الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

"الليبرالية المصرية".. الماضي.. الحاضر والمستقبل (1)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
(1)
· مع الإطاحة برأس النظام السابق في 11 فبراير 2011.. ولطبيعة وخصوصية ثورة 25 يناير في موجتها الأولى من حيث القيادة.. البرنامج الاجتماعي الديمقراطي.. إلخ، (وهي قضايا تحتاج للتوقف والبحث التفصيلي)، دخلت ثورة 25 يناير في مسارات وسيناريوهات بدت مغايرة، إن لم نقل مخالفة تمامًا لبداياتها الأولى.
تلك البدايات التي سجلت حالة إجماع على شعارات الثورة “,”عيش.. حرية.. كرامة.. عدالة اجتماعية“,”، بين كافة القوى والتيارات والحشود الجماهيرية المشاركة في الثورة، وغابت تمامًا في تلك الفترة، أي أصوات أو دعوات أو مطالب تفرق بين المصريين على أساس الدين أو الجنس..
وكانت أيام الانصهار العبقري بين المسلمين والأقباط، بين الرجال والنساء.. وشكلت مواقفُ ومبادرات وسلوك المصريين “,”لوحةً مبهرة“,”.. ثورة.. متحضرة.. راقية وواعية.. تستحضر وتهيئ لميلاد مصر الحديثة.. مصر الديمقراطية.. مصر دولة المواطنة.. مصر المدنية.. وكان الأبرز في تلك اللوحة المبهرة شباب مصر، فتيات وفتيان، روح ثورية متدفقة.. عقول متفتحة.. نفوس متسامحة.. أبصار وبصائر شاخصة للمستقبل.. لبناء مصر الحديثة المدنية.
(2)
· بدأت تدريجيًّا جماعات وقوى، شارك بعضها على استحياء في أيام الثورة الأولى.. وعارضها بقوة بعضها الآخر، نقصد تحديدًا قوى الإسلام السياسي (الإخوان – السلفيين).. بدأت هذه القوى تطرح مشاريعها وأفكارها وبرامجها.. بل وسعت للاستحواذ على آليات الحراك الثوري، وسرعان ما أطلقت حملاتها (المتأسلمة) لأسلمة الثورة ومشروعها..
وأظهرت تلك القوى المتأسلمة حقيقة نواياها تجاه الثورة ومسارها في استفتاء 19 مارس 2011.. واعتمدت خطابًا دعائيًّا يخلط السياسي بالديني.. ويرمي بالكفر أفكار وأنصار ودعاة الدولة المدنية.. وانطلقت من فوق منابر المساجد والزوايا، ومن شاشات الفضائيات الدينية، حملة “,”مكارثية“,” شعارها “,”امسك.. ليبرالي.. علماني.. عقلاني.. ديمقراطي.. مدني.. يساري.. إلخ“,”.
وتزايد هذا المخطط صخبًا ووضوحًا في الانتخابات الرئاسية، وعقب تولي الرئيس محمد مرسي السلطة، ويبقى أبرز الأمثلة وأشدها سفورًا وفجاجة.. ما جرى في تشكيل الجمعية التأسيسية الأولى (المنحلة بحكم المحكمة).. والإصرار على إعادة تشكيلها بذات النهج (نهج الاستحواذ والإقصاء من قبل الإخوان وحلفائهم).. الانفراد بصياغة مواد مشروع الدستور.
ثم كانت قمة المهزلة في الإسراع بإقرار مواده، وتأكد مخطط “,”اختطاف الثورة“,”، بل “,”اختطاف مصر كلها“,” لصالح تيارات الإسلام السياسي، بقيادة جماعة الإخوان ومرشدهم، في الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي، وعارضته بقوة كل القوى والتيارات والطوائف من شعب مصر.. ولم يسانده ويؤيده إلا التيار الإسلامي!! واستعرت حملتهم ضد مخالفيهم في الرأي والرؤيا من أنصار الدولة المدنية الحديثة.
وفي المقابل أثبتت الأيام الأخيرة، خاصة بعد نجاح مليونيات القوى المدنية الشعبية (“,”للثوة شعب يحميها“,” الثلاثاء 27/11، وجمعة “,”حلم الشهيد“,” 3/11)، أن فكرة التنسيق والعمل المشترك لأنصار الدولة المدنية ما زالت صحيحة، وجديرة بالمزيد من الجهد والعناية؛ لرد الاعتبار لأفكار ومفاهيم الدولة الحديثة الليبرالية المدنية.. المواطنة.. الوحدة الوطنية.. حرية الفكر والاعتقاد.. حرية الإبداع.. إعلاء قيم الحوار، وثقافة الاختلاف، واحترام المرأة وحقوقها. باختصار.. رد الاعتبار لقيم “,”الليبرالية المصرية“,”..
(3)
· والآن نتوقف أمام “,”الليبرالية المصرية“,”.. المصطلح.. النشأة والتكوين.. القيم والمفاهيم.. الرواد.. المعارك والمساجلات.. فيما نرى أنه مدخل ضروري للوصول إلى الحاضر.. والانطلاق للمستقبل.. مستقبل الوطن.
· أولاً الليبرالية: المصطلح كلمة أعجمية، احتار المترجمون بحثًا عن مسمى عربي لها. ولعل الترجمة العربية الوحيدة الأولى والأخيرة أتت في كتابات رفاعة الطهطاوي (الأب المؤسس للفكر الليبرالي المصري). فقد عاد إلى الجذر اللاتيني للكلمة [ Liberalis ]، ومعناها “,”حر“,”، فترجم الليبرالية إلى “,”حرية“,”، والليبرالي إلى “,”حُرِّي“,”، وجمعها “,”حريون“,” كمصري ومصريين .
وإذا رجعنا إلى القواميس، والمعاجم الأجنبية والعربية، فإننا نجد مجرد تنويعات على ذات المعنى :
§ قاموس أكسفورد: “,”ليبرالي تعني متفتح الذهن، غير متعصب، منحاز للإصلاحات الديموقراطية. برفض الأساليب البربرية“,”.
§ المعجم الفلسفي: (د.مراد وهبة) يرى “,”الليبرالية هي نظرية سياسية ترقى إلى مستوى الأيدلوجيا، إذ تزعم أن الحرية أساس التقدم، فتعارض السلطة المطلقة سواء كانت دينية أم دنيوية “,” .
· الليبرالية المصرية :
- ونقصد بها: تلك المحاولات الساعية لاستنهاض العقل المصري وبنائه، وتحرير الإنسان المصري من استبداد المستبدين، وتحريره من أوهامه الخاطئة .
- الليبرالية التي نقصدها هي الحرية.. الحرية للوطن وللمواطنين.. لهم جميعًا، مَنْ هو معك ومَنْ هو ضدك .
- الليبرالية التي نقصدها.. هي هذا السجل الحافل بقيم الاستنارة والعقلانية، والوحدة الوطنية، وثقافة الحوار المنفتح، وحق الاختلاف، ومفاهيم المواطنة والمدنية .
- الليبرالية المصرية التي نقصدها. المشروع الثقافي والفكري والسياسي والاجتماعي.. والتي بدأت منذ ما يقارب القرنين.. على يد الأب الروحي لليبرالية المصرية “,”رفاعة الطهطاوي“,” (المؤسس الأول)، وما تلاه من رجالات: الشيخ جمال الدين الأفغاني.. أحمد عرابي.. عبد الله النديم.. الشيخ محمد عبده.. علي عبد الرازق.. أحمد أمين.. مصطفى عبد الرازق.. شبل شميل.. فرح أنطون.. ولي الدين يكن.. أمين الخولي.. سلامة موسى.. إسماعيل مظهر.. قاسم أمين.. طه حسين.. سعد زغلول.. مصطفى النحاس.. الشيخ شلتوت.. الشيخ د.عبد المتعال الصعيدي.. نجيب محفوظ.. وغيرهم كثيرون، ثم ما تلاهم من أجيال، بكل إسهاماتهم المتنوعة في مختلف المجالات الفكرية والفلسفية والعلمية، الفقهية والدينية، الأدبية والفنية، والاجتماعية والسياسية .
- وقد يسأل البعض: ما هي علاقة الليبرالية بالدين؟
* ونجيب: الليبرالية هي منهج في النظر العقلي إلى الأشياء، وعدم تقبل ما يتنافى مع العقل. وإذا كان المصريون يقولون “,”ربنا عرفوه بالعقل“,”، وإذا كان الأستاذ الأمام الشيخ محمد عبده قد كتب أهم كتبه (رسالة التوحيد) في إثبات قدرة العقل الإنساني على التوصل بذاته إلى الإيمان الصحيح بوجوده، سبحانه وتعالى، ووحدانيته؛ فإننا مع العقل نكون الأقرب إلى صحيح الدين .
- واحترام العقل وثماره يستدعي احترام ثمار عقول الآخرين؛ باعتبارها منتَجًا بشريًّا يحتمل الصواب والخطأ؛ ومن ثم يستدعي احترام الرأي الآخر والتسامح إزاءه.. ويستدعي بالضرورة حرية القول والتعبير والإبداع، والخلق الفني والأدبي .
ومن هنا.. فإن كثيرين من رجال الدين كانوا روادًا في مجال الليبرالية
يتبع