تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
لم تفاجئنى محاكمة القرن (للرئيس حسنى مبارك ونجليه ووزير الداخلية اللواء حبيب العادلى وستة من مساعديه) حتى جلستها الأخيرة يوم الأربعاء 18 يونيو، والتأجيل إلى يوم 6 يوليو.
نعم.. لم يفاجئنى ما تضمنته مرافعات الدفاع فى محاكمة القرن، لأننى لم استسغ أو أتقبل وقائع 25 يناير 2011 - على الجملة والكلية – باعتبارها (ثورة)، لا بل إننى لم امنحها لقب (ثورة) – أبدا – فى كتاباتى، وكنت أناديها (أحداث) أحيانا و(عملية) أحيانا أخرى.
الثورة لها تعريف علمى تحدد بوجود قيادة، ولزوم وجود برنامج للتغيير.. ثم إذا تكلمنا عما أفضت إليه 25 يناير بتولى الإخوان سُدة الحكم فى البلد، لابد لنا أن نقرر استحالة حدوث أية عملية للتغيير تستهدف الصعود بقوى الجمود والرجعية والتطرف والتخلف إلى القيادة، لأن التغيير – بطبيعته – هو عملية تقدمية تسعى إلى الامتداد لقدام.. إلا أن ما جرى كان ارتدادا وليس امتدادا، ورأينا الإخوان الإرهابيون والجماعات المتأسلمة يركبون 25 يناير ويقودونه إلى حيث يشاءون.
كان الذى رأيناه فى 25 يناير يختلف – تماما – عن شكل الثورة، الأمر الذى دفع إلى أن يناديها بعض أشد الكتاب والمفكرين التصاقا بها: (حالة ثورية) وليس (ثورة).
وبصفة عامة فقد لحقت بمحاولات توصيف ذلك الحدث صعوبات جمة، دفعت إلى تغليب (المجاز) فى تصويره على (الحقيقة).. فصرنا نسمع أنها (موجة ثورية)، ثم (موجة ثانية) ثم (عملية تصحيحية)، ثم لم يجد أصحاب تلك الحيرة بداً أمامهم إلا إلحاقها - عسفا – كبضاعة محملة على عربات قطار ثورة 30 يونيو، وبدء الكلام عن (الثورتين) معا، حتى تذوب معالم ما جرى فى يناير 2011، وسط ما جرى فى يونيو 2013.
يناير تلبسته مؤامرات معقدة وخيانات أشد تعقيدا، وإلتحامات بمخططات إقليمية وأجنبية، تم الإعداد لها – لسنوات – وتدريب مجموعات من العملاء والجواسيس والنشطاء المحليين عليها فى صربيا والولايات المتحدة وبريطانيا وقطر.
عملية تم – فيها - تمويل بعض منظمات المجتمع المدنى المشبوهة من أجل انجازها عبر حصص اقتطعتها الولايات المتحدة من مبلغ المعونة المخصص لمصر (الأمر الذى خاضت فيه الوزيرة الجسورة فائزة أبو النجا معركة هائلة ضد جواسيس التمويل الأجنبى فى الجمعيات الأهلية).
وفى مرحلة أخرى شرحت أسباب عدم إقرارى بإطلاق اسم (ثورة) على 25 يناير، موضحا أننا حين نتكلم عن ذلك التاريخ فنحن نقصد شيئين لا شئ واحد، أولهما هو الانفجار الإجتماعى الكبير الذى مثلته كتلة الناس المشاركة فى الحدث، والتى خرجت مدفوعة باحتجاجها على سياسات اجتماعية اقتصادية رأتها ظالمة، وثانيها هو تجمعات مجالس الحكماء والائتلافات الثورية وجمعيات النشطاء التى انخرطت فى كل ما هو عميل وتابع وخائن، وراحت تسعى إلى إسقاط مؤسسات الدولة وتفكيكها.
كان هناك – منذ بداية البدايات – شيئا أثار شكوكنا، ثم تدعم بما أذاعه على امتداد السنوات الفائتة الإعلاميون: أحمد موسى وتوفيق عكاشة وعبد الرحيم على، فقد صار مجالا للمراكمة حتى اتضح موزاييك أو (فسيفساء) الصورة، وأشعرنا بحجم مؤامرة يناير التى كتبت – ذات مرة – أننى لن استخدم لقب (ثورة) فى وصفها إلا حين تغتسل من أدران كل هاتيك المؤامرات والخيانات التى تلبستها.. وحين أرى كل العملاء والجواسيس (الذين لعبوا فيها أدوارا مؤثرة) خلف القضبان بملابس السجن الزرقاء، أو معلقين على أعواد المشانق بملابس السجن الحمراء.
وأعود إلى جلسات محاكمة القرن وأُذكر من شاء أن يتذكر بما ورد فيها من تحليل وصور وأفلام عن الهجوم على أقسام ومديريات الأمن والسجون، وآلة الدعاية الضخمة التى حاولت وصم الشرطة بأنها قتلت المتظاهرين، ثم أطلقت مناحة كبرى تطالب بما سُمى حق الشهداء، مع انكار سقوط شهداء من الشرطة، والهجوم والغزو الاجنبى الذى شاركت فيه حماس وحزب الله، وقيام السفارة الأمريكية والجامعة الأمريكية وشركة بلاك ووتر وثيقة الصلة بالمخابرات الأمريكية، والقطع البحرية الأمريكية التى اخترقت المياه الإقليمية المصرية، وتدخلت – مباشرة – فى شئون البلاد، وفرضت – بغير الطريق الطبيعى – تغيير السلطة التى كانت قائمة، فضلا عن العنف الشديد الذى مارسته القوى التى قامت بأدوار حركية فى العملية لإرهاب المجتمع وفرض انتقال السلطة فيه إلى جماعة بعينها.
وفوق ذلك كشفت المحاكمة عن السنادة الإعلامية القطرية (الجزيرة) الزائفة والكاذبة التى خلقت حالة يسرت على الجماعات المتآمرة التحرك وتنفيذ بنود الخطة الإجرامية لتفكيك الدولة فى مصر.
وأخيرا ظهر لنا من متابعة وقائع مرافعات الدفاع بعض ما جرى من شيطنة وتنميط للقوات المسلحة والشرطة والمخابرات والحزب الوطنى، فى محاولة لتسهيل ضرب أدوات الضبط المادى للسلطة وبالتالى انهيار الدولة.
.....................
لذلك لم اعتبرها – أبدا – ثورة، ولذلك – أيضا – لم أتفاجأ بما ورد فى مرافعات الدفاع بمحاكمة القرن.