الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

سنواصل الضغوط على مصر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تكلم وزير الخارجية الأمريكى جون كيري بمستويين من الخطاب السياسى إبان وبعد زيارته الأخيرة للقاهرة، فمرة حاول خداعنا بمعسول الكلام عن حرصه على العلاقات الإستراتيجية مع مصر، واهتمامه وعنايته بأن تعود مصر إلى أداء دورها الإقليمى، ومرة أخرى- وبالذات بعدما غادر القاهرة– كان يتحدث عن أن بلاده ستواصل الضغط على مصر لضمان حرية التظاهر، ونزاهة الأحكام القضائية، وحرية التعبير والصحافة، وعدم اضطهاد وسجن النشطاء، وفى ذلك إيماءات واضحة إلى (قانون التظاهر المصرى) و(أحكام الإعدام على قيادات الإخوان فى ملوى والعدوة بالمنيا) و(قضية خلية الماريوت للعاملين بقناة الجزيرة) و(قضية نشطاء 6 إبريل الذين يمضون فترة عقوبتهم القانونية بالسجن).
وكتبت - مرارا – أننى لا اصدق ولا أتجاوب – بالتبعية – مع ما حاول كيرى أن يعطى الانطباع به، وأعنى كونه كيسا، لطيفا، لين العريكة، حليق الذقن، لأن موقف الولايات المتحدة من بلادنا – طوال سنوات استبقت عملية يناير 2011- كان التآمر المباشر على استقرار الدولة المصرية وسلامة ووحدة أراضيها، وتفكيك مؤسساتها العمد فى الشرطة والجيش والمخابرات والحزب، وقهر إرادة الشعب المصرى السياسية، وفرض الإخوان ومحمد مرسى (أول جاسوس مدنى منتخب) لقيادة بلدنا، ثم الدخول – بالتبعية – فى سلاسل من التواطؤات المنحطة، وعقد اتفاقات تتعلق بالتنازل عن التراب الوطنى، والخضوع لمنطق التقسيم الذى أرادته واشنطن فى إطار مشروعها الساقط للشرق الأوسط الأوسع.
هذه هى منطلقات العداء الأمريكي لمصر، والتى لا يمكن معها قبول أو تصديق اللهجة الأمريكية المخادعة والماكرة التى تبناها جون كيرى أثناء زيارته لمصر.
اليوم يتحدث وزير الخارجية الأمريكى المنحط بلهجة أخرى مؤداها: (سنواصل الضغط على مصر).. نفس اللغة التى خاطبتنا بها الولايات المتحدة عند أوضح نقطة صدام بيننا وبين واشنطن، وهى قضية التمويل الأجنبى فى فبراير 2011، التى أحال فيها القضاء المصرى 44 ناشطا (منهم 19 أمريكيا) إلى الجنايات، وحينها سمعنا من يتحدث فى الولايات المتحدة الأمريكية عن استخدام أسلوب الرصف السياسى (Political – Paving) فى التعامل مع مصر، أى الضغط عليها كما لو كان وابور زلط مر فوقها.
هذا ما يريد جون كيرى مواصلته مع بلدنا، وهو نفس ما تعرضنا له مرات عديدة، أوضحها ما أشرت إليه عن قضية التمويل الأجنبي، وحينها تبنى أعضاء مجلس الشيوخ: جون ماكين وجوزيف ليبرمان، وكيلى أبوت المطالبة بوقف المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر (1,3 مليار دولار سنويا)، ووقتها تشدد المشير محمد حسين طنطاوى رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة – الذى كان يحكم مصر – وتخاشن مع رئيس الأركان الأمريكى مارتن ديمبسى، أثناء زيارته لمصر، وهو ما دفع الجنرال إلى وصف مباحثاته مع طنطاوى بأنها كانت (صعبة وخشنة للغاية).
وتذكرون – قطعا – معركة فايزة أبو النجا الجسورة والمجيدة فى ذلك السياق والتى صرحت خلالها: (إن أمريكا استخدمت التمويل السياسى لخلق واستمرار الفوضى فى مصر)، وهو ما يعد أخطر توصيف – وقتها – لحقيقة الدور الأمريكي ضد مصر.
على أية حال.. وأيا كانت النتائج التى تمخضت عنها تلك المعركة، فإن الولايات المتحدة عادت لتحاول (الرصف السياسى) مرة أخرى، بعد ثورة 30 يونيو الأسطورية التى ضربت المشروع الأمريكي للشرق الأوسط الأوسع، والفكرة الخرقاء للخلافة الإخوانية، فضلا عن المشروع التركى المتحفى للعثمانية الجديدة.
