الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الصمت الانتخابي والبوح الوطني

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
غدًا تدور ماكينة التصويت لتدشن الاستحقاق الثانى ـ الرئاسة ـ فى خارطة الطريق التى توافق عليها الوطن للخروج من النفق المظلم الممتد بتعاريجه المتتالية لما يقرب من نصف القرن، ويستمر الماراثون فى تتابعه ليقطع سباق الاستحقاق الثالث والأخطر (انتخابات البرلمان) ليصل إلى نقطة النهاية فى واحدة من أهم دورات السباق، وهى فى ذات اللحظة نقطة فى نهاية سطر حكم الجماعات الإرهابية، نبدأ بعدها دورة جديدة لإزالة آثار وركام ما سبق، ونشرع فى بناء وطن فاته الكثير وأمامه تحديات جمة، تتطلب استنفار مخزوننا الحضارى للحاق بالمتغيرات التى دارت حولنا ونحن أسرى الماضوية وتجاذبات الرجعية.
يفرض القانون على كافة الأطراف صمتًا انتخابيّا يتيح لجموع الناخبين هدوءًا مستحقّا لتقييم أطروحات المتنافسين، وحسم اتجاه تصويتهم، ويمنحنا فرصة للتدبر والتفكر بعيدًا عن صخب يلازم اللحظة.
هذا الصمت يوفر للبوح الوطنى مساحة لقراءة المشهد والالتفات إلى المشاركين فى رسمه، لتعيد التذكير أننا لسنا إزاء مفاضلة بين شخصين فى المطلق بل فى ضوء احتياجات مرحلة غير مسبوقة وفى مواجهة تحديات جمة داخلية وخارجية، لا تصلح معها قياسات ومعايير الظروف العادية، ولا تقوى عليها معطيات الصراعات التقليدية والأيديولوجية، ولا يكفى معها بعض من وعود تغازل إحباطات متراكمة وأحلام مؤجلة، ولا مقارنة مع نماذج زعامية ولّت، فهى لحظة تزاوج بين الخوف والحلم، لكن علينا ألا نقع فى حبائلها، إنه وقت للعقل، بكل حسمه وصرامته.
لذلك فالدعوة التى يروج لها بعض من شباب غض للمقاطعة تستوجب مواجهة ومراجعة، وهى تكرار لموقف تبنته بعض القوى فى الانتخابات الرئاسية السابقة (يونيو 2012) وكانت تكلفتها متجاوزة قدرات الاحتمال وعرضت أمننا القومى ووحدة البلاد وسلامها لأعاصير كادت تقتلعها، وما زال هناك من يعتقد أن بإمكانه أن يجنى نتائج مغايرة وهو يكرر نفس المقدمات، وقد يحمل الداعون نقاء ثوريّا لم ينضج بعد، لكن من ينفخ فى جذوة الدعوة كثيرهم من المتربصين بالثورة والوطن ممن سقط مشروعهم وحلمهم الأثير والمفارق لحركة التاريخ، يظنون أنهم بهذا يقطعون الطريق ـ كدأبهم ـ على استكمال خارطة المستقبل، أملًا فى عودة مستحيلة.
ومن يظنون أن الرئيس القادم هو إعادة إنتاج لنظام سابق واهمون، فمعطيات وضوابط اللحظة مختلفة وفارقة، فى وجود دستور يكبح جماح الرئيس ويمد خط السلطة ليتشارك فيه البرلمان والحكومة، بصلاحيات مستحدثة تصب فى الفصل والتوازن بين السلطات، تصل إلى حد امتلاكه صلاحية تشريع قوانين مكملة للدستور تتناول مفاصل الدولة (القوانين المنظمة للانتخابات الرئاسية، والنيابية، والمحلية، والأحزاب السياسية، والسلطة القضائية، والمتعلقة بالجهات والهيئات القضائية، والمنظمة للحقوق والحريات)، المادة 121 من الدستور، بل ويملك مجلس النواب أن يقرر سحب الثقة من الحكومة مجتمعة أو أفرادًا (م.131)، وأيضًا ولأول مرة فى الدساتير المصرية (يجوز لمجلس النواب اقتراح سحب الثقة من رئيس الجمهورية، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، بناءً على طلب مسبب وموقع من أغلبية أعضاء مجلس النواب على الأقل، وموافقة ثلثي أعضائه. (م.161).
ولهذا علينا أن لا نسلم أنفسنا لاسترخاء وارد بعد مجىء الرئيس، فالبرلمان بهذه الصلاحيات وفى حالة التربص القائمة يمكن أن يكون الباب الخلفى لعودة كلا النظامين السابقين، ويكون الارتداد عن الثورة احتمالًا قائمًا وقويّا.
ويبقى أن الركون إلى أن الرئيس القادم سيأتى معه بحلول آنية واحدة من أخطر التصورات، فلم تعد كل أوراق اللعبة فى يد الرئيس وفقًا للمتغيرات على الأرض فى الداخل والخارج، وتعقد المعطيات الاقتصادية والسياسية، وتعاظم الضغوط الفئوية والنوعية، ولم يعد للرئيس الفرد مكان مع تزايد الوعى المجتمعى بفعل التجارب المريرة وبفعل انسيابية المعلومات وتوفرها عبر آليات وتقنيات ثورة الاتصالات، لذلك لم تعد الدعوة للمشاركة دعوة مجردة، أو فقط لتفعيل الديمقراطية، بل هى حتمية حياتية، ولعل هذا يضع الأحزاب السياسية القائمة أمام امتحان عسير، إما أن تجتازه أو تخرج من المشهد بلا عودة، وهى ملزمة بإعادة توفيق مسارها وحراكها وإعادة هيكلة واقعها بشكل شامل بدءًا من منظومة برامجها إلى هياكلها التنظيمية إلى دعم مشاركة وتصعيد دماء جديدة بعيدًا عن تجاذبات وانقسامات أجنحتها التقليدية، وظنى أن بزوغ أحزاب جديدة تعبر عن القوى السياسية التى تمخضت عنها ثورتا 25 يناير و30 يونيو بات قريبًا ربما يغير توزيعات القوى فى الخريطة الحزبية.
ظنى أننا مقبلون على حراك مجتمعى وسياسى وحزبى غير مسبوق، لكنه يضع مستقبل الوطن على المحك، بعيدًا عن صغائر الصراعات الضيقة لمن يهللون لكل قادم ويبدلون ثيابهم مع كل نظام.