السبت 05 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ارفعوا أيديكم عن الأزهر الشريف

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عبر مسيرة التاريخ المصري منذ أكثر من ألف سنة، مثّل الأزهر الشريف دومًا حصن الوحدة الوطنية ومنارة إنتاج وإعادة إنتاج الوسطية والاعتدال، وظلت مؤسسته، من جامع وجامعة، تقع على أخطر نقاط التقاطع والتحديات المعبّرة عن روح مصر وعن صحيح الإسلام. على أن هذه المنارة تتعرض اليوم لسخائم من الطمس والتشويه، تقودها السلطة الحاكمة، وتؤازرها الجماعات السلفية، فجنب القضاء والشرطة والإعلام والجيش، يجيء الدور على الأزهر في السيطرة عليه، عبر محاولات دائبة ومستمرة لتهميشه، واستلاب دوره الريادي في العالم الإسلامي، سواء من قبل قوى خارجية خليجية ترى مصلحتها في إنهاكه، أو ما توضحه ممارسات الداخل التي بدأت مع إنشاء مرجعيات وكيانات موازية أو بديلة له، جنبًا مع إنشاء ائتلافات وهيئات، أظهرت الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح ومجلس شورى العلماء وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ومؤخرًا، وضح ترصد هذه القوى للأزهر، مع مشروع قانون إعادة تنظيمه، التي تقدمت به في الدورة الأخيرة لمجلس الشعب المنحل، ولجوء البعض من أتباع السلفية لحصار مقر مشيخة الأزهر، ومحاولاتهم التنكيل بمواقف وفتاوى تبنتها هذه المشيخة، جنبًا مع طردهم لعدد من أئمة المساجد، وتوسيع قاعدة انتشار جماعة الإخوان المسلمين داخل هيئات التدريس بجامعته، على رغم تطهيرها من أنصار مبارك، والنص في المادة الرابعة من الدستور على زيادة دور وسلطة أعضاء هيئة كبار العلماء، بما سيُيسر للإسلاميين السيطرة على هذه الهيئة وتفسير الشريعة حسب رؤيتهم.
وشهدت الأيام السابقة، بيان بعض شباب الدعوة السلفية المُوجّه إلى شيخ الأزهر لاستتابته، وترك المذهب الأشعري، وتهديد د. أحمد كريّمة أستاذ الفقة المقارن بالتصفية الجسدية.
ويشار هنا أن الجامع الأزهر قد أنشئ مع بداية الفتخ الفاطمي لمصر سنة (970) ميلادية، واعتبر في التاريخ المصري الحديث “,”مصدر الشرعية“,” قبل الجيش، وانتمى منتسبوه، علماء ومشايخ وطلاب، إلى النسيج الأساسي للجماعة المصرية، وأنه لم يكن يومًا مؤسسة كهنوتية، بل ظل على تواصل حميم بجماعته، وإن تعرض في أحيان لتدخلات القوى السياسية. ولعب رجاله دورًا بارزًا في الحركة الوطنية، منذ مقاومتهم الغزو الفرنسي نهايات القرن الثامن عشر، من كونهم قادة هذه الجماعة، كأئمة وقضاة ومعلمين ومأذونين وميقاتيين وفقهاء، مرورًا بعرضهم الولاية على “,”محمد علي“,” بشروطهم سنة (1805)، ووقوفهم مع عرابي في ثورة سنة (1881)، حين أفتى الإمام شمس الدين الأنبابي، بعدم صلاحية الخديو توفيق للحكم، ونوالهم النصيب الأوفى من السجن والنفي إثر هزيمة عرابي، حتى مشاركتهم في ثورة 1919، حين تحول الجامع الأزهر إلى معقل للثوار ومركز للوحدة الوطنية، وإن جاز القول بأن وسطيته قد تفقد حيثيتها من حياتهم السلبية، وهو ما حدا به أن يمارس دورًا نشطًا في المجال العام بعد قيام ثورة 2011، يحقق له استقلالية عن السلطة السياسية، وهو ما توضحه “,”وثيقة الأزهر“,” التي شرفت منذ عامين بالمشاركة في إعدادها، وجاءت ترجمةً لشعار الوسطية والاعتدال الذي يتبناه.
ويتراءى هنا سؤال ماثل: هل يمكن النظر إلى محاولات السلفيين الراهنة في النيل من الأزهر، كامتداد للصراع المذهبي بين الحنابلة والأشاعرة.. اعتبارًا من أن مرجعية الأزهر أشعرية منذ القديم.. في حين أن مرجعية السلفيين حنبلية وهابية؟
والثابت تاريخيًا أن المشروع السلفي خاض مواجهات سجالية مع فرق اعتبرت مخالفة كليًا أو جزئيًا له، كالخوارج والمرجئة والجهمية والمعتزلة، وأيضا المتصوفة والمتكلمة والمتفلسفة والأشاعرة. وقد بدأ هذا المشروع مع أحمد بن حنبل، مؤسس آخر المذاهب الفقهية السنية الأربعة الأساسية في نهاية القرن الثاني الهجري، ثم تبلور وتقعّد مع الفقيه ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، ليستعيد حيويته بعد ذلك على يد محمد بن عبدالوهاب في نجد نهاية القرن السابع عشر، عبر ما ارتآه مقاومةً لأشكال الوثنية والانحراف التي تسربت إلى عقيدة التوحيد وقواعد التعبد، ليتحول بعدها إلى أرضية فكرية لمعظم حركات الإصلاح الفكري والسياسي التي شهدها العالم الإسلامي، وما تفرع عنها تاليًا من تيارات واتجاهات.
وعبر هذه المسيرة، تواصل المشروع السلفي من دائرة المعتقد إلى لُحمة الثفافة العامة، حتى صوْغ تيار حركي. يمتلك في الراهن تواجده اللافت. أما الأشعرية، فتنسب إلى أبي الحسن الأشعري (260-324هـ). سليل الصحابي أبي موسى الأشعري، وكان أبوالحسن إمامًا من أئمة المعتزلة، وهجرها إلى أهل السنة، رافعًا شعار الوسطية والاعتدال. في محاولة منه للتوفيق بين مذهبي المعتزلة والسنة، وأسس لذلك مذهب “,”أهل السنة والجماعة“,”. ومنذ أيامها، انقسم الفقاء إلى حنابلة وأشاعرة، وتزايدت قوة الأشاعرة التي أفادت منهم الخلافة العباسية، فيما استطاع المذهب أن يقدم الصيغة التعبيرية “,”الملائمة“,” لها حول علاقة الراعي بالرعية.
وفي مصر، لم ينل المذهب الحنبلي حظًا بين أهلها من السنة، ولم يحظ بشيوع بين العامة، مع أنه عكس ما يشاع عنه، كان أخف المذاهب في المعاملات كالبيوع والإيجارات وما إليها، حيث الأصل عنده فيها على الإباحة، حتى يقوم دليل المنع. إلا أن الحنابلة، مع تيسيرهم في المعاملات، كانوا أشد المذاهب في العبادات بحجة محاربة البدع، حتى أرهقوا الناس، فيما كل شيء يدخل عند المتشددين منهم تحت سقف البدعة التي هي في النار!.
على أنه، ورغم هذا التراث من الملاهاة بين الحنابلة والأشاعرة، يبدو الأمر في الحاضر قرين تحريك وتفعيل دور الأزهر، مع المواجهة الصارمة لطبقات الأكاذيب والدسائس والوجوه المستعارة، التي تحاول طمس دوره ورسالته، كي لا يظل قابلاً لأن يعبث فيه بُغاث الطير، وتجار الدين، وسماسرة الخليج.