خلال متابعتي للمؤشرات الأولى لنتائج الانتخابات الرئاسية واقتراب وصول المشير عبد الفتاح السيسي لسدة الحكم، تذكرت كتابًا قديمًا أصدره دال كارنيجي عام 1936 بعنوان "كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس"، وقد بلغت طبعات هذا الكتاب وتوزيعه أرقامًا فلكية؛ ولعل ذلك الشيوع والانتشار يوحي بأن البشر يسعون ما استطاعوا لكسب الأصدقاء وهو أمر صحيح، فقدر الإنسان أن يعيش في كنف جماعة ترعاه طفلًا وتسانده شابًا ثم تكفله مسنًا.. ولكن لكل قاعدة استثناء، ولعل كارنيجي لو وجد بيننا اليوم لأصدر كتابًا جديدًا مضمون التوزيع والانتشار؛ ولجعل عنوانه "كيف تكسب أعداء جدد وتقلل من تعاطف أصدقائك" .
قد يبدو السؤال غريبًا للوهلة الأولى، ولكنه ليس بغريب على مَن يقرأون التاريخ ومَن يستوعبون مبادئ علم النفس وتطبيقاتها الاجتماعية والسياسية.
الصراع سُنة الحياة؛ والصراع يعني أن ثمة مَن يعوقون طريقك وتعوق طريقهم وتتعارض مصالحك مع مصالحهم وتتناقض رؤاك ورؤاهم، وتتعدد أساليب وطرق التعامل مع أولئك "الأعداء" بما لا حصر له ولكل أسلوب للمواجهة تكلفته التي ينبغي حسابها جيدًا.. ولكن يسبق كل ذلك ضرورة الالتزام بقاعدة ذهبية تحكم إدارة الصراعات جميعًا. ولا تحتاج الإحاطة بتلك القاعدة الاستعانة بعالم متبحر في علوم السياسة ولا بخبير جهبذ في فنون الاستراتيجية والحرب؛ فهي قاعدة شديدة البساطة إلي حد أنها قد تعد من البديهيات، إنها ضرورة قراءة خريطة المواجهة وتحديد المحايدين والسعي إلى كسبهم كأصدقاء أو على الأقل تثبيت حيادهم، وتحديد الأصدقاء أو "الحلفاء" والسعي لتقوية أواصر العلاقة بهم؛ ثم تدريج "الأعداء" ومحاولة تحييد الأقل عداء ولو بصفة مؤقتة، وتركيز الجهد في مواجهة "العدو الرئيسي"، بهذه البساطة يمكن الحديث عن قاعدة السعي لكسب الأصدقاء في ظل الصراع مع الأعداء.
ولا تتعارض تلك القاعدة مع حقيقة أننا قد نلجأ أحيانًا لاصطناع عدو وهمي نضخم من خطورته ونحن على يقين من زيف ذلك التضخيم.. ولكن الهدف قد يكون السعي لمزيد من تماسك جبهة الحلفاء أو الأصدقاء ودفعهم إلى مزيد من تجاوز خلافاتهم الداخلية؛ أو قد يكون الهدف أن نبرر التقاعس أو العجز عن مواجهة التحديات الحقيقية.
ورغم أنني لا أظن أحدًا يجهل شيئًا من ذلك؛ فإن الأمر الذي يثير قدرًا هائلًا من الدهشة ويفتح الباب أمام تفسيرات تآمرية شيطانية هو إقدام الكثير من مثقفينا على تقديم النصيحة لرئيسنا القادم بضرورة القضاء بالضربة القاضية على الأعداء جميعًا وضرورة المواجهة الشاملة لكل الأعداء مرة واحدة وفي نفس الوقت وباستخدام جميع الأسلحة دون تمييز بين درجات العداء؛ ومما يُزيد الأمر تناقضًا ويُضفي على تلك الدعوة مزيدًا من التساؤلات تأكيد أصحابها أن الوطن الذي يدعونه لمواجهة الجميع قد بلغ من الضعف مبلغه وأنهكته مؤامرات أولئك الأعداء.
إن الكثير من منابرنا الإعلامية الوطنية تستثير حماسنا لكي نواجه في وقت واحد إثيوبيا وقطر وإيران والولايات المتحدة وحركة حماس وغيرها من جماعات الجهاد المسلح، بالإضافة إلى بعض الحكومات الأوروبية وقطاعات من الرأي العام الأوروبي والأمريكي، إلى جانب 6 أبريل وفلول الحزب الوطني وبعض رموز السلفية وكذلك الملحدين الجدد والشيعة، إلى جانب مواجهة جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية وأنصارها دون تفرقة بين مَن يهتف ومَن يحرق ومَن يطلق الرصاص ويفجر القنابل وبين مَن يحرض على كل ذلك؛ مع إغلاق الباب تمامًا أمام كل مَن يحاول من أي من هؤلاء مراجعة نفسه خوفًا أو اقتناعًا أو حتى نفاقًا.
تُرى هل نتجاوز إذا ما ناشدنا أصحاب تلك الدعوات دون تشكيك في نواياهم الوطنية إلى تحديث معلوماتهم في علوم إدارة الصراعات؟.
قد يبدو السؤال غريبًا للوهلة الأولى، ولكنه ليس بغريب على مَن يقرأون التاريخ ومَن يستوعبون مبادئ علم النفس وتطبيقاتها الاجتماعية والسياسية.
الصراع سُنة الحياة؛ والصراع يعني أن ثمة مَن يعوقون طريقك وتعوق طريقهم وتتعارض مصالحك مع مصالحهم وتتناقض رؤاك ورؤاهم، وتتعدد أساليب وطرق التعامل مع أولئك "الأعداء" بما لا حصر له ولكل أسلوب للمواجهة تكلفته التي ينبغي حسابها جيدًا.. ولكن يسبق كل ذلك ضرورة الالتزام بقاعدة ذهبية تحكم إدارة الصراعات جميعًا. ولا تحتاج الإحاطة بتلك القاعدة الاستعانة بعالم متبحر في علوم السياسة ولا بخبير جهبذ في فنون الاستراتيجية والحرب؛ فهي قاعدة شديدة البساطة إلي حد أنها قد تعد من البديهيات، إنها ضرورة قراءة خريطة المواجهة وتحديد المحايدين والسعي إلى كسبهم كأصدقاء أو على الأقل تثبيت حيادهم، وتحديد الأصدقاء أو "الحلفاء" والسعي لتقوية أواصر العلاقة بهم؛ ثم تدريج "الأعداء" ومحاولة تحييد الأقل عداء ولو بصفة مؤقتة، وتركيز الجهد في مواجهة "العدو الرئيسي"، بهذه البساطة يمكن الحديث عن قاعدة السعي لكسب الأصدقاء في ظل الصراع مع الأعداء.
ولا تتعارض تلك القاعدة مع حقيقة أننا قد نلجأ أحيانًا لاصطناع عدو وهمي نضخم من خطورته ونحن على يقين من زيف ذلك التضخيم.. ولكن الهدف قد يكون السعي لمزيد من تماسك جبهة الحلفاء أو الأصدقاء ودفعهم إلى مزيد من تجاوز خلافاتهم الداخلية؛ أو قد يكون الهدف أن نبرر التقاعس أو العجز عن مواجهة التحديات الحقيقية.
ورغم أنني لا أظن أحدًا يجهل شيئًا من ذلك؛ فإن الأمر الذي يثير قدرًا هائلًا من الدهشة ويفتح الباب أمام تفسيرات تآمرية شيطانية هو إقدام الكثير من مثقفينا على تقديم النصيحة لرئيسنا القادم بضرورة القضاء بالضربة القاضية على الأعداء جميعًا وضرورة المواجهة الشاملة لكل الأعداء مرة واحدة وفي نفس الوقت وباستخدام جميع الأسلحة دون تمييز بين درجات العداء؛ ومما يُزيد الأمر تناقضًا ويُضفي على تلك الدعوة مزيدًا من التساؤلات تأكيد أصحابها أن الوطن الذي يدعونه لمواجهة الجميع قد بلغ من الضعف مبلغه وأنهكته مؤامرات أولئك الأعداء.
إن الكثير من منابرنا الإعلامية الوطنية تستثير حماسنا لكي نواجه في وقت واحد إثيوبيا وقطر وإيران والولايات المتحدة وحركة حماس وغيرها من جماعات الجهاد المسلح، بالإضافة إلى بعض الحكومات الأوروبية وقطاعات من الرأي العام الأوروبي والأمريكي، إلى جانب 6 أبريل وفلول الحزب الوطني وبعض رموز السلفية وكذلك الملحدين الجدد والشيعة، إلى جانب مواجهة جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية وأنصارها دون تفرقة بين مَن يهتف ومَن يحرق ومَن يطلق الرصاص ويفجر القنابل وبين مَن يحرض على كل ذلك؛ مع إغلاق الباب تمامًا أمام كل مَن يحاول من أي من هؤلاء مراجعة نفسه خوفًا أو اقتناعًا أو حتى نفاقًا.
تُرى هل نتجاوز إذا ما ناشدنا أصحاب تلك الدعوات دون تشكيك في نواياهم الوطنية إلى تحديث معلوماتهم في علوم إدارة الصراعات؟.