في 18/6/2014 يكون قد مضى ثمانية أعوام على وفاته بمستشفى السلام الدولي، وكان رمزا للمشروع الوطني والقومي للحريات هو وكوكبة من المحامين بالرغم من اختلاف انتماءاتهم ومعتقداتهم السياسية والفكرية، وعلى رأسهم المرحوم الأستاذ أحمد الخواجة نقيب المحامين السابق، والمرحوم الأستاذ محمد فهيم أمين المحامي الوفدي والمرحوم الأستاذ الدكتور جلال رجب، والمرحوم الأستاذ فريد عبد الكريم المحامي الناصري، والمرحوم الأستاذ عادل عيد المحامي الإسلامي، والمرحوم الأستاذ عصمت سيف الدولة المحامي القومي، والمرحوم الأستاذ شحاتة هارون المحامي اليساري اليهودي.
ولم يكونوا في يوم من الأيام مشروعا للتمويل الأجنبي، وكونوا فيما بينهم جبهة وطنية ديمقراطية غير مكتوبة، ودافعو من خلالها عما يعتقدون بكل قوة وشرف، وقدموا تضحيات جساما "سجن واعتقال وتعذيب" وكانوا يصرفون على نضالهم من جيوبهم عن طريق ما ورثوه عن آبائهم، ولم يمدوا يدهم لأي جهة أجنبية لتلقي أموال، ورفضوا كل العروض التي قدمت لهم وكان شعارهم الأساسي يختلف مع النظام الذي يحكمنا أيا كانت ميوله السياسية لكن لا نضع يدنا في أيدي أعداء وطننا وشعبنا، وماتوا في صمت دون ضجيج، واشتهروا بأعمالهم ودفاعهم عن قضايا الوطن والشعب، وليس بنجومية زائفة صنعتها الفضائيات أو بقصص مفبركة إنما بنضال يومي. ونحمد الله أننا عاصرناهم، وتعلمنا على أيديهم.
فعقب تخرجنا في الجامعة كأبناء جيل السبعينيات الذي قاد المظاهرات والاعتصامات بالجامعات المختلفة من أجل رفض الاحتلال الصهيوني لأراضينا، والمطالبة بتحريرها، ولم نرتكب أي أعمال تخريب أو قتل كما يفعل طلاب الإخوان.
وفور تخرجنا انضممنا للنقابات، وهذا سر عدائنا للخيانة أو التبعية، ومن بقى منا على مبادئه ولم يلوث أو ينحرف وطني أصيل، وقدمنا نموذجا محترما في العمل النقابي التطوعي، ولم نكون ثروات أو اقتنينا قصورا أو عربات فارهة ولا نملك إلا شرفنا وحبنا لوطننا.
وكانت نقابة المحامين في الصدارة حيث تصدينا للعديد من السياسات الضارة بالوطن والمواطن كمحاولة توصيل مياه النيل لإسرائيل أو بيع هضبة الأهرام أو إصدار قانون العيب أو اقتحام مقرات الأحزاب أو مصادرة صحفها أو بيع القطاع العام، وفي بعض الأحيان أوقفنا هذه السياسات وفي نهاية الأمر كعقاب لنا تم تسليم النقابات للإخوان المسلمين التي ما زالت ترزح تحت سيطرتهم أو حلفائهم من مدعي القومية.
ونستعرض لكم سيرة الراحل الأستاذ أحمد نبيل الهلالي المحامي المهنية فعقب تخرجه في كلية حقوق القاهرة وقيده بجداولها كمحام سارع إلى استئجار مكتب مكون من شقتين كمكتب محاماة عمالي وحريات بباب اللوق، ولم يلتحق بالعمل بمكتب والده أحمد نجيب الهلالي باشا الذي يعج بقضايا الباشوات، والذي تولى العديد من المناصب الوزارية كان آخرها رئيس وزراء مصر عشية ثورة 23 يوليو.
حقا ولد وفي فمه معلقة ذهب وقام بإلقائها من أجل الدفاع عن العمال الذين آمن بفكرهم بينما نجد مدعي النضال في زمننا الحالي يرفعون شعارات الكفاح والنضال من أجل تلقي الأموال الأجنبية من الخارج لكي يهربوا من واقعهم الاجتماعي ويصعدون إلى طبقة الأثرياء.
