الآن.. وبعد أن شارفنا عتبة إجراء الانتخابات الرئاسية، صار من المناسب أن نعلن – على نحو قاطع – لماذا ننتخب المشير عبد الفتاح السيسى ليشغل المنصب الأول فى البلاد؟!
الموضوع ليس نتاج تفضيلات انطباعية عابرة، ولكنه وليد اعتبارات موضوعية أستطيع أن أترافع عنها لساعات، ومن دون التعرض لمنافس المشير بكلمة واحدة.
على رأس تلك الاعتبارات قدرة المشير على ملاغاة طوب الأرض، وشرح أعقد المسائل بأبسط الطرق، وبشرح مستفيض، يخلق وبسرعة – قاعدة شعبية تساند خيارات الرجل السياسية أو أسلوبه فى معالجة مشكلة بالذات.
وضمن الحيثيات التى ننتخب المشير على أساسها نجاحه فى اختبار استقلال القرار الوطنى، إذ تمكن الرجل من إعادة مصر – وبعد غياب طويل – إلى علاقات دولية متوازنة تنأى ببلدنا عن التبعية، وتتيح لنا القدرة على تنويع الوشائج التى تربطنا بالقوى المختلفة فى عالم اليوم، وفى إطار عصر يوشك على السطوع هو زمن (تعدد المراكز – Poly – Centerism ) الذى أوشك على تجاوز، أو هو مضى – بالفعل – بعيدا عن العالم أحادى القطبية الذى تحكمت فيه الولايات المتحدة، ومارست علينا خلاله أسوأ أنواع الهيمنة واستلاب الإرادة.
السيسى لم يخضع لضغوط أمريكا ودول الاتحاد الأوروبى ومحاولتهم دمج الإخوان الإرهابيين مرة أخرى فى العملية السياسية المصرية من جديد.
السيسى رفض مكالمة أوباما الهاتفية فى حالة غير مسبوقة، وقام بتفعيل آلية التحالف الاستراتيجى (2+2) مع روسيا بين وزيرى الخارجية ووزيرى الدفاع، وعقد صفقات سلاح مع الروس أشعرتنا بعودة مفهوم تنويع مصادر السلاح مرة أخرى.
السيسى – كذلك – حافظ على هوية الدولة المصرية (مدنية/ عصرية/ ديمقراطية)، ورفض محاولات طمسها أو نسخها من جانب جماعة الإخوان حين نادت بالدولة الدينية التى تتمتع خياراتها بما يشبه القداسة، وتصادر على حق المناقشة أو تداول السلطة، فضلا عن أن جماعة الإخوان الإرهابيين أرادت سحب بلدنا إلى مربع (أممى) يسعى إلى تحقيق ما يسمى (الخلافة) بعد رفضها الاعتراف بالوطنية التى رفعت – فى مواجهتها – شعار: (ما الوطن إلا حفنة من تراب عفن).. ولنضف إلى ذلك أن السيسى أعاد إحياء مفهوم العدل الاجتماعى على نحو متطور، لا تلعب الشعارات الصوتية دور البطولة فيه، وإنما تتصدر فكرة تقليل فرص الاحتكاك – عمليا – مشهده محافظة على السلام الاجتماعى.
السيسى يطرح حزمة قانونية وإجرائية لما يمكن تسميته (الرفاه الاجتماعى – Welfare- State)، ولا يقر– كما هو واضح إلى الآن – الجراحات القيصرية التى عرفها العالم فى سياسات الضرائب التصاعدية التى تؤذى المستثمرين، أو الدعم الذى صار يمثل عبئا على كاهل الدولة أو رفع الحد الأدنى للأجور الذى يؤدى – قطعا – إلى التضخم.
السيسى أسس – بوضوح – محورا عربيا جديدا يراعى التغيير الجذرى الذى لحق بخريطة المنطقة، والملاحظ أن ذلك المحور نسخ – وعلى نحو نهائى – التقسيم الستينياتى الكلاسيكى البالى الذى قسم الدول العربية إلى مجموعتين إحداهما (تقدمية) والأخرى (رجعية).
اليوم تعلم الجميع – بعد ثورة (30 يونيو – 3 يوليو) الأسطورية بقيادة المشير السيسى أن المصالح المشتركة هى التى تخلق التكتلات الجماعية الإقليمية، وليست التفرقة الأيديولوجية البلهاء، كما أن الزامات الأمن القومى هى التى تبلور التزامات الدول فى تلك التكتلات الجديدة، وليس (المزاج) المشترك الذى – ربما – يربط بعضها مع بعض.
ولقد لاحظنا – أجمعين – تلك الإشارات الحازمة فى خطاب السيسى وأحاديثه التى يقطع فيها بأن تقدما حقيقيا لن تشهده مصر فى ظل المظاهرات والاحتجاجات الفئوية التى هلكت بدن هذه الأمة وصادرت فرصها فى مراكمة ما يسمح لها بالعيش الطبيعى، وبدوران عجلة النمو فيها.
كنا جميعا معه ونحن نستمع إلى ما يشبه التأكيدات حول رفع عوامل الإجهاد والإرهاق السياسى عن كواهل أبناء الشعب الذين حطمت الفوضى فرصهم فى الكسب والارتزاق.
...........................
السيسى – قبل ذلك وبعده – أظهر إرادة وتصميم سياسيين كبيرين فى أمور عديدة، على نحو لم نعتده فى مصر منذ زمن طويل جدا، وسواء فيما يخص التنمية ومحاربة العوز، أو رسم خريطة إدارية جديدة لمصر، وإنشاء عدد كبير من المطارات والموانئ، وتعظيم إمكانات المحافظات والأقاليم الإدارية المصرية، والحفاظ على الأمن القومى وتعليم الناس بنود الخطة ومواجهة التحديات وإشراكهم فى التغلب على تلك العقبات.
حين استمعنا إليه – مليا – وجدنا أنفسنا أمام رجل يعلن بوضوح أنه يدخل معركة حياة أو موت، وهو مصمم – فعلا – على أن يجعل من بلده كيانا (قد الدنيا)!!