والحقيقة أن "الإسلام وأصول الحكم" قد أحدث زلزالًا فكريًا وسلطويًا حرك المياه الراكدة فى بحيرة الليبرالية المصرية، فتحركت أقلام عديدة لمساندته وقوى عاصفة أخرى لإدانته . فقد انحاز حزب الأحرار الدستوريين [وهو حزب كبار الملاك العقاريين] ربما بسبب علاقة تاريخية لمساندة الشيخ فى مواجهة حملة عاصفة وظالمة ، وأتت مجلة الهلال إلى صف الشيخ وتقول "إن كل أمه إسلامية حرة فى انتخاب من تريده حاكمًا عليها وسواء كان الأستاذ على عبد الرازق قد وفق فى أن يسند نظريته إلى الدين – كما يعتقد – أم لم يوفق ، فإن هذه النظرية تتفق وأصول الحكم فى القرن العشرين الذى يجعل السيادة للأمة دون سواها من الإفراد مهما كانت ولادتهم وميزاتهم الأخرى . [الهلال – يوليو 1925] ويكتب سلامه موسى فى الهلال أيضًا "لعلى عبد الرازق الحق فى أن يكون حرًا يرتئى ما يشاء من الآراء دون أن يقيد بأى قيد سوى الإخلاص" [الهلال – أكتوبر 1925] وتشترك "المقتطف" فى حملة التأييد فتقول "إننا نعتقد أن كل ما قاله حضرة القاضى على عبد الرازق وأمثاله قرين الصواب وخال من الخطأ . كذلك فإن قيام بعض المفكرين ووقوفهم موقف الانتقاد والشك يشحذ الهمم ويغرى بالبحث والتنقيب" [المقتطف – أغسطس 1925] . ويكون مثيراً للدهشة أن يتصور المعارضون للكتاب من غير الأزهريين هو سعد زغلول باشا زعيم حزب الوفد الليبرالى التقليدى فقد كتب سعد "قرأت كثيراً للمستشرقين ولسواهم فما وجدت من طعن منهم فى الإسلام بمثل هذه الحدة فى التعبير على نحو ما كتب الشيخ على عبد الرازق ، ولقد عرفت أنه جاهل بقواعد دينه بل بالبسيط من نظريته [نقلاً عن – د. غالى شكرى – النهضة والسقوط فى الفكر المصرى الحديث – صـ244] .. ويتعين هنا أن نتأمل الخريطة المصرية المرتبكة فحزب كبار الملاك الموالى للملك الطامع فى الخلافة يؤيد الشيخ وكتابه . أما سعد زغلول الليبرالى والذى رفض تنصيب الملك فؤاد خليفة وهاجم "مؤتمر الخلافة" يقف ضد الشيخ وكتابه . وهى خريطة أربكت الكثير من الباحثين خاصة بعد أن تسببت مساندة حزب الأحرار الدستوريين ورموزه للشيخ وكتابه فى أزمة وزارية عارمة وتسببت فى استقالات وزارية . وعلى أيه حال فإن معركة الصراع مع الشيخ وكتابه قد تجاوزت حدود مشادات كلامية أو مناكفات حزبية بين خصوم تقليديين ، خاصة أن الأزهر بمكانته قد دخل بكل ثقلة فى المعركة مستندًا إلى الملك فؤاد الذى كان حلم الخلافة يراوده ويقض مضجعه .. ولعل ما يثير الدهشة ويزيد من إرباك الخريطة المصرية هو موقف أحمد شوقى .. الذى اعتبره الكثيرون محسوبًا على القصر الملكى فى كثير من الأحيان .
ونقرأ لأحمد شوقى قصيدة هى خير من ألف مقال .
مضت الخلافة والإمام فهل مضى .. ما كان بين الله والعُبَّاد
والله ما نسىَّ الشهادة حاضرٌ .. فى المسلمين ولا تردد بادى
والصوم باق والصلاة مقامة .. والحج ينشط فى عناق الحادى
وتردد الأزهر قليلاً فى المعركة ربما منتظرًا الضوء من الملك وتململ رشيد رضا فكتب"لا يجوز لمشيخة الأزهر أن تسكت عن هذا الكتاب لئلا يقول الشيخ وأنصاره أن سكوتهم عنه إجازة له أو عجز عن الرد عليه [المنار – 21يونيو1925 – مجلد 26 – صـ104] . ويثمر هذا التحريض الواضح معركة ضارية هزت أركان مصر .
ونقرأ لأحمد شوقى قصيدة هى خير من ألف مقال .
مضت الخلافة والإمام فهل مضى .. ما كان بين الله والعُبَّاد
والله ما نسىَّ الشهادة حاضرٌ .. فى المسلمين ولا تردد بادى
والصوم باق والصلاة مقامة .. والحج ينشط فى عناق الحادى
وتردد الأزهر قليلاً فى المعركة ربما منتظرًا الضوء من الملك وتململ رشيد رضا فكتب"لا يجوز لمشيخة الأزهر أن تسكت عن هذا الكتاب لئلا يقول الشيخ وأنصاره أن سكوتهم عنه إجازة له أو عجز عن الرد عليه [المنار – 21يونيو1925 – مجلد 26 – صـ104] . ويثمر هذا التحريض الواضح معركة ضارية هزت أركان مصر .