السبت 06 يوليو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

"أزمة الكهرباء" نموذج ثقافي لنظرية التحدي والاستجابة واختبار القدرة على المبادرة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إذا كانت كل أزمة تنطوي على فرص بقدر ما تشكل تحديات فهل تنطوي أزمة الكهرباء الحالية في مصر على نموذج ثقافي لنظرية "التحدي والاستجابة" واختبار القدرة على طرح مبادرات سريعة للتعامل مع أزمة انقطاع التيار الكهربي والحيلولة دون تفاقم تداعياتها واتخاذها لمسارات سلبية متصاعدة تؤثر على أوجه الحياة في مصر؟.
واقع الحال أن الأزمة الراهنة كشفت بالفعل عن قدرة ثقافية على المبادرة وطرح أفكار جديدة وغير تقليدية فيما تبرهن هذه الحالة من عصف الأفكار وحوارات الرؤى على استجابات بقدر التحديات خاصة وأن أزمة انقطاع الكهرباء تؤثر على المجتمع بأكمله وهي قضية عرفها الغرب أيضا وكانت وراء عدة كتب أثارت جدلا ثقافيا في السياق الغربي.
فمن الإجراءات السريعة والمبادرات ذات الطابع العملي لمواجهة أزمة انقطاع الكهرباء تلك الفكرة التي طرحها المرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي حول إمكانية استخدام "اللمبات الموفرة للطاقة" فيما يمكن للدولة أن تسهم في خفض أسعار هذه اللمبات لتشجيع المواطنين على استخدامها.
وفي خطوة جديدة اتفقت وزارتا الكهرباء والبترول على تشكيل مجموعة عمل دائمة بين الوزارتين لمواجهة الأحمال الكهربائية بعد ان شهدت بعض المناطق انقطاعا للتيار الكهربي اثر عودة ظاهرة تخفيف الأحمال الى نحو 950 ميجا واط جراء ارتفاع الاستهلاك مقابل نقص الوقود بمحطات انتاج الكهرباء لتلبية هذا الارتفاع.
وضمن أولويات مشاريعه في الرؤية الوطنية التي يطرحها أثناء الحملة الانتخابية الراهنة قال المرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي "ستتم إضافة عشرة آلاف ميجا واط من الطاقة الشمسية من خلال إقامة ثلاث محطات كبرى في جنوب هضبة الفيوم وشرق العوينات وأسوان وقد أوضحت الدراسات أن أرض مصر كلها تسمح لعمل 9 ساعات يوميا من الطاقة الشمسية".
واللافت في الخطاب الانتخابي للمرشح الرئاسي المشير عبد الفتاح السيسي تحفيزه المستمر للمواطنين على استخدام الطاقة الذاتية الكامنة في المجتمع فيما كان اتحاد كرة القدم قد تلقى خطابا رسميا من وزير الشباب والرياضة خالد عبد العزيز طالب فيه باقامة باقي مباريات الدوري الممتاز نهارا لترشيد استهلاك الطاقة.
وأوضح المرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي في حوار أجراه محمد عبد الهادي علام رئيس تحرير صحيفة "الأهرام" أن العام الأول في حالة انتخابه رئيسا لمصر سيشهد ضخ من 3 إلى 4 مليارات جنيه في كل محافظة لتأسيس بنية أساسية قوية تضع البلاد على خريطة الاستثمار ووضع بنية تحتية سليمة للقرى الأكثر فقرا.
والى جانب محور قناة السويس وتنمية سيناء نوه السيسي في هذا الحوار الذي نشر امس "الجمعة" الى ان ممر التنمية سيتم تنفيذه على مدى عام ونصف العام على امتداد 1200 كيلومتر وهو المشروع الذي كان مقدرا اقامته في غضون عشرة اعوام مضيفا ان طريق ممر التنمية سيمتد من الاسكندرية الى اسوان غرب النيل.
ومن هذا الطريق ستخرج محاور عرضية تصل الى محافظات البحر الأحمر لاتاحة الفرصة لاقامة مشروعات مثل التعدين واستصلاح الأراضي والسياحة فيما قال السيسي :"سيتم اطلاق مشروