الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

الرعاية والجباية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أنا من مواليد 1943 وعشت في حكم الملك 9 سنوات ولم أكن أعرف أي شيء إلا الحضانة وابتدائي ومشغول بمذاكرتي ولعبي، وقامت ثورة 23 يوليو، وصفقنا جميعًا لها وآزرناها بقلوبنا على إنها الثورة التي ستبني مستقبل مصر، ولما تخرجت من كلية التربية الموسيقية وبدأت العمل عرفت أن نسبة الضرائب تصاعدية قد تصل الى 99%، وهذه ضريبة محمودة إذا كانت ستأخذ من الغني لتعطي الفقير ولكن لماذا كانت الهزيمة في 67؟ لأن الدولة كانت دولة أبوية مثل دولة “,”محمد علي“,” تقوم بجباية الضرائب، ودولة الجباية لا تسأل ولا تحاسب فيما جبته وفيما أنفقت، ولأن كل شيء في مصر في وقتها أصبح من الأسرار العليا للدولة حتى أن عدد المخابز في مصر لم يكن معلنًا لأنه قد يكشف تعداد الجيش المصري! وعلى هذا فالشعب لم يكن يعرف عن طريق مؤسساته “,”الاتحاد الاشتراكي“,” إلا ما تقوله الدولة ولا يراجع ولا يستفهم لأن هذا الوقت هو وقت طهارة الثورة وضباطها الأطهار الأحرار كما كان يطلق عليهم، وبعد نكسة 67 طالب الشعب الرئيس عبدالناصر بعدم التنحي وجدد الثقة فيه، ولكن لأن نظرة الدولة كانت فقط حربية، ولأن لا صوت يعلو على صوت المعركة، فقد ظلت الدولة تجبي الضرائب ولا تصلح الشوارع ولا تصون المباني ولا تفعل أي شيء، لأن هناك معركة لا بد أن ننتصر فيها، ولما جاء السادات وانتصر الشعب والجيش معًا تحت قيادته في 73 زادت أبوة الدولة وقراراتها المنفردة، وبعد السلام كان الأمل في أن تصبح الدولة دولة رعاية “,”كما في الدول الديمقراطية العريقة“,” لأن الإنفاق على الجيش لم يعد أولوية أولى ولم يعد صوت “,”لا صوت يعلو على صوت المعركة“,” وكانت الإصلاحات طفيفة والتليفونات لم تكن تعمل بكفاءة فيما قبل 73 وتحسنت جدًا لأن الجيش تولى تنفيذها، أيضًا كثير من مشروعات الصرف الصحي والمياه، ولكن كل هذا لم يكن بالقدر الكافي لبلد خرج من معارك كثيرة فرضي عليها ومعارك أكثر لم تكن بذات الأهمية، ثم جاء الرئيس المتخلي عن الرئاسة حسني مبارك فزاد الأمر سوءًا، لأن ما اقترحه السادات من الرجوع التدريجي للأحزاب تقهقر الى الوراء ليصبح الحكم للحزب الواحد كما في الاتحاد الاشتراكي، وهو الحزب الوطني، فكيف يحاسب الحزب الحكومة وهو الحكومة؟! وكيف تتقي الحكومة الحزب وهي الحزب؟! والجميع مؤيد من الرئيس سواء احتكر أو تلاعب أو أفسد إلخ...
ولأنني انتظرت أن تقوم دولة الرعاية بدلاً من دولة الجباية، فها نحن سنة في حكم رئيس مدني منتخب عليه علامات الصلاح ولكننا لا نعلم لماذا انقطاع الكهرباء وأزمة السولار والبنزين والمحروقات.. ولا أزمة مياه الري ولا القضاء ولا الإعلام ولا الثقافة، فالمفروض أن نناقش مجلس الشورى لماذا العشوائيات وكيفية الارتقاء بها؟ ولماذا الأزمات وكيفية حلها؟ ولندع جانبًا قوانين تزويج الفتيات في سن مبكرة أو ما شابه لمرحلة ما بعد الأزمات والمشاكل التي تؤثر في الحياة اليومية، وقد زرت دولاً كثيرة من الدول التي تقوم على الجباية ووجدت أن أحوال الشعوب تدعو الى الرثاء، وزرت أيضًا عددًا من الدول التي تقوم على الرعاية فوجدت أن الشعوب أسعد حالاً لأن الرعاية الصحية منظومة متكاملة فتدخل المستشفى لا يطلب منك أحد أي نقود حتى تسترد عافيتك ثم تسأل هل ستدفع؟ هل سيدفع التأمين الصحي؟ هل سيدفع لك أحد أقاربك أو أصدقائك؟ فإذا كانت الإجابة بلا لأنك غريب عن البلاد ولست مواطنًا قيدت هذه المبالغ على حساب التأمين العام، وهناك رعاية لكل شيء من المباني الى الطرق الى الإنارة إلخ... فإلى متى نظل في دولة الجباية؟
لقد انقضت عقود منذ “,”محمد علي الكبير“,” حتى يومنا هذا ولا أمل يلوح قريبًا في حق الشعب في مساءلة الأجهزة التنفيذية فيما أنفقت، بل هم الذين يعلنون عن حجم المديونيات التي تزداد دائمًا وحجم القصور في المواد التموينية أو المواد المنتجة للكهرباء أو الكهرباء دون أن يخطر ببالهم أنهم يعملون من أجل هذا الشعب، ومن مفارقات دولة الجباية أن “,”محمد على“,” اعتبر أن أراضي مصر ملكه الخاص وأخذ في توزيعها على خلصائه وهذه إحدى امارات دولة الجباية التي تمارس في جميع الدول المتدنية في ترتيب دول العالم.