مارس العديد من الحكام عبر التاريخ لعبة العبث بالتاريخ، محوًا أو إضافة أو حتى اختلاقًا، وظلت غواية تلك اللعبة قائمة إلى يومنا هذا في العديد من الدول الأقل تقدمًا في المسار الديمقراطي والأقل ثقة في قدرة أبنائها على النظرة الواقعية للتاريخ بحيث لا يفزعون إذا ما اعترفوا بالسلبيات وفي نفس الوقت لا يعميهم زهو بالحاضر عن رؤية تاريخ هذا الحاضر.
وشهدنا في بلادنا محاولة محو اسم محمد نجيب أول رئيس لأول جمهورية في بلادنا، كما شهدنا لفترة طويلة عقب هزيمة 1948 محاولة محو اسم إسرائيل من خرائطنا وأحاديثنا باعتبارها "دولة مزعومة"، ونجحنا في ذلك تمامًا فاختفى اسم إسرائيل من خرائطنا ومناهجنا الدراسية، وظلت إسرائيل غائبة رسميًا عن وعينا حتى هزيمة 1967، حيث بدأنا الوعي بوجودها ومواجهتها حتى تحقق انتصار 1973، ثم شهدنا محاولة إخفاء صورة الفريق الشاذلي من الصور التاريخية لأبطال حرب أكتوبر، وشهدت شوارعنا محاولات إخفاء أسماء فاروق وفؤاد وسليمان باشا والملكة نازلي والملكة فريدة إلى آخره، فضلًا عن محاولة إزالة لافتة بحيرة ناصر، ومازلنا نشاهد في بعض أفلامنا القديمة آثار محاولة محو صورة الملك فاروق؛ بل ومحو أسماء من خرجوا على الخط السياسي من الممثلين.
لقد قرأت مؤخرًا أن واحدًا من المثقفين المصريين خلال استضافته على واحدة من القنوات التليفزيونية قد استفزته رؤية صورة الدكتور محمد مرسي ضمن رؤساء جمهورية مصر السابقين، وأن الغضب قد دفعه إلى الاعتذار عن الحوار ومغادرة موقع البث غاضبًا.
والسؤال هو: ترى هل نستطيع إنكار أن الدكتور محمد مرسي كان رئيسًا لجمهوريتنا؟ وإذا ما كان الغضب من أدائه يبرر لنا ذلك، فلماذا لا نرفع أيضًا اسم مبارك الذي قامت ثورة يناير في مواجهته؟ بل ربما يبدو مناسبًا لبعض الرافضين لسياسات التطبيع والانفتاح – وهم كُثر- رفع اسم السادات أيضًا؟ ولِمَ لا نمضي خطوة أبعد لنرفع صورة ناصر أيضًا باعتبار أن يوليو 52 كانت بداية تدخل الجيش في السياسة؟ وبطبيعة الحال فمن الأولى رفع صورة الملك فاروق المتهم بإفساد الحياة السياسية، وقد تمتد السلسلة لنفي تاريخ الأسرة العلوية بل والتاريخ الفرعوني بأكمله والمبررات غنية عن البيان.
ترى هل من المعقول أن نمحو تاريخنا كله؟ أو أن نفتت ذلك التاريخ لينتقي كل منا تاريخًا يناسبه؟ ألا يعني تفتيت التاريخ محوًا لهوية الوطن ككيان متصل الحلقات؟.
ترى هل سنشهد في العصر القادم خطابًا جديدًا يضع الأمور في نصابها ويصالحنا مع حلقات تاريخنا من الفراعنة إلى انتخاب أحدث رؤسائنا عبورًا بانتخاب الدكتور مرسي وعصور الملكية وثورة يوليو، مُسَلمين بأن التاريخ متصل لا يعرف البتر ولا الانقطاع؛ وأن لكل مرحلة دون استثناء إيجابياتها وسلبياتها؛ وأن ذكر الإيجابيات لا ينسينا تذكر السلبيات.
