الأحد 22 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

عريس الغفلة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تشبه مصر في الفترة الراهنة فتاة حلمت كثيرًا بفارس الأحلام الذي انتظرت طويلاً أن يجتاز الفيافي والقفار على صهوة جواد مطهم؛ من أجل أن يطلب ودها، ويحملها بين ذراعيه إلى العش السعيد؛ حيث يعيشان في “,”تبات ونبات، ويخلفان صبيانًا وبنات“,”.. إلى آخر هذه التشبيهات المستوحاة من حواديت قبل النوم.
ولكن الحقيقة أن مصر كانت تحلم فعلاً بمثل هذا العرس، ودفعت من صباها ثلاثين عامًا مع زوج خان العشرة وسرق القوت من أفمام ولدانها، وداس بظلمه على الحقل، فبار الزرع ومات الضرع، وترك الثمار نهبًا للصوص حتى انطبق عليه البيت الشعري الشهير للعبقري المتنبي:
نامت نواطير مصر عن ثعالبها فما بشمن وما تفني العناقيد
وفي لحظة فارقة امتلكت مصر الجرأة لتطرده من البيت، بل وتحاسبه على إجرامه في حقها، وتحبسه في غرفة نائية، وتغلق عليه بالضبة والمفتاح، واعتبرت كأنه لم يكن، لكنها تطلعت من جديد بحثًا عن عريس يأخذ بيدها ويوفر القوت لبنيها، ويحمي ذمارها، ويدافع عن حياضها، فبدأ “,”العرسان“,” يتقاطرون، وبدأ كل منهم يقدم لها سيرته الذاتية وبإمكانياته النفسية والعقلية والعلمية والعملية، علها تقبل بأحدهم و“,”تنهي الترقب والانتظار“,”، ولما لم تجد ما يناسب قيمتها وجمالها النادر الفاتن، وخوفًا من أشباح الخريف الذي بدأ يعن في الأفق، اتفقت مع المأذون على قبول الزواج من أي عابر مار على الأقل حتى تندمل الجراح.
وجاء العابر المار الذي لم يكن في ذهنه الزواج أصلاً، لكن أهله وعشيرته أرغموه على القبول، خاصة وأنهم عرفوا أنها امرأة ثرية، ولديها مئات الآلاف من الأفدنة، وتخبئ مئات الآلاف من أطنان الذهب، وأن خيرها الوفير يجعلها العروس “,”اللقطة“,” التي لا ينبغي تفويت فرصتها.
وتقدم عريس الغفلة مترددًا خائفًا من رفضه، لكن أهله وعشيرته ساعدوه على تخطي تلك المرحلة بكل ما ملكت أيمانهم من وعود، وجمعوا له الأقارب والأنصار حتى صَدَّق أنه ينتمي لعائلة كبيرة العدد والعدة، فتجرأ على طلب يدها، فترددت.. لكنه ألح وألحف عليها حتى وافقت “,”على مضض“,”، فانطلقت زغاريد أهله وعشيرته تملأ الأفق الفسيح مرصعة بالوعود الوردية والخضرة الندية التي ستصبغ الأراضي القاحلة على مدد الشوف، وبدأ الجميع يستعدون لليلة العرس التي يسميها العامة من أولاد البلد “,”ليلة الدخلة“,”.
رغم الإحساس “,”الخافت“,” وقتها بأن العريس لم يكن المأمول ولا “,”المطلوب تعريسه“,” فإن أحدًا لم يعترض بصوت عالٍ ليسمعه الآخرون، وبدا أن السكوت الأولي كان علامة على الرضى بما أصبحت عليه الأمور، فيما احتضن كثيرون من أبناء العروس أحلامهم في غد أكثر إشراقًا ووعدًا وأريحية.
بدأ العد التنازلي لليلة الموعودة باحتفالات صاخبة في الميادين والمراكز والقرى، وتنوعت بين الرقص البلدي القروي وبين رقصات الحصان “,”الشرقية“,” إلى “,”التانجو“,” و“,”السالسا“,” الغربية في العاصمة، وبدأ الزهو يعود لشارع “,”محمد علي“,”؛ حيث أخذ متعهدو الأفراح ينفضون الغبار عن الرقصات الكلاسيكية التي عفا عليها الزمان، مثل رقصة الشمعدان ورقصة الثعبان وكاريوكا والدفدافة وغيرها، وبدأت لمبات الأفراح الملونة تضيء من الصباح، وبدأ أهل العريس وعشيرته يذبحون الخراف والعجول، ويمدون الأسمطة في الطرق وغير ذلك الكثير من مظاهر الفرح والتقدير.
وانتهى الاحتفال على خير وانصرف أصحاب العريس سعداء بالإنجاز، وأبدى أهل العروس رضى ظاهريًّا- بسبب تجاهلهم ليلة العرس- إلا أن أحدًا لم يعرف المصيبة التي وقعت فيها العروس، التي فوجئت ليلة الدخلة- منتظرة عريسها وحده- بدخوله عليها ومعه “,”أهله وعشيرته“,”!!