الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

رسائل غامضة وتائهة وغائبة وألغام خلف الأكمة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

هل يمكن أن نعيد إنتاج نفس المقدمات وننتظر نتائج مختلفة؟ سؤال رغم بديهيته مازال يطرح في مواجهة من يديرون الشأن العام بمعطيات الهواة أو العناد الذي يتماس ويتلاقى مع الغباء أحيانًا، وما أظن أن حالتنا المصرية ينطبق عليها هذا التوصيف، وإلا كنا أمام وضع كارثي، في ضوء المخزون الحضاري المصري، وخبراتنا التراكمية مع تجربة الدولة الحديثة خلال قرنين من الزمن، وتفردنا بنموذج الدولة القومية التي دشنها “,”مينا“,” القائد والزعيم المصري حين وحد القطرين (3200 ق. م) قبل أن يعرفها العالم بأسره، وهو أمر يفسر لنا حالة الرفض العارمة التي تغشى كل ميادين مصر، بعفوية وإصرار، ويكاد يضع نقطة في نهاية سطر اختطاف مصر، ويؤكد أنها ستعود حتمًا الى مسارها التاريخي ودورها الرائد في مسيرة الحضارة الإنسانية.
لذلك.. كانت الصدمة فادحة في الخطاب الرئاسي في مناسبة مرور عام على تسلم الرئيس المنتخب مهام منصبه، في لحظة محتقنة تمور بغضب عارم، كان الشارع يتلمس إجابات لأسئلته ظنها متضمنة في الخطاب، فإذا به يغرد خارج السرب ويضيف للغليان حطبًا وللغموض مزيدًا، ونخرج بعده مثقلين بفيض من الأسئلة، وسيل العداوات والتحريضات على مؤسسات وأفراد تصريحًا وتلميحًا.
وقد نكتشف أنه خطاب تمويهي قصد أن يثير موجات من الاندهاش والتهكم عن عمد بينما تجرى إجراءات على الأرض لحساب التمكين والسيطرة على مفاصل الدولة ومحاصرة القوى المناوئة وتفكيكها، على غرار خبرة الفلاح الذي عرف كيف يتعامل عبر تاريخ طويل مع ضغوط جامحة بأن يعلن ما يشكك من أمامه في إدراكه ووعيه وقدراته، بينما يفعل بعيدًا عن الأعين ما يحقق مصالحه وغاياته.
من اللافت أن الرسالة الأولى التي وجهت إلى شركاء الوطن الإخوة المسيحيين ودًا وتقديرًا و“,”بِرًّا“,”، بحسب التوصيف الذي تصدرها، جاءت تحمل غموضًا في الحديث عن عدم الارتياح لحالة الفتور التي تعتري العلاقة معهم خلف الابتسامات واللقاءات والزيارات البروتوكولية، في اتهام مغلف بالمخادعة وعدم الأمانة، وإحالة التخوفات من الاستهداف الإجرامي لهم الى النظام السابق وإغفال ما وقع منها على مدى عامه المنصرم، ماديًا ومعنويًا وعبر فضائيات الموالاة ومنابرهم، دون ملاحقة قانونية أو اعتذار سياسي أو حتى مجرد لوم.
وثمة رسالة تاهت في الطريق فلم ترسل الى مكانها الصحيح، تلك التي تتحدث عن بث الكراهية، وقد وجهت للإعلام الذي اتهم بترويج الفتن ونشر الشائعات وخطابات الكراهية وتدني خطاباته والتربص المغرض، وهي مفردات استحوذ عليها بامتياز وبشكل يكاد يكون حصريًا أسماء بعينها تنتمي للتيارات الراديكالية تحت حماية مؤسسية ومنها من حظى بعفو رئاسي رغم إدانته قضائيًا في جرائم إرهابية روعت الوطن وكادت تودي به، وبدلاً من إدانتها تجدها في صدارة المشهد وفي الصفوف الأولى.
وغابت عن الرسائل رسالة كان يجب أن تتصدر القائمة، لمن تبنى تحميل الأقباط مسئولية الارتباك السياسي واتهمهم بتفجير السلام الاجتماعي والتآمر على نظام الحكم، فهم عند هؤلاء يمثلون 60% من متظاهري الاتحادية ومؤسسي تنظيم “,”البلاك بلوك“,”، ومنظمي حركة “,”تمرد“,”، ويخططون للاستيلاء على الحكم، ويتعاونون مع قوى خارجية مناوئة، بالتوازي مع موجات التحقير لمعتقدهم ودينهم ونعتهم بالكفار والمشركين، ووجوب عودتهم الى مربع الذمية وخضوعهم لأحكام الجزية والإقصاء والخضوع والإذلال. وغياب هذه الرسالة يحمل دلالات غاية في الخطورة ليس أفدحها عدم إدراك ما يجري أو صمت المباركة والموافقة.
على أن المناخ الذي جاء فيه الخطاب يشير إلى زرع ألغام في الطريق، بينما الناس مشغولة بصراع البقاء بين جماعة ووطن، ووأد حلم التغيير واختطاف ثورة لخدمة مخطط يتجاوز الدولة والإقليم ودوائر الانتماء المصرية الثلاث، فما نشهده من ترويج لصراع بين المذاهب الإسلامية، في مداعبة ودغدغة للحس الديني الشعبي، واستغلالاً له تحت وابل من التجهيل والتسطيح، وقد دشن هذا الصراع بمقتل الشيخ حسن شحاتة ورفاقه في مذبحة “,”أبوالنمرس“,”، وهذا الحدث وتوابعه هو الجزء الظاهر من لغم الصراع المفتعل والمصنوع بين السلفنة والتشيّع الذي يستهدف التمهيد لتبرير خوض حرب بالوكالة لحساب الصراع الأمريكي الإيراني، فى إعادة إحياء لمخططات ومشاريع الهلال الخصيب ودول الطوق التي تحطمت على صخرة الإرادة الوطنية، والتأسيس للدول الدينية لشرعنة النموذج “,”العبراني اليهودي“,”، وتسقط ثمرة المنطقة في حجر القوة العظمى، شيطان الأمس الأكبر وحليف اليوم الحميم.
ربما لذلك تتجاوز “,”تمرد“,” مجرد كونها حركة احتجاج على نظام حاكم أو جماعة لا ترى في الوطن وطنًا وتقزمه، إلى اعتبارها دورة نضال مصرية جديدة وعبقرية لحماية وطن ومقاومة محاولات الارتداد الحضاري المعادية للتنوير واللحاق بقطار التقدم.