راحت أمريكا – فى لوثة حقيقية – تقوم بتصعيد مواجهاتها مع مصر حتى وصلت إلى نقطتها المفضلة، وهى: (تعليق أو وقف المعونة العسكرية إلى مصر وحجز بعض المعدات العسكرية والحيلولة دون تسليمها لمصر مثل طائرات "الاباتشى" و"إف – 16"، وزادت عليها – مؤخرا – ببعض مطالبات أعضاء الكونجرس لتخفيض المعونة الأمريكية لبلدنا فى الموازنة القادمة، بما قيمته 400 مليون دولار، منهم 300 مليون دولار من المعونة العسكرية، ومائة مليون دولار من المعونة الاقتصادية، هذا فيما ظلت معونة (العام 2013) معلقة، تلاعبنا واشنطن بشأنها، وتربطها بتنفيذ خطوات خارطة المستقبل، رغم أن تلك الخارطة هى محض ابتكار مصرى، قررتها الإرادة المشتركة لشعب وجيش 30 يونيو.
وهكذا راحت أمريكا تعلق المعونة، ثم يطلب أوباما (المتآمر الأكبر الأساسى على مصر) فسح 650 مليون دولار منها!!.. ثم ترفض لجنة المخصصات الأجنبية فى مجلس النواب، وتسمح – فقط – بضخ 572 مليون دولار فقط!
نعم.. أمريكا تواصل الضغوط على مصر وتحاول تنفيذ منهجها فى الرصف السياسى.
ومن هنا ينبغى أن تمتنع أية ثرثرة منحطة يتحدث فيها بعض المصريين عن أن أمريكا تستعدل موقفها من مصر ومن ثورة يونيو، ولا بد من فهم التصريحات الودودة اللذيذة "النميسة" لجون كيرى فى القاهرة، على أنها كانت غطاء لمطالبات مستورة وخطيرة.
وأعنى بتلك المطالبات محاولة إلزام مصر بعدم التحرك فى الشرق الأوسط إلا بالتشاور مع الولايات المتحدة، وبالتحديد عدم التحرك لحماية أمن الخليج سواء فى مواجهة ما يجرى فى العراق أو من إيران إلا بالتشاور مع أمريكا، فضلا عن دفع مصر إلى لعب دور فى تحرير الجنود الإسرائيليين المختطفين فى غزة، وهو الذى يعنى دخول مفاوضات مع حماس (إحدى أذرع الإخوان) ومن ثم تصبح السلطة الجديدة فى مصر متورطة فى تفاوض غير مباشر مع الإخوان، وهو ما يحقق الغرض الأمريكي بإدماج الإخوان فى العملية السياسية والتصالح معهم.
هناك لوبى أمريكى فى القاهرة، أمعنت واشنطن بناءه وهندسته طوال أربعة عقود، وهو يضم حزبيين وأكاديميين وسياسيين ونشطاء فى جمعيات أهلية، وأدباء، ورجال أعمال، ومسئولين داخل بلاط الحكم حتى المستويات الإدارية الرابعة والخامسة، وقد أسمت واشنطن عناصر ذلك اللوبى: (أصدقاء أمريكا).
ولعب ذلك التجمع دورا خائنا وعميلا ساقطا فى التآمر على الدولة المصرية قبيل عملية يناير 2011، كما حركته واشنطن طوال الفترة التى تلت يناير 2011، ووظفته لدفع الأحداث نحو تولى الإخوان للحكم تحت مظلة شعارات سافلة مثل: (عصير الليمون)، واستخدمته ضد المؤسسة العسكرية (الضمير الحر للوطنية المصرية) فى محاولة لتلطيخ صورتها النمطية الوضاءة فى الوجدان الشعبى المصرى، كما دفعت به إلى دور دنيء حاول إجهاض ثورة 30 يونيو، والابتعاد بالبلد عن تحقيق أهدافها وتسليم مصر من جديد للإرادة الأمريكية، بعد أن شعرت واشنطن أن ثورة يونيو – تلك – تعنى استقلال الإرادة الوطنية، ومن ثم افتقاد الولايات المتحدة للقدرة على ممارسة دورها المفضل فى الضغط على مصر ورصفها سياسيا!!
لا مجال للحديث عن متانة وقوة العلاقات المصرية – الأمريكية إلا بعد تخلى أمريكا عن منطق الضغط والإملاء الذى يهلل له بعض عملائها فى القاهرة مغردين محبذين له بلا احتشام سياسى، ومحلقين مبشرين به فى سموات عواهن بلا كسوف أو خجل وطنيين!