وبسبب دفاعه عن العمال تم القبض عليه واعتقاله في الحملة الواسعة عام 1958، وتمت إحالته لمحكمة أمن الدولة العليا– على ذمة القضية رقم 3 حصر أمن دولة عليا لسنة 1959 عابدين مع لفيف من المناضلين على رأسهم الراحل الدكتور فؤاد مرسي، والراحل الدكتور إسماعيل صبري عبد الله وآخرون حيث تعرضوا لأبشع أنواع التعذيب، وتنقلوا بين أغلبية سجون مصر بدء من سجن اوردي أبو زعبل حتى سجن الواحات ولم يفرج عنهم إلا عقب قرارات يوليو الاشتراكية ولم يتاجروا بتعذيبهم أو استقوا بالخارج كما يفعل الإخوان الآن إنما تناسوا كل هذا، ووضعوا أيديهم في يد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر متناسين كل ما تعرضوا له من أجل مصلحة الشعب المصري ولم يسافروا للعمل بالخارج لتكوين ثروات طائلة إنما ظلوا في الداخل يكافحون ويناضلون من أجل نظام اقتصادي يعتمد على التنمية الشاملة وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وحينما بدأت الثورة المضادة عقب نجاح انقلاب 15 مايو 1971 رفضوا أن يضعوا أيديهم في يد أعداء الشعب والوطن، وحينما أيقن الأستاذ أحمد نبيل الهلالي أن نظام السادات يسعى لإظهار أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ديكتاتور ويشجع قيادات الإخوان على إقامة دعاوى تعويض عن التعذيب والاعتقال رفض أن يقيم دعوى تعويض عن اعتقال وتعذيب لنفسه.
وعقب الافراج عن الاستاذ/ نبيل الهلالي قام بإعادة فتح مكتبه بالرغم من ضياع نصفه حيث قام شريكه ببيع نصف المكتب وقام بتأسيسه ورفيقه احمد عبد العال ليصبح افضل مكتب عمالي على مستوى الجمهورية..
وعقب مظاهرات الطلبة والعمال في عام 1968، 1972، 1973 انضم إليهم في مطالبهم فتم اعتقاله ومن المفارقات حينما عرض المقبوض عليهم على نيابة أمن الدولة طالبوا بأن يكون محاميهم الأستاذ أحمد نبيل الهلالي إلا أنهم فوجئوا بوجوده معهم في الزنزانة فكان شعار مظاهرات الحركة الطلابية (والهلالي لما قام.. خلعوه توب المحاماة ولبسوه توب الاتهام).
وعقب خروجه هذه المرة وجد قضاياه العمالية والمحامين الذين كانوا يعملون معه في اتحاد عمال مصر، ويستمر كفاحه ونضاله ويعيد تأسيس مكتبه كمكتب حريات وعمال، ويرفض كل عروض التمويل الأجنبي، ويتلقى الطعنات والضربات من الرفاق إلا أنه
يبقى شامخا ومتسامحا بنبل أخلاقه، إنه بحق قديس الحركة الوطنية المصرية بالرغم من أن البعض قام بإدراج اسمه على بعض المراكز أو المكاتب مستغلين طيبته وسماحة أخلاقه إلا أنني أقولها شهادة للتاريخ بأنه أول من يرفض تلقي تمويل أجنبي، وظل ثابتا على مبادئه حتى وافته المنية ولم ير الثورة التي مهد لها وناضل من أجلها، وكل من أساءوا إليه حلت بهم اللعنات وشاهدناها بينهم. من أجل هذا التراث الذكي الذي تحتاج الأجيال الحالية معرفته ليقضوا بعيدا عن أرباب التمويل الأجنبي والمرتبات السخية التي يدفعونها.
أطالب نقابة المحامين بأن تجمع تراث هذه الكوكبة من المحامين وتضعه في مكتبة النقابة فما أحوجنا لهم في هذه المرحلة.
والله ولي التوفيق.
أطالب نقابة المحامين بأن تجمع تراث هذه الكوكبة من المحامين وتضعه في مكتبة النقابة فما أحوجنا لهم في هذه المرحلة.
والله ولي التوفيق.