الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الأرستقراطية الإسلامية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
استلفتني – دوما – ذلك الخطاب الذي تتبناه الجماعات والأنظمة المتأسلمة، حين تخلط الدين بالسياسة، وتتبنى شعارات نصرة الفقراء المستضعفين على الموسرين المستكبرين، كأساس لعالم مثالي شفاف هفهاف قيدتها السماء لبنائه وصونه.
هو خطاب يتشح بأردية العدالة، ويتوخى تحريض الناس بمداخل – محض – اجتماعية، طارحا ما يشبه المشروع الثورى الاخلاقى (التغييرى) المفعم باستلهامات من عصر السلف الصالح يلفها عبير إيمان وهداية.
واستلفتنى – كذلك – انعدام الصلة بين ذلك الخطاب، والسلوك الميداني لتلك الجماعات والأنظمة متى صعدت إلى سدة الحكم والقيادة في بلد بعينه.. إذ تكون جاهزة– وعلى الفور– للتحول من (جماعة) ثورية مناضلة من أجل العدل الاجتماعى إلى (طبقة) حاكمة أرستقراطية تحتل – تياهة – نفس المكانة الاجتماعية التي كان يشغلها من ادعت الثورة عليهم لأنهم فاسدون ولصوص وأغنياء!
الجمهورية الإسلامية في إيران هي مثال نموذجي لتلك الازدواجية، وعلى نحو جعلني – منذ سنوات طويلة – أرى عقيدتها السياسية وخطابها الدعائى (Phony) زائفين بشكل قاطع.
جزء كبير من الحشد الجماهيري الذي مارسته سلطة الملالي – منذ آية الله روح الله خومينى وحتى الآن – كان عبر تهييج الناس ضد حلف (ثراء التجار/ البازار) و(قوة الجيش/ الجنرالات) الذي توطد في عصر الشاهنشاه محمد رضا بهلوى، وقد استخدم حكم آيات الله آلية تصعيد إحساس الناس بالظلم الاجتماعى (كلما أراد حشدهم وراء نظام الملالي) ضد عدو شبحي يتمثل في نظام زال – فعليا – منذ 1979، ولكن طبقة آيات الله باتت قابضة على الثروة كبديل لتحالف البازار والجنرالات، وبعبارة أخرى فإن الصراع في إيران كان على السلطة وليس على الأفكار.. كان على المال وليس على التغيير وبناء المدن الفاضلة.. أما السنادات الدينية المتطهرة والشائعة في الخطاب الإيرانى فكانت – على حد وصف الرئيس الحسن بن صدر لى عام 1996فى لندن (هاتفيا) – عنصرا في خدمة السلطة كالحالة الفرعونية أو النازية أو الستالينية، وليست عنصرا يصف إلى جوار التغيير أبدا.
ومن ثم اندفع نظام الملالى (آيات الله ورموز الفساد) ينفق ثروة إيران على صفقات السلع التجارية، والسلاح، وتشييد المنشآت النووية بدلا من الإنفاق على شعب المستضعفين المعدم.
وسبب مقدمتي التي طالت – لاعتبارات وليس لتفضيل أو قرار – ذلك الحفل الساهر الكبير الذي شهده قصر كاخ سعد آباد في منطقة شميران بطهران منذ أيام، والذى أقامته صاحبه عربى زوجة الرئيس الإيرانى حسن روحانى، في ذكرى مولد السيدة فاطمة الزهراء، وحفل بمظاهر تخاصم – كلية وعلى الجملة – مزاعم التقشف والزهد الإسلاميين، اللذين شاعت مفرداتهما في خطاب الدولة الإيرانية، وكانت فرق البنات التركيات الراقصات في جو بهج راعش إحدى النقاط الإشارية الدالة في ذلك الحفل، إلى جوار عروض الأزياء ونمر الفرق الموسيقية النسائية، لا بل وغص ذلك الحفل بمظاهر تجافى الورع والتبتل الذائعين – تقليديا – في الثقافة السياسية الإيرانية بعد وثوب خومينى إلى السلطة، إذ خلعت الكثيرات من مدعواته أحجبتهن، وطيرن الشعر الذي على الخدود يهفهف، وصبغن الوجنات، وقباب العيون، والشفاه بالمكياج الفرنسى من أرقى وأحدث الأنواع.
يا للفضيحة.. ذاب الشعار القديم الذي حدثتني عنه عام 1998 في لندن مريم رجوى – رئيسة الجمهورية الإيرانية في المنفى والتى نصبتها منظمة مجاهدى خلق – حين قالت: "نظام الملالى يتصور أن مخ المرأة عضويا – أصغر من مخ الرجل، وهو يرفع شعار: (الحجاب على الرأس وإلا الضرب على الرأس).
ولكن في قصر سعد آباد لم يعد هناك حجاب على الرأس ولا ضرب على الرأس، وإنما ارتدت النسوان الإيرانيات ملابسا شديدة الفخامة، تبرز قدودهن، وتفصح عن أجسادهن، فيما يسبحن تحت الأضواء الذهبية للقصر الذي بناه البهلويون، وكانت عائلة القاجار – التي حكمت إيران في القرن 19- أول من سكن ذلك القصر، كما سكنه رضا بهلوى والشاهنشاه محمد رضا بهلوى، وتحول بعد ما سُمى (الثورة) الإسلامية إلى متحف.
المدهش أن ازدواجية النظام الذي يدعى الانتصار للمستضعفين، برزت في جمع الكاميرات والهواتف المحمولة من المدعوين للحفل لكيلا يسجل أحد سقوط الطبقة الإيرانية الحاكمة في بحر عسل الارستقراطية التي أوسعوا فيها المتع استمتاعا.
والمضحك أن بعض المتزمتين الإيرانيين استنكروا إقامة الحفل في أحد القصور التي شيدها آل بهلوى، وطالبوا بأن تجرى مثل تلك الاحتفالات في إحدى الحسينيات أو المساجد.. وكأنهم لم يستوعبوا – بعد – أن غرض الاحتفال كان التمرغ في أساليب للعيش، وأنماط للسلوك غير تلك التي تعيش الإيرانيات البسيطات الفقيرات في إسارها، وأن اختيار قصر سعد آباد وقاعة "الحافظية" الفاخرة فيه، كان مقصودا لذاته، ولتمارس فيه تصرفات لا يمكن أن يكون مكانها الحسينيات أو ساحات المساجد.
ومن جوانب الازدواجية المروعة التي يكشف عنها ذلك الحفل، تكلفته المسرفة الضخمة، في وقت تلح فيه حكومة طهران على أفراد الشعب الفقراء المستضعفين أن يتوقفوا عن تسجيل أسمائهم للحصول على مساعدات حكومية!
أرادت سلطة الملالي رسم صورة لنفسها بوصفها مثالا للطهر والتقوى، والخشوع، والشرف، الذي – طبقا لمقولة الأستاذ توفيق الدقن الخالدة – "أحلى منه مافيش"!!، وهى التي وصلت بإيران – نتيجة مثل التصرفات التي فضحتها حفلة قصر سعد آباد – إلى احتلال المركز رقم 144 دوليا (من إجمالى 177) في تقرير المنظمة الدولية للشفافية، لا بل إن حسن روحانى( الرئيس الذي مارست زوجته كل ذلك السفه الإنفاقى في بلد يجوع ناسه ويعانون كل ظواهر الفقر وآثاره طلب من أحد مساعديه أن يعد تقريرا عن الفساد المالى الناجم عن فرض العقوبات ضد إيران، وجاء في ذلك التقرير أن مبلغ 2 مليار يورو من عوائد الحكومة أودع في حساب أحد كبار الفاسدين (بادت زنجانى) الذي بلغت ثروته 28 مليار دولار، ناهيكم عن حالات فساد قيادات الشرطة نتيجة دخولها عمليات بيع النفط، وهو ما اقترحه الرئيس السابق محمود أحمدى نجاد ليخلق للشرطة مصالحا تضمن ولاءها للنظام، وأضيف إلى ذلك قضية (الاختلاس الكبير) المتهم فيها أمير منصور خسروى الذي احتال على عدة بنوك إيرانية أبرزها بنك صادرات إيران، واستولى منها على 2،7 مليار دولار وهربها إلى خارج البلاد، وتناثرت حول ذلك المشهد المقرف لسلطة الملالى وذراعها المدنى اتهامات لمحمد رضا رحيمى، نائب الرئيس السابق بالرشوة والابتزاز، وكذلك تورط متمولين إيرانيين في قضايا الفساد المصرفى بتركيا.
يعنى السلطة المتقشفة التي تغنى – أناء الليل وأطراف النهار – للفقراء والبسطاء هى – في نهاية النهار – سلطة للفساد انتصرت لنخبتها الجديدة التي باتت طبقة أنشبت براثنها في لحم المجتمع، وأصبح عنوانها: (الارستقراطية المحدثة) التي لم تتوقف – حتى لحظة كتابة تلك السطور – عن وصف نفسها بالإسلامية!!