يخطئ من يعتقد أن إشكالية تجديد الخطاب الدينى حديثة الطرح، أو هى منتج لما يغشانا من موجات تتراوح فى عنفها وحدتها فى السنوات الأخيرة، أو كما يرى البعض أنها إشكالية برزت الى السطح قبل نصف قرن من الزمان حين تفتق ذهن الرئيس الأسبق أنور السادات عن اعادة بعث الخلايا الراديكالية الإسلامية الكامنة والمتوارية لمواجهة المد الناصري واليساري والمدني الذى وجده حال اعتلائه السلطة بعد رحيل عبدالناصر المباغت، والبعض الآخر يرجعها الى 1928 حين أسس حسن البنا تنظيم "الإخوان المسلمون" يخايله حلم إعادة إحياء الخلافة العثمانية، التى سقطت رسميًا قبل هذا التاريخ بسنوات قليلة، والعالم يعبر إلى الدولة الوطنية، ويتأهل لمرحلة التحرر الوطنى.
ظنى أنها تضرب فى الزمن أبعد من هذه الوقفات بكثير، وربما تصل فى التاريخ الحديث الى بواكير القرن السادس عشر حين اجتاحت أوروبا موجة الإصلاح الدينى الذى أسس لها الراهب الألمانى مارتن لوثر (1483 ـ 1546) ووضع اللبنة الأولى فى تفكيك الرباط الوثيق بين الكنيسة والدولة، منطلقًا من أرضية دينية بعيون تحررية جامحة.
ولم يكن الشرق الإسلامى بمنأى عن هذا الحراك التجديدى وإن طغى عليه توجه الإحياء وليس الإبداع، خشية الوقوع فى محاذير "البدع"، وإن لم يخل الأمر من أطروحات متناثرة لمفكرين طرقوا ابواب التجديد لكنهم لم يسلموا من الهجوم من التيارات التقليدية التى لها الغلبة، ولعلنا مازلنا نذكر الشيخ الإمام محمد عبده (1849 ـ 1905) ومحاولاته التى مازالت تقاوم حتى اللحظة، ويتحصن هؤلاء خلف مصطلح الخصوصية، الذى يصد كل محاولات الاقتراب من دائرة المعاصرة، لذلك تدور دعوات التجديد الشعبوية حول شكل الخطاب وتسامحه ووسطيته، دون ان يفكك القضايا الأكثر تعقيدًا، وفى مواجهة معطيات تقنية لصيقة الإرتباط بالمعرفة وخروجها عن السيطرة والملاحقة بفعل ثورة الاتصالات والتواصل عبر العالم الافتراضى، وهو الأمر الذى قد يفسر تصاعد وتيرة العنف كبديل نفسى مرتبك ومصدوم من رياح المعارف الفكرية عوضًا عن مواجهة الفكر بالفكر.
لذلك فالإشكالية الحقيقة ليست تجديد "الخطاب" الذى هو منتج لمنظومة فكر، بل نحن ازاء تجديد "الفكر" الدينى نفسه، بعيدًا عن الأنساق التى تحكم اغلب ما يطرح والتى بحسب الباحث والمحلل نبيل عبد الفتاح فى كتابه "سياسات الأديان ـ الضرورات وسياسات الإصلاح" يوصِّفها بـ "الموضة الفكرية"، والتى اتوقع لها اتساعًا فى الانتشار بعد أن احتلت موقعًا بارزًا فى خطاب الوداع الذى ألقاه المستشار عدلى منصور وهو يغادر موقعه الرئاسى، وكانت ضمن المحاور الرئيسية والمهمة فى خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسى الاستهلالى.
وفى هذا يرى الدكتور نبيل عبد الفتاح فى كتابه هذا والصادر عن مكتبة الأسرة (2003) "أن اتساع الهوة بين أنماط الحياة المعاشة وبين أنماط التفكير الدينى ـ وغيره ـ وبين التحولات العولمية الضارية، يلقى بأعباء وهموم وإشكاليات تثقل الوعى الشخصى والجماعى .." ويستطرد "أن المشاهد الراهنة للخطابات الدينية والسياسية تشير الى أزمة حادة واحتقانات عديدة سواء على صعيدى الإندماج القومى أو الإصلاح الاجتماعى والسياسى" ويرصد ان الأزمة تكمن فى وجود "نزعة محافظة تقليدية تحاول استعادة نماذج فقهية سلفية فى حرفيتها وتماميتها" والخطر انها بحسب الكاتب "تطرح على الناس بوصفها تماهياً مع للإسلام الصحيح .. وتعيد إنتاج لغة تقليدية ـ ومن ثم وعيًا موازيًا لها ـ وأمثلة ومعايير وأغذية ومهنًا وحرفًا ومنتجات اندثرت ولم تعد جزءًا من مفردات الحياة المعاشة فى عصرنا".
واذا قرأنا واقعنا بعيون مفتوحة وبقدر مناسب وضرورى من الشفافية نلمس تداعيات كارثية انتجها هذا الفكر ومنتجه الخطابى يتجاوز مجرد الإرهاب ورفض الآخر والاستعلاء، الى بزوغ وتنامى فكر الإلحاد الذى يسعى بين نفر من شبابنا الذى لم يجد فيه اجابات حقيقية على اسئلته الحياتية والوجودية، وفى ضوء فعل تجريف العقل المصرى وتسطيحه لأسباب تراكمية واختلالات فى منظومتى التعليم والثقافة.
فهل نملك الإرادة المجتمعية والدينية والسياسية لإعادة قراءة حال الخطاب الدينى بما يتجاوز التناول الانطباعى والموسمى؟. هل نملك جرأة اقتحام فضاء الفكر الدينى بما يستحقه من موضوعية وعلى ارضية علمية؟
ظنى أنها تضرب فى الزمن أبعد من هذه الوقفات بكثير، وربما تصل فى التاريخ الحديث الى بواكير القرن السادس عشر حين اجتاحت أوروبا موجة الإصلاح الدينى الذى أسس لها الراهب الألمانى مارتن لوثر (1483 ـ 1546) ووضع اللبنة الأولى فى تفكيك الرباط الوثيق بين الكنيسة والدولة، منطلقًا من أرضية دينية بعيون تحررية جامحة.
ولم يكن الشرق الإسلامى بمنأى عن هذا الحراك التجديدى وإن طغى عليه توجه الإحياء وليس الإبداع، خشية الوقوع فى محاذير "البدع"، وإن لم يخل الأمر من أطروحات متناثرة لمفكرين طرقوا ابواب التجديد لكنهم لم يسلموا من الهجوم من التيارات التقليدية التى لها الغلبة، ولعلنا مازلنا نذكر الشيخ الإمام محمد عبده (1849 ـ 1905) ومحاولاته التى مازالت تقاوم حتى اللحظة، ويتحصن هؤلاء خلف مصطلح الخصوصية، الذى يصد كل محاولات الاقتراب من دائرة المعاصرة، لذلك تدور دعوات التجديد الشعبوية حول شكل الخطاب وتسامحه ووسطيته، دون ان يفكك القضايا الأكثر تعقيدًا، وفى مواجهة معطيات تقنية لصيقة الإرتباط بالمعرفة وخروجها عن السيطرة والملاحقة بفعل ثورة الاتصالات والتواصل عبر العالم الافتراضى، وهو الأمر الذى قد يفسر تصاعد وتيرة العنف كبديل نفسى مرتبك ومصدوم من رياح المعارف الفكرية عوضًا عن مواجهة الفكر بالفكر.
لذلك فالإشكالية الحقيقة ليست تجديد "الخطاب" الذى هو منتج لمنظومة فكر، بل نحن ازاء تجديد "الفكر" الدينى نفسه، بعيدًا عن الأنساق التى تحكم اغلب ما يطرح والتى بحسب الباحث والمحلل نبيل عبد الفتاح فى كتابه "سياسات الأديان ـ الضرورات وسياسات الإصلاح" يوصِّفها بـ "الموضة الفكرية"، والتى اتوقع لها اتساعًا فى الانتشار بعد أن احتلت موقعًا بارزًا فى خطاب الوداع الذى ألقاه المستشار عدلى منصور وهو يغادر موقعه الرئاسى، وكانت ضمن المحاور الرئيسية والمهمة فى خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسى الاستهلالى.
وفى هذا يرى الدكتور نبيل عبد الفتاح فى كتابه هذا والصادر عن مكتبة الأسرة (2003) "أن اتساع الهوة بين أنماط الحياة المعاشة وبين أنماط التفكير الدينى ـ وغيره ـ وبين التحولات العولمية الضارية، يلقى بأعباء وهموم وإشكاليات تثقل الوعى الشخصى والجماعى .." ويستطرد "أن المشاهد الراهنة للخطابات الدينية والسياسية تشير الى أزمة حادة واحتقانات عديدة سواء على صعيدى الإندماج القومى أو الإصلاح الاجتماعى والسياسى" ويرصد ان الأزمة تكمن فى وجود "نزعة محافظة تقليدية تحاول استعادة نماذج فقهية سلفية فى حرفيتها وتماميتها" والخطر انها بحسب الكاتب "تطرح على الناس بوصفها تماهياً مع للإسلام الصحيح .. وتعيد إنتاج لغة تقليدية ـ ومن ثم وعيًا موازيًا لها ـ وأمثلة ومعايير وأغذية ومهنًا وحرفًا ومنتجات اندثرت ولم تعد جزءًا من مفردات الحياة المعاشة فى عصرنا".
واذا قرأنا واقعنا بعيون مفتوحة وبقدر مناسب وضرورى من الشفافية نلمس تداعيات كارثية انتجها هذا الفكر ومنتجه الخطابى يتجاوز مجرد الإرهاب ورفض الآخر والاستعلاء، الى بزوغ وتنامى فكر الإلحاد الذى يسعى بين نفر من شبابنا الذى لم يجد فيه اجابات حقيقية على اسئلته الحياتية والوجودية، وفى ضوء فعل تجريف العقل المصرى وتسطيحه لأسباب تراكمية واختلالات فى منظومتى التعليم والثقافة.
فهل نملك الإرادة المجتمعية والدينية والسياسية لإعادة قراءة حال الخطاب الدينى بما يتجاوز التناول الانطباعى والموسمى؟. هل نملك جرأة اقتحام فضاء الفكر الدينى بما يستحقه من موضوعية وعلى ارضية علمية؟