الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

البحث عن "مورو" المصري؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كلنا في مأزق، الإعلام المؤيد للنظام أو المعارض.. الكل يدفع نحو الصدام أو استمرار الفتنة وانقسام المجتمع.. لن تجد بين نخبتنا الإعلامية الحالية رشيدًا أو عاقلًا إلا من رحم ربي.. لغة المصالح والبيزنس تحرك الكبار.. وليذهب الوطن إلى الجحيم !
الجميع يتذكر كيف أشعل الإعلام الوضع في 25 يناير وسار خلف مجموعات الشباب التي خرجت وصنعت من بعضهم نجومًا تحت لافتة براقة اسمها الناشط السياسي الذي غيّر حياة المصريين وجعلها أكثر "التهابًا" طوال الوقت، هو معارض على طول الخط وبوصلة تحركاته تصنعها عدد "اللايكات" على " البوست " أو " ريتويت التويتة ".. يتاجر بآلام الفقراء الذين لا يراهم ولا يعلم ماذا يريدون، لكن يعلم جيدا ما الذي يخدم المصالح الأمريكية والدولية في مصر ويسعى إلى تعزيزها، مقابل حضور المؤتمرات الدولية وكتابة الأوراق البحثية باعتباره العالم ببواطن الأمور وقائد الثورة، بوصلته المحافظة على صداقته مع الأمريكان والأوروبيين لضمان استمرار دعم منظمته الحقوقية أو حركته الثورية أو حزبه الذي لا تزيد عضويته عن عدد الأصابع.
أجهزة الإعلام الخاصة بقنواتها وخلفها الحكومية كانت صانعة الأزمة ومحركها الرئيسي، كاميراتها سارت معهم في المظاهرات التي لم تتوقف منذ يناير 2011 وبرامج "التوك شو " كانت تبني فقراتها الرئيسية على هذه الشخصيات، رغم علمها أنهم منفصلون تماما عن الشارع، وهو ما ثبت حينما فشلت قائمة "الثورة مستمرة" في انتخابات البرلمان الماضي وانقسامهم بعد ذلك في الرئاسة بين أبو الفتوح وصباحي وخالد علي، ثم أطلق أحمد ماهر زعيم 6 إبريل ظاهرة "اعصر على نفسك ليمونة" وانتخب الإخوان، حينما وصلنا في مرحلة الإعادة، ليفوز بعدها محمد مرسي مرشح الإخوان، وتسير مصر بسرعة الصاروخ نحو النفق المظلم الذي تصارع حتى الآن للخروج منه.
لماذا فعل الإعلام بنا هذا ؟ هذا هو السؤال اللغز الذي يطرحه المواطن البسيط اليوم.
قطعًا، نحن نعيش عصر الصورة المصنوعة المنفصلة عن الواقع، التي تسعى لتكريس مصالح "الكبار" على حساب المهنة ولا أقول الحياد أو الموضوعية؛ لأنها وهم وسراب في العالم كله..
انظر إلى الإعلام الغربي وكيف يتعامل مع مصر منذ ثورتها في 30 يونيو ضد حكم الإخوان بانعدام مهنية أو موضوعية أو حياد أو تجرد، حتى وصل الأمر إلى قصر الحديث باسم مصر على فئة معينة، وأزيد أنهم أسرة واحدة احتكرت الحديث عن الأوضاع في مصر، وهي أسرة الناشط الحقوقي أحمد سيف الإسلام حمد؛ مدير مركز هشام مبارك السابق والد علاء عبد الفتاح المدون الشهير، ومنى سيف؛ الناشطة بمجموعة "لا للمحاكمات العسكرية"، ووالدتهم الدكتورة ليلى سويف، وأختها أهداف سويف، إضافة إلى ناشطي الإخوان.
اللافت أنه في كل مرة ينشر موضوع في الجارديان أو الإندبندنت أو الواشنطن بوست وغيرها من وسائل الإعلام الغربية لن تجد غيرهم يتحدث لمراسلي هذه الصحف في القاهرة، وبالطبع هم من حقهم أن يكون لهم وجهة نظر معارضة، ولكن أين الطرف الآخر أو المضاد لتكتمل الصورة، وتحولت "فجاجة" أحوال الإعلام الغربي إلى ساحة للتندر بين الصحفيين المصريين على المراسلين الأجانب، فرغم أنهم يملكون تقنيات وأموالًا لكنهم بلا مصادر صحفية في مصر خارج دائرة النشطاء والحقوقيين ومجموعات الاشتراكيين الثوريين الذين يجيدون اللغة الإنجليزية بالطبع !
الإعلام المصري بخلاف ازمته التقنية وفقر أدواته وشبكات المصالح الذي تربط مذيعيه وصحفييه برجال الأعمال والنفوذ في مصر، تحول في السنوات الأخيرة إلى أداة للهدم وليس للبناء، وغابت رسالته نحو مجتمعه قبل يناير بسنوات، بعدما فضل أن يقف مع رجال الأعمال ومحاولتهم التأثير على أي صاحب قرار سابق أو قادم في مصر.
السابق كان مجمل المشكلة.. أين الحل ؟
قناعتي أن الحل لن يذهب بعيدا عن البحث عن "إدوارد أر مورو " مصري !.. ولمن لا يعلم الرجل، هو علامة بارزة في تاريخ الإعلام الأمريكي بمواقفه وبمهنتيه وانحيازه للوطن على مكاسبه الشخصية.
اسمه اليوم على أهم برنامج للصحفيين تنظمه الخارجية الأمريكية وتستضيف فيه شباب الصحفيين حول العالم، وكان لي شرف حضور دورة عام 2009، وتأثرت بقصة الرجل الذي احترم قارئه ودولته إلى أقصى حد منذ بدايته أثناء الحرب العالمية الثانية التي ركب فيها الطائرات الحربية لنقل الصورة للمواطن الأمريكي، إلى أن مات في ستينيات القرن الماضي، وقد حول الممثل الأمريكي الأشهر جورج كلوني قصته إلى فيلم شهير تحت عنوان " Good Night، And Good Luck ".
مورو هو الذي تصدى للمكارثية، وهو صاحب تقرير "حصاد العار"، الذي ينتقد معاملة العمال المهاجرين في الولايات المتحدة والذي حصل على جائزة إيمي الأميركية للإنجازات التليفزيونية المتميزة والبارزة.
ولأنه كان متصادمًا دائم مع أصحاب المصالح، ألغت محطة إيه بي سي برنامج مورو، وانتقل إلى محطة سي بي إس حتى عام 1961، ثم عينه الرئيس جون كينيدي رئيسًا لوكالة الإعلام الأمريكية.. ليبدأ "حرب الأفكار" ضد الاتحاد السوفيتي، وصناعة صورة أمريكا القوية التي تعيش معنا حتى الآن عبر "رواية قصة أميركا للعالم"، من خلال التبادلات التعليمية، والكتب والمطبوعات والبرامج الإذاعية، وكذلك من خلال إذاعة صوت أميركا، والمكتبات، ومراكز المعلومات التي تديرها السفارات الأمريكية في مختلف أنحاء العالم.
عمل مورو جاهدًا لتحويل الإعلاميين العاملين في الوكالة إلى "مقنعين"، إضافة إلى أنهم موزعون للمعلومات، وتزامنت فترة وجود مورو على رأس وكالة الإعلام الأمريكية مع الأحداث المهمة في مطلع الستينيات من القرن العشرين؛ استئناف التجارب النووية السوفيتية، وأزمة الصواريخ الكوبية، واغتيال كينيدي.
وبعد وفاة الرئيس كينيدي غادر مورو وكالة الإعلام الأمريكية بسبب مرضه بعد أن أجريت له عملية جراحية لاستئصال السرطان، وتوفي في نيويورك في أبريل 1965.
مصر تحتاج إلى "مورو" إعلامي يعمل مع الرئيس السيسي بشكل متجرد لإعادة صياغة الإعلام المصري الداخلي والخارجي.. هدفه الوحيد الصالح العام، وليس المقابل المادي.. لا يخاف من الحكومة أو جماعات المصالح.. بل يكون هو أول من ينبهها حينما تحيد أو تخطئ، ينسف ما هو قائم ويخاطب الناس بالحقيقة المجردة غير الملونة لحساب أحد.. لا يمارس الرقابة، ويجتهد من أجل إعادة المنظومة لمسارها الصحيح، يقنع العالم بحقيقة الأوضاع، ويغرس في النشء حب الوطن، يضع الحرب على الإرهاب والتطرف على رأس أولوياته.. يرى بعينٍ إنجازات الوطن والمواطن، وبالعين الأخرى النواقص والمشاكل، ويعمل على إيجاد حلول لها تساعد صانع القرار في اتخاذ الإجراء السليم.. يقف مع الوطن في محنته لا أن يزيدها اشتعالا من أجل نجومية زائفة أو إضافة أصفار جديدة لحساب البنك!