياً، أو أما يراها الطفل منحازة، وقد يكون الاعتداء الذي يواجهه الطفل بدنيا أو لفظياً، مباشراً أو ضمنياً، وقد يكون موجهاً إلى الممتلكات أو الإخوة أو الأصدقاء، بل وحتى قد يكون موجهاً صوب المشاعر والأفكار ومواجهة كافة أنواع العقبات والاعتداءات بأسلوب واحد هو القوة أو العنف أمر قد لا يعنى سوى تكريس العنف كأسلوب أوحد للتعامل في كافة مواقف الحياة دون تمييز.
ثالثاً: أن المواجهة الفعالة لمواقف الحياة ينبغي أن تشمل إلى جانب إمكانية العنف أو القوة عدداً لا نهاية له من البدائل مما يمكن أن نطلق عليها تعبير بدائل السلام الهجومي وهي تتضمن مهارات القدرة على الحوار والمناقشة، وتفنيد الآراء وطرح البدائل، وجمع وتحليل المعلومات، والتفاعل مع الآخرين، وتأجيل الإشباع، والتفاوض.. إلى آخره.