الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الإبداع مظلتنا والجدية منهجنا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بالأمس كان الجدل يحتدم بين الفرقاء، وكان كل فريق يقدم ما لديه من حجج وأسانيد، تخاصَمَ البعضُ، وتقاطع غيرهم، وكان المتربصون ينفخون فى الرماد لعلها تشتعل، وقد هالهم أن تعود الروح مجددًا ويلتف الشعب حول رمز مصرى، اتسم بالمصارحة والجدية الى حد حسبه كثيرون صادمًا، لكنه صادق، اليوم لم يعد للجدل محل، فأمامنا أيام محملة بالمسئولية، لنعمل ما دام نهار، وما دام فى العمر بقية، وفى القلب بقية من نبض، نقتحم المستقبل بعزيمة لا تلين.
اليوم لا نملك ترف المنازعة، ولكننا نملك القدرة على توظيف التنوع والتعدد لحساب الوطن، الموالاة والمعارضة، فى تكامل اختبرته الدول التى اكتشفت كلمة السر "الدولة المدنية" بغير إسقاطات أيديولوجية أو مذهبية، وفيها لا كلمة ولا صوت يعلو فوق القانون، طريقها العدل والمساواة، زادها العمل الجاد المتكامل والدءوب.
الغد محمل بالتطلعات والطموحات لكنه محفوف بالتحديات والترصدات التى تستهدف تقويض مكتسبات الثورة التى صححت مسار التغيير، وستزداد وتيرة العنف مع كل خطوة ترسخ مسار خارطة المستقبل، وتقترب من إتمامها، لكن خبرة التاريخ تنتصر للشعب وخياراته، وإرادته، هكذا أبدع الشاعر أبوالقاسم الشابى:
إذا الشعب يومًا أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر
وأعلن في الكون: أن الطموح لهيب الحياة، وروح الظفر!
إذا طمحت للحياة النفوس فلا بد أن يستجيب القدر!

ومن يُقلب فى صفحات تاريخ مصر يدرك سر هذا الشعب الجسور الذى قاوم ولا يزال، كل محاولات تدجينه وكسر كبريائه، كان الفن سلاحه وكان الإبداع طريقه ومظلته، لذلك كانت الهجمات الظلامية توجه سهامها لكل صنوف الفن والإبداع حتى الى درجة التحريم، حتى يتخاصم المرء مع يومه وأمسه فيظلم غده، ويعادى حضارته التى يقف العالم أمام آثارها حتى اللحظة مبهورًا وخاشعًا، بينما أعداء الحياة يحسبونها كفرًا وخروجاً على رسالات السماء، يموت الأمس فينتحر المستقبل. 
الله عليك أيها الشاعر المصرى الرائع "حافظ إبراهيم" يوم قلت وشَدَت به كوكب الشرق أم كلثوم و"مصر تتحدث عن نفسها": 
أنا إن قدّر الإله مماتى لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدى
ما رمــاني رامٍ وراح سليمًا من قــديم عناية الله جندى
كـم بغـت دولـة عليّ وجـارت ثم زالت وتلك عقبى التعدي
وكأن الشاعر يرصد ارتباكات يومنا فيبادر بقوله وهو يختتم قصيدته:
نحن نجتاز موقفًا تعثر الآراء فيه وعـثرة الـرأي تُـردى
فقفوا فيه وقفة حزم وارسـوا جانبيـه بعزمة المسـتعد

هذا الشعب الذى خرج من حشاه الأدباء والشعراء والمبدعون، هو الذى تلقف قبل أيام أغنية "بشرة خير" (كلمات أيمن بهجت قمر ولحن عمرو مصطفى وغناء حسين الجسمى وثلاثتهم من الشباب) وحولها الى مهرجان فرح، بأدوات العصر وراح يستحضر كل لقطات ومقاطع البهجة، ليوقعها على موسيقاها المبهجة، لم تكن الكلمات راقصة لكن إبداع الإخراج واللحن فجر اشتياقات الشارع للفرح، وتنفجر صفحات ومواقع التواصل الاجتماعى فى العالم الافتراضى بموجات الفرح، وكأن الرسالة التى خرج بها الناس الى أعداء الحياة: نحن نرفض دعوات الكآبة التى تبثونها وتحاولون أن تفرضوها علينا، ومن اللافت أن الكلمات استحضرت الوطن بجملته، من أقصاه الى أقصاه، وراحت عدسات الفضائيات تنقل التفاعل الشعبى المفعم بالفرح التلقائى، لا فرق بين حضر وريف وعشوائيات وأحياء ارستقراطية، كان الفن مفتاح الفرح، كانت البهجة ـ رغم ضغط اللحظة ـ عنوانًا للمصريين.
لعل هذا يضع أمامنا وأمام الكافة أن المظلة التى نحتاجها للانطلاق الى مرحلة العمل والسعى للخروج من نفق القهر والإظلام للحاق بركب التقدم لنلحق بقطار التنمية ومجتمع الرفاة هو الإبداع والفرح والاستبشار فنًا وأدبًا وعملاً وإنتاجًا، نعيد بالإبداع مصر التى كانت منارة للدنيا، ونعيد لقيمها الإنسانية الحياة ونضع ما فات بين هلالين كجملة اعتراضية انتهت وعاد النص المصرى الى سياقه، ننشر الأمل ونعيد الطموح ونؤسس لاندماج وطنى عاشه الآباء والأجداد وتركوا لنا حضارة نباهى بها الدنيا.. ليكن الإبداع مظلتنا والجدية منهجنا.