تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
قرأت مؤخرا لكاتب كبير يعبر عن ضيقه من إدانة البعض لما يشوب خطابنا السياسي من سباب متدن لا يجرؤ أحد على كتابة نصه في أية جريدة مهما تدني مستواها، بحيث يضطر المرء إذا شاء أن يشير إلى التعبير المشين لا يملك إلا أن يشير إليه رمزا، و رغم ذلك يلتمس كاتبنا الكبير عذرا و مبررا للإسفاف، بل ويلتمس له سندا شرعيا إسلاميا باعتباره نوع من صراخ المظلومين.
لقد شاركت عبر سنوات طوال في العديد من الحوارات الساخنة التي تناولت قضايا شديدة الالتهاب تغري باستخدام أسلحة التخوين و التجريح بل و حتى القتل، ولكني والشهادة لله لم أتبادل قط مع أي ممن اشتبكت معهم تجريحا شخصيا أو تخوينا وطنيا أو إسفافا أخلاقيا في لغة الحوار مهما كان مقدار الغضب.
كتبت في أواخر عام 2007 مقالا بعنوان "الدكتور عزمي بشارة.. من الناصرة إلى قطر" استهللته ببداية تبدو خشنة بعض الشيء معبرا عن شعوري بالصدمة "حينما يتعلق الأمر بقائد نضالي بني سمعته علي التمسك بالبقاء علي أرضه, ثم إذا به يتحول الي النضال من خارج هذه الأرض، وهي حالة الدكتور عزمي بشارة ابن الناصرة الذي قرر الانتقال من إسرائيل والكنيست إلي قطر وقناة الجزيرة عبورا بالقاهرة حيث قدم للسفير الإسرائيلي استقالته من الكنيست" واختتمت مقالي بقولي "ويبقي أن أحدا بطبيعة الحال لا يمكن أن يزايد إنسانيا علي الدكتور عزمي بشارة مطالبا إياه بتحمل فوق ما يطيق، ولا أن ينقص من كفاءته العلمية, ولا من تاريخه النضالي, ولا من حقه في التعبير عن نفسه، ولا من حقه في اختيار مستقره الجديد، ولكن يبقى لنا أن نتساءل بكل الحب: هل ما زال الدكتور عزمي بشارة يري في نفسه الرمز والقدوة للفلسطينيين الذين ما زالوا تحت الحكم الإسرائيلي؟"
وقد أغضبت مقالتي بعض الأصدقاء من المصريين والفلسطينيين كما أنها فتحت شهية العديد للنيل من سمعة الدكتور عزمي بشارة و التنقيب في تاريخه، وما يعنينا في هذا السياق أنني تلقيت في منتصف يناير 2007 رسالة شخصية على بريدي الإلكتروني من الدكتور عزمي بشارة بعث بها إلى من عمان واستهلها بد التحية بقوله " قرأت مقالتك بعد ان أشار إليها بعض الأخوة المصريين بغضب. وكنت للمفارقة في القاهرة عائدا من ندوة الحوار القومي الإسلامي في الإسكندرية. ولو لم أكن في طريقي إلى المطار لوجدت طريقة للاتصال بك لأشرح لك ما خفي عنك، أو ما فاتك في مقالة اعتبرها مخلصة، شاكرا لك حرصك الشخصي واهتمامك بالموضوع. وليس هنالك مجال لمناقشة كل ما ورد فيها وانا أصلا لا أكتب لكل كاتب ذكر اسمي في مقال، فالعمل العام يتحمل النقد، والنقد البناء مرحب به. ولكن المشكلة في مجتمعاتنا أن النقد يخفي أحيانا خصومة شخصية غير موضوعية، أو غيرة غير مبررة، أو آراء مسبقة، أو عداء سياسي يصيغ العداء والتشهير على شكل نقد. وكل ما ذكرت لا يستحق الرد بل يفترض أن يتابع الشخص "المنتقد" عمله، مقالتك ليست من هذا النوع وقد لمست فيها اهتماما وحرصا ولذلك وجب أن أوضح لسيادتك بعض النقاط" ومضي الدكتور عزمي بشارة في عرض وجهة نظره ومبرراته التي كنت أود عرضها تفصيلا لولا أنه اختتم رسالته قائلا: "هذا بعض ما وددت قوله لكم لو التقينا بعد ان كتبته أو لو سألتني عن الموضوع قبل كتابة هذا المقال، الذي احترمه واحترم صاحبه. وما هذه الرسالة الا تعبيرا عن هذا الاحترام.... ملاحظة: هذه رسالة خاصة ليست للنشر طبعا"
وكتبت للدكتور عزمي بشارة ردا مطولا ناقشت فيه ما ورد في رسالته مشيرا إلى أنني " لقيت رسالتك الشخصية بكل المودة والحب، مدركا ومقدرا دلالة كتابتك لي وما يعنيه ذلك من وصول ما تحمله كلماتي بين السطور من إعجاب مخلص برموز المقاومة العربية علي أرض فلسطين، وبك كواحد من أبرز تلك الرموز لا تربطني به شخصيا سوى أننا نسير على نفس الدرب، ولنا في هذه الحدود أن نتبادل الرأي بكل الحب والحرص والتقدير، موقنين أننا في نفس الزورق" وأنه قد "سبقك للاتصال بي عدد من الأصدقاء معبرين عن تحفظهم على ما حملته كلماتي من خشونة في التعبير، و إن لم يجدوا في مضمونه تجاوزا، بل إن صديقا تصور فيما كتبت شبهة إقلال من قيمتك النضالية فكتبت له في رسالة شخصية مؤكدا أن مقالتي لا يمكن أن تحمل شبهة انتقاص من تاريخك النضالي".
لقد جرت في النهر مياه كثيرة بعد ذلك وانقطع تواصلي مع الدكتور عزمي بشارة، وما زلت عند رؤيتي الفكرية الأساسية، بل أن مآخذي على الموقع الذي اختاره الدكتور عزمي بشارة مستقرا و منبرا قد تزايدت، ولكن شيئا من ذلك لا يسمح لي بتجريح أو تخوين ومساحة الاختلاف في الرأي تتسع للجميع.
تري هل اتضحت الشقة بين ما كان و ما يجري اليوم من أساليب الحوار؟