لعل أهم إنجاز للحرب الأمريكية على الإرهاب، التي انطلقت عام 2001 بعد تدمير برجي التجارة العالمية بنيويورك، أنها خلقت عددًا جديدًا من الكيانات التكفيرية القادرة على مواجهة الجيوش النظامية وتكبيدها خسائر فادحة.. كما أنها أصّلت لفكرة القتل باسم الدين شعبية كبيرة حول العالم، خاصة في أوساط شباب المجتمعات الإسلامية التي تعرضت لضغوط شديدة بسبب هذه الحرب الحمقاء.
والسؤال الآن: هل انتهت القاعدة بعد حرب الولايات المتحدة عليها؟ بالطبع لا.. بل ظهر ألف "قاعدة" جديدة تهدد حياة الناس في جميع أنحاء العالم.. بل نجحت هذه الإستراتيجية الانتقامية الموجهة ضد دول الشرق الأوسط التي ولد من رحمها جميع عناصر الإرهاب المنظم، ما استتبعه صعود تيارات الإسلام السياسي وفى القلب منها تنظيم الإخوان ووصوله لسدة الحكم في مصر ودول ما يطلق عليها "الربيع العربي".
الآن.. الشرق الأوسط يواجه خطر "الدولة الإسلامية في العراق والشام" أو "داعش" أو منتخب الإرهابيين حول العالم الذي تكون في سوريا بأموال خليجية ودعم أمريكي وكان هدفه مواجهة النظام السوري واستنزاف قواته المسلحة تمهيدًا للقضاء عليه وإعطاء الحكم لفصائل المعارضة الموالية للولايات المتحدة.. طال الصراع فما كان من "داعش" سوى التوجه إلى العراق وتهديد مصر والأردن وسط تأييد إخواني منقطع النظير في كل العالم العربي باعتباره حلم الإخوان في بسط سيطرتها على دول المنطقة والقضاء على القوات المسلحة المصرية وإعادة السيطرة على مصر منفردة تمهيدًا لإعلان دولة الخلافة وتحقيق الحلم الذي انتظره التنظيم طوال 80 عامًا.
نعم كان صدام حسين ديكتاتورًا.. نعم كان سفاحًا.. لكن هل أصبح العراق أروع مما كان بعد إعدام صدام؟ بالفعل لا.. بل أن خطر سقوط العراق كدولة موحدة بات أقرب إلى التحقيق وبكل أسف.
المدهش في الحال العراقية هو تقهقر 30 ألف جندي من عناصر الجيش النظامي الذي أنشأته الولايات المتحدة عقب غزوها العراق حتى أن "داعش" نجحت في إجباره على الانسحاب بعد ثلاثة أيام فقط من القتال المتقطع على مدينة تكريت ونينوى أكبر مدينتين عراقيتين وتقترب الآن من العراق التي تحميها قوات كردية.
وبعد أيام من القتال، تخلت قوات الأمن العراقية عن مواقعها في الموصل في الوقت الذي انتشر فيه أفراد ميليشيا "داعش" للسيطرة على قواعد الجيش والبنوك والمكاتب الحكومية، لقد استولوا على مخازن ضخمة من الذخيرة والأسلحة والمركبات التي زودت الولايات المتحدة العراقَ بها، كما استولوا أيضًا على ست طائرات هليكوبتر من طراز بلاك هوك و500 مليار دينار أو 430 مليون دولار أمريكي من العملات المطبوعة حديثًا، هناك أكثر من 500 ألف عراقي فروا من المناطق الواقعة تحت سيطرتهم.
ويقود "داعش" الآن "أبوبكر البغدادي" وهو جهادي عراقي، ويصل تعداد مقاتليه إلى أكثر من 6000 مقاتل في العراق، ومن 3000-5000 في سوريا، بما في ذلك قرابة 3000 من الأجانب، وذكرت مصادر أن قرابة 1000 ينحدرون من الشيشان، وربما 500 من فرنسا وبريطانيا ودول أوروبية أخرى.. إنهم المنتخب أو النخبة أو الصفوة في صفوف التيارات الجهادية في العالم.
إنه تنظيم لا يرحم! يذبح الشيعة وغيرهم من الأقليات بما في ذلك المسيحيين والعلويين الذين ينتمي إليهم بشار الأسد، إنهم يفجرون الكنائس والمزارات الشيعية، يرسلون انتحاريين إلى الأسواق، وليس لديهم أي اعتبار لسقوط "ضحايا مدنيين".
الشرق الأوسط الآن تحت تهديد منتخب الإرهاب العالمي "داعش" ومن ورائه أتباع القاعدة في سيناء وفى باقي الدول العربية ومحبوهم من الإخوان المسلمين.. السلاح الأمريكي في يد الإرهابيين الذين تحاربهم الولايات المتحدة من 14 عامًا.. قوى لا تعترف بحقوق الإنسان ولا بشكل الدولة الحديثة وهدفها تحويل الوطن العربي إلى أفغانستان كبيرة يسود فيها رأى الخليفة أو الأمير.. فهل هذا هو الربيع العربي الذي بشرتنا به الولايات المتحدة بعد وعدها بالقضاء على الديكتاتوريات التقليدية؟ هل حكم المرشد هو الحرية الغائبة؟!
على أي حال.. يبدو أن الغرب لن ينتظر كثيرًا حتى يجنى ثمار جرائمه في الشرق الأوسط.. فبعد نجاح الزحف على الدول العربية ستصبح أوروبا وأمريكا في المواجهة.. وقد يرى المواطن الأوروبي أو الأمريكي في يوم ما قريب، علم القاعدة الأسود "مرفرفا" على ساعة "بيج بن" في لندن و"تمثال الحرية" في نيويورك!.