لقد كتبت يومًا بعد شهور قليلة من ثورة يناير وخلال مثول مبارك للمحاكمة مشيرًا إلى أن مبارك كان ممن ساهموا في إعادة بناء القوات المسلحة بعد هزيمة يونيو 67، وكان ممن شاركوا في تحقيق نصر أكتوبر 73 حتى تم رفع العلم المصري في طابا، ولكن السلطة قد أغوته فغوى وأغرته القوة فاغتر؛ فكان ما كان من جرائم مالية وجنائية. وتمنيت أن يكون الإنجاز الجديد الذي تضيفه ثورة يناير في هذا السياق، والذي لم تعرفه بلادنا في تاريخها قط منذ الفراعنة، وعرفته غيرنا من بلاد العالم الديمقراطية، هو أن إنجازات الحاكم مهما كانت قيمتها لا تعفيه من الخضوع للقضاء، كذلك فإن إدانته في تهم محددة مهما بلغت بشاعتها لا ينبغي أن يطال ما قام به من إنجازات.
إن تاريخ المرء مهما كان لا يحصنه من غوايات السلطة، لقد كان مبارك بطلًا من أبطال اكتوبر، وبدأ حكمه بعبارته الشهيرة أن الكفن لا جيوب له، ولكن مضت الأيام لتنسيه كل ذلك وتبهره الأضواء وطبول النفاق تتعالى من حوله، فيظن أن الدنيا قد دانت له ويأخذه الغرور فيُغرقه الفساد شيئًا فشيئًا.
إن خطيئة تضخيم دور القائد ليطغى على حقيقة أن الإنجاز البشري إنجاز جماعي بطبيعته، وما شهده العهد السابق من اختزال للحرب في "الضربة الجوية" وما لقيه ذلك الاختزال من ترويج إعلامي لم يغن شيئًا عن انتصار الحقيقة في النهاية.
إن أحدًا لا يملك محاسبة المرء على مجمل أعماله طوال حياته سوى المولى سبحانه وتعالى في دار الحق حين ينصب الميزان، أما القضاء الدنيوي فلا يملك سوى إدانة جريمة محددة ارتكبها شخص بعينه في وقت محدد دون نظر إلى إنجازاته السابقة.
وشهدنا في بلادنا محاولة محو اسم محمد نجيب أول رئيس لأول جمهورية في بلادنا، كما شهدنا لفترة طويلة عقب هزيمة 1948 محاولة محو اسم إسرائيل من خرائطنا وأحاديثنا باعتبارها "دولة مزعومة"، ونجحنا في ذلك تمامًا فاختفى اسم إسرائيل من خرائطنا ومناهجنا الدراسية، وظلت إسرائيل غائبة رسميًا عن وعينا حتى هزيمة 1967، حيث بدأنا الوعي بوجودها ومواجهتها حتى تحقق انتصار 1973، ثم شهدنا محاولة إخفاء صورة الفريق الشاذلي من الصور التاريخية لأبطال حرب أكتوبر، وشهدت شوارعنا محاولات إخفاء أسماء فاروق وفؤاد وسليمان باشا والملكة نازلي والملكة فريدة إلى آخره، فضلًا عن محاولة إزالة لافتة بحيرة ناصر، ومازلنا نشاهد في بعض أفلامنا القديمة آثار محاولة محو صورة الملك فاروق؛ بل ومحو أسماء من خرجوا على الخط السياسي من الممثلين.
لقد قرأت مؤخرًا أن واحدًا من المثقفين المصريين خلال استضافته على واحدة من القنوات التليفزيونية قد استفزته رؤية صورة الدكتور محمد مرسي ضمن رؤساء جمهورية مصر السابقين، وأن الغضب قد دفعه إلى الاعتذار عن الحوار ومغادرة موقع البث غاضبًا.
والسؤال هو: ترى هل نستطيع إنكار أن الدكتور محمد مرسي كان رئيسًا لجمهوريتنا؟ وإذا ما كان الغضب من أدائه يبرر لنا ذلك، فلماذا لا نرفع أيضًا اسم مبارك الذي قامت ثورة يناير في مواجهته؟ بل ربما يبدو مناسبًا لبعض الرافضين لسياسات التطبيع والانفتاح – وهم كُثر- رفع اسم السادات أيضًا؟ ولِمَ لا نمضي خطوة أبعد لنرفع صورة ناصر أيضًا باعتبار أن يوليو 52 كانت بداية تدخل الجيش في السياسة؟ وبطبيعة الحال فمن الأولى رفع صورة الملك فاروق المتهم بإفساد الحياة السياسية، وقد تمتد السلسلة لنفي تاريخ الأسرة العلوية بل والتاريخ الفرعوني بأكمله والمبررات غنية عن البيان.
ترى هل من المعقول أن نمحو تاريخنا كله؟ أو أن نفتت ذلك التاريخ لينتقي كل منا تاريخًا يناسبه؟ ألا يعني تفتيت التاريخ محوًا لهوية الوطن ككيان متصل الحلقات؟.
ترى هل سنشهد في العصر القادم خطابًا جديدًا يضع الأمور في نصابها ويصالحنا مع حلقات تاريخنا من الفراعنة إلى انتخاب أحدث رؤسائنا عبورًا بانتخاب الدكتور مرسي وعصور الملكية وثورة يوليو، مُسَلمين بأن التاريخ متصل لا يعرف البتر ولا الانقطاع؛ وأن لكل مرحلة دون استثناء إيجابياتها وسلبياتها؛ وأن ذكر الإيجابيات لا ينسينا تذكر السلبيات.
لقد كتبت يومًا بعد شهور قليلة من ثورة يناير وخلال مثول مبارك للمحاكمة مشيرًا إلى أن مبارك كان ممن ساهموا في إعادة بناء القوات المسلحة بعد هزيمة يونيو 67، وكان ممن شاركوا في تحقيق نصر أكتوبر 73 حتى تم رفع العلم المصري في طابا، ولكن السلطة قد أغوته فغوى وأغرته القوة فاغتر؛ فكان ما كان من جرائم مالية وجنائية. وتمنيت أن يكون الإنجاز الجديد الذي تضيفه ثورة يناير في هذا السياق، والذي لم تعرفه بلادنا في تاريخها قط منذ الفراعنة، وعرفته غيرنا من بلاد العالم الديمقراطية، هو أن إنجازات الحاكم مهما كانت قيمتها لا تعفيه من الخضوع للقضاء، كذلك فإن إدانته في تهم محددة مهما بلغت بشاعتها لا ينبغي أن يطال ما قام به من إنجازات.
إن تاريخ المرء مهما كان لا يحصنه من غوايات السلطة، لقد كان مبارك بطلًا من أبطال اكتوبر، وبدأ حكمه بعبارته الشهيرة أن الكفن لا جيوب له، ولكن مضت الأيام لتنسيه كل ذلك وتبهره الأضواء وطبول النفاق تتعالى من حوله، فيظن أن الدنيا قد دانت له ويأخذه الغرور فيُغرقه الفساد شيئًا فشيئًا.
إن خطيئة تضخيم دور القائد ليطغى على حقيقة أن الإنجاز البشري إنجاز جماعي بطبيعته، وما شهده العهد السابق من اختزال للحرب في "الضربة الجوية" وما لقيه ذلك الاختزال من ترويج إعلامي لم يغن شيئًا عن انتصار الحقيقة في النهاية.
إن أحدًا لا يملك محاسبة المرء على مجمل أعماله طوال حياته سوى المولى سبحانه وتعالى في دار الحق حين ينصب الميزان، أما القضاء الدنيوي فلا يملك سوى إدانة جريمة محددة ارتكبها شخص بعينه في وقت محدد دون نظر إلى إنجازاته السابقة.