الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

بدل السكوت .. القاهرة تقترب أكثر كلما بعدت

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
" هذه المدينة لغز، رغم أنك ستتعب حتى تجد أى سحر فيها ، ستجردك هى من قدرة الرحيل ، والناس فيها لا يجيدون شيئا أفضل من البقاء ملتصقين بها كالأطفال . "
هكذا ينبئنا عنها الشاعر الجميل سعد العبدلى وهو يرى دواخلها وخباياها . كلما ابتعدت تقترب ، وكلما افترقت عنى أجدها ملتصقة بروحى ، فى السفر سبع فوائد لا تساوى خسارة غيابها ، فى السفر أفتقدها ، بسخونتها وزحامها وضوضائها وحزنها وهموم أبنائها . بذلك الضجيج المتواصل والصراع الدائم بين القوة والحق ، والحرب الصاخبة بين الأمة والحكومة ، بتلك المقاومة التى لا تنتهى للقبح ، والأمل المتسع لغد أجمل .
كنت فى رحلة عمل لأمريكا ، وكانت مصر حاضرة فى كل شارع ، وفندق ، ومطعم ، وتاكسى . كنت أقول إننى من مصر ، فتبتسم الوجوه إجلالا وتنحنى الهامات احتراما ، مصر أكبر مما تتخيلون ، وأعظم مما تتوقعون ، حضارة هى الأعظم ، ومكانة هى الأعلى ، وريادة هى الأبقى ، لذا لا يحزنك الذين يسارعون فى الكفر بعظمتها من الذين قالوا إنا وطنيون ثم أحنوا الرءوس أمام العاهل القطرى ، أو الدب التركى ، أو المتآمر الحمساوى .
لا يضيرك الذين يفرّطون فى ترابها شرقا لأهل غزة ، وجنوبا للإخوة السودانيين ، فهم لا يعرفون عدد من سكب روحه فداء لهذا الثرى .
لا يحبطك الذين يهبطون بها إلى الجهل والتعصب والتطرف وضيق الأفق .
لا يقهرك الذين يفرعِنون حاكمها ويؤلهونه ويخلعون عليه أوصاف الأنبياء والصحابة، ولا يريدون نقدًا لسوء ولا إنكارًا لباطل .
لا يعنيك الذين لا يرونها ولا يعترفون برابطة لأبنائها ، أولئك الذين ختم الشيطان على قلوبهم ، فصار لديهم الماليزى كالمصرى ، والغزاوى أولى من الصعيدى .
تندهشون تندهشون عندما تعلمون أن سائقى التاكسيات ، وعمال السكك الحديد ، وموظفى الفنادق ، والعاملين فى محلات الملابس ، ورواد المقاهى والمطاعم فى أمريكا يحبون مصر ، ويسألون عنها وعن أهلها الطيبين وحضارتها التى لا تتبدد .
تندهشون تندهشون عندما أكرر لكم عبارة سيدة جميلة عن وطن يحتضن الحضارات وينتج الجمال ويصدره ويمد العالم به .
تندهشون تندهشون عندما يسألنى مغترب مصرى مهاجر لم يرَ الوطن منذ 25 سنة إن كان الناس فى مصر ما زالوا يبتسمون كما كانوا أم لا !
أتساءل مع صديقى الشاعر محمد الماغوط فى أسف : " هل أنا فى وطن بحاجة إلى حدود أم حدود بحاجة إلى وطن ؟ "
أخجل أن أجيب، وأستغرق فى التذكر وأستعيد التاريخ وأتمثل الحضارة فيعود لوجهى بريق الأمل ، لقد احتل الهكسوس مصر ثلاثمائة عام ولم تتهكسس ، واستولى عليها البطالمة ولم تتبطلم ، وبقى فيها الفاطميون قرنين كاملين ولم تتشيع ، وغزاها نابليون بعساكره ولم تتفرنس ، وأقام فيها الإنجليز سبعين عاما ولم تتجلنَز ، لذا فإنها لم تتأخون ووقى الله المصريين شر الفاشية الدينية .