تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
كان مصطفى رياض باشا رئيسًا لوزراء مصر، ومن كبار الموالين للاحتلال الإنجليزي. وعند مغادرة اللورد كرومر لمنصبه بعد سنوات طوال من القهر والاستبداد، تُوجت بمهزلة دنشواي التي شُنق وجلد فيها عشرات من الفلاحين الأبرياء، ألقى رياض خطبة وداع حافلة بالثناء على دولة الاحتلال ومندوبها المتغطرس، وهنا تصدى أمير الشعراء أحمد شوقي للهجوم على السياسي العجوز المتقاعد، ومما جاء في قصيدته الشهيرة:
خطبت فكنت خطبًا لا خطيبًا
أُضيف إلى مصائبنا العظام
كان ذلك قبل ما يزيد على مائة عام، وها هو السيد الدكتور محمد مرسي يلقي خطبة خطبًا، ففي ساعتين ونصف الساعة توالت الكوارث الجسام، تُضاف إلى المصائب العظام التي يعانيها المصريون عبر عام ثقيل من الحكم السيء الذي يقود البلاد والعباد إلى هاوية الدمار والفوضى الشاملة.
لا جديد في خطاب مرسي، شكلاً ومضمونًا، فاللغة ركيكة سيئة سوقية، والنبرة التي تراود العاطفة تقترب من الكوميديا السوداء، والسمة الأبرز هي اللف والدوران والتكرار الماسخ للعبارات الإنشائية التي تليق بواعظ مبتدئ يخطب في زاوية صغيرة على شاطئ الترعة، لا يتردد عليها إلا البسطاء الذين يطربون للسجع والبلاغة التقليدية، وقد يبتسمون أو يضحكون لمشروع نكتة سخيفة أو دعابة سمجة.
لا تركيز في خطاب مرسي، فهو ينتقل من موضوع إلى موضوع، ويثرثر بلا منطق أو منهج، ولا يملك رؤية شاملة للقضية التي يتصور أنه يتحدث فيها. ينتهي الخطاب الكارثي فلا يستوعب المتابعون معنى أو فكرة، ولا يضعون أيديهم على هدف أو مغزى، وغاية ما يشعرون به هو الارتياح لأن الغمة قد انزاحت، والعرض الكارثي قد انتهى بفضل الله وحده.
لا تواصل مع الواقع في خطاب مرسي، فالصورة وردية كأننا نعيش في جنة، والمشاكل محدودة بسيطة تحت السيطرة، والمعاناة اليومية للملايين غائبة عن ساكن القصر، فلا شكوى من أزمة البنزين والسولار، ولا ارتفاع في الأسعار، ولا غياب للأمن، ولا انقطاع للكهرباء، ولا تدهور في الاقتصاد والاستثمار، ولا شعور بالقلق والتوتر، ولا وجود للبطالة والفقر. لا شيء من هذا كله في الواقع الافتراضي الذي يقدمه الرئيس المنتخب، والإنجاز الأكبر عنده أن يقفز وزير التموين فوق سيارة محملة بالأنابيب!.
لا اهتمام بالقضايا المحورية المسكوت عليها عبر عام كامل، ويبدو أن الرئيس الورع الذي ينام مبكرًا، ويسير متخفيًا في الشوارع لمتابعة أحوال الرعية، لا يعرف حتى الآن أن جنودنا الشهداء في رفح قد تعرضوا لمؤامرة دنيئة لا شيء عن منفذيها والمحرضين عليها، ولا يعرف أن أربعة من المصريين الشيعة قد قُتلوا وسُحلوا علنا بتهمة الكفر وهم يهتفون “,”لا إله إلا الله.. محمد رسول الله“,”، ولا يعرف أن أهله وعشيرته قد اعتدوا أمام قصره العامر على معارضين سلميين لا سلاح عندهم إلا الهتاف، ولا يعرف أنه يتحالف مع عتاة الإرهابيين القتلة المدانين بأحكام قضائية نهائية لا مجال للطعن فيها، ولا يعرف أن إعلامه الملتزم في القنوات الإسلامية يمارس التحريض ويدعو إلى الحرب الأهلية ليل نهار. أي شيء يعرفه هذا الرئيس عن الوطن الذي يحكمه؟
لا فصل بين الذاتي والموضوعي في ثرثرة الرئيس الطويلة، فهو يدخل في خصومة لا مبرر لها مع المعارضين لسياسته وكأنهم أجرموا، فإذا به يتحدث عن الصحفي الكبير مكرم محمد أحمد بما لا يليق، ويتهم النائب العام عبد المجيد محمود بلا دليل، ويشير إلى ممولين للبلطجية في الشرقية والمعادي دون أن يكلف نفسه عناء التقدم ببلاغات رسمية ضدهم إلى جهات التحقيق إن كان يملك دليلاً أو بينة.
لا مراعاة للقانون الذي أقسم على احترامه في خطاب السيد محمد مرسي، فهو يتهم منافسه السابق أحمد شفيق بكلمات مرسلة، ويوجه اتهامًا بالتزوير لقاض لا دليل على إدانته، ويلوح لبعض أصحاب القنوات الفضائية بقضايا يبتزهم بها، فلماذا لا يتخذ الإجراء القانوني المعتاد وهو يتربع فوق قمة السلطة؟
لا كياسة أو لباقة في حديث مرسي عن المسيحيين من شركاء الوطن، فهو يجاهر بعدم الارتياح، ويفتش في القلوب، ويهدد وينذر، ويتغاضى عن الحد الأدنى من قواعد العمل السياسي الرشيد، فكأن رسالته الوحيدة هي تدمير الوحدة الوطنية وتقسيم الوطن على أسس دينية ومذهبية وعنصرية.
خطبت يا دكتور مرسي فكنت خطبًا لا خطيبًا، وكل المستمعين إلى ثرثرتك الطويلة أدركوا أنه لا أمل يُرتجى منك، وأن عشرات الكروت الصفراء التي نلتها بسبب خشونتك المتعمدة لا تكفي، فأنت تحتاج إلى الكارت الأحمر.
ارحل أيها الرئيس الفاشل!.