الثلاثاء 22 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

مانديلا.. سلامًا وتحية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

§ نيلسون مانديلا، صاحب الوجه الأسمر والقلب الأبيض دخل المستشفى وهو يصارع الموت.. أيقونة جنوب إفريقيا تكاد تودع الحياة تاركة إرثًا لا يستهان به من التسامح والعفو والقيم النبيلة.
§ مانديلا عاش ومرض وسيموت في بلاد الذهب والألماس، وكأن أخلاقه قد استقت من معادن بلاده صفاتها وخصالها.. فمانديلا من معادن الذهب والألماس.
§ وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال: “,”الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إن فقهوا“,”.
§ ما أحببت أن يسلم أحد مثلما تمنيت أن يسلم مانديلا.. فأخلاقه أفضل من أخلاق كثير من المسلمين.. وزهده في الدنيا أعظم من زهد الكثير منا.. وتعففه عن مغانم السلطة بل وتركه لها بعد فترة رئاسية واحدة لم يفعله من حكام المسلمين أحد سوى الفريق سوار الذهب الذي أحبه حبًا شديدًا، رغم عدم تشرفي بلقائه.
§ يبدو لي أن مانديلا قرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في السجن؛ لأنه أرسل رسالة للمصريين عقب ثورة يناير يحذرهم من دعوات الانتقام والثأر، قائلا: أذكركم بقول نبيكم العظيم محمد: “,”اذهبوا فأنتم الطلقاء“,”.
§ سبحان الله.. إنه يفهم رسالة الإسلام ويطبقها عمليًا أكثر منا.. إنه عاش بوجدانه وقلبه وجوهره مع معاني التسامح في الوقت الذي نعيش نحن مع الشكل لا المضمون.. والمظهر لا الجوهر.
§ لقد أدرك مانديلا أن القيم التي سيتركها أقوى من كراسي السلطة.. وأن القدوة أعظم من السلطة.. وأن نبل المواقف أبقى أثرًا من النفوذ أو المال.
§ آه يا مانديلا.. أين الحكم والمعارضة في مصر منك؟.. أين المتصارعون على الكراسي منك؟! ما أشد ما تحتاج الدعوة الإسلامية إلى معادن الذهب والفضة.. وما أكثر أنينها من معادن الزرنيخ والرصاص التي لوثت ثوبها الأبيض بالشتم والسب والاستعلاء والاستعداء وزرع الكراهية والأحقاد، بدلًا من زرع الحب والود والتسامح.
§ لقد قال مانديلا قبل دخوله المستشفى بأسبوعين: “,”أعظم هدية أن يعطي الله الفرد الوقت والطاقة لمساعدة الآخرين دون انتظار مقابل“,”.
§ وأردف حزينًا على حالة الصراع السياسي في العالم كله: “,”الناس في العالم تعيش حالة من الهرج والمرج جراء الصراع السياسي الذي يتصاعد يومًا بعد يوم“,”.
§ لقد دخل مانديلا التاريخ الإنساني بالعفو والتسامح والرفق، رغم أنه سُجن وعُذب قرابة 27عامًا، ورغم ما أصاب السود الذين كان يحرم عليهم الدخول من باب مخصص للبيض أو ركوب قافلتهم أو استعمال صنبورهم أو الذهاب إلى شاطئهم، وذلك حسب وصفه هو.. والذي أكمله بقوله: “,”خرجت من السجن بعد أن سلخت بين جدرانه عشرة آلاف شهر“,”.
§ لقد كان من السهل على مانديلا أن يغذي طريق الأحقاد أو يبث الكراهية ضد البيض أو يقصيهم ولديه من المواد ما يعينه على ذلك.. ولكنه أدرك أن جنوب إفريقيا لن تكون دولة عظيمة إلا بالعفو والمشاركة الوطنية للجميع والمصالحة الوطنية مع الجميع.. وأدرك أن الوطن ليس للسود وحدهم، رغم أنهم أصحاب الوطن الأصليين.. ولكن الوطن يسع الجميع السود والبيض والهنود والملونين.
§ لقد أدرك أن الانتقام والإقصاء قد يحقق الجوع المرحلي للتشفي والإقصاء.. ولكنه سيُدمر الوطن كله استراتيجيًا.
§ لقد أراد مانديلا أن يكون أبًا للجميع ومحبًا لهم.. نظر إلى المستقبل ولم يعش يومًا مع مرارات الماضي وجراحاته.. تسامى عليها إنه لا يريد أن يقع فيما وقع فيه خصومه من عنصرية بغيضة وإقصاء مدمر.
§ لم يكرر صباح مساء عُذبت وسُجنت.. ولو قال لصدق.. ولكنه انطلق إلى باب الرحمة الواسع ليشمل الجميع برحمته وعطفه.. ويرحم الذين سجنوه لأنه رأى نفسه أبًا للجميع ولم يجعل نفسه خصمًا وندًا لأحد.
§ ثم هاهو يترك السلطة وكأنه يقول لهم: إنما جئت لأصلح بينكم والآن أودعكم.. لقد أدرك أن التربع على عرش القلوب أعظم من التربع على عرش السلطة.. ومحبة القلوب أبقى من نزوة السلطة وزخرفها.. وهاهو يُودع الدنيا كلها، ليترك نموذجًا فذًا لم يستطع أحد في بلادنا العربية أن يحذو حذوه.. سلامًا وتحية لـ“,”مانديلا“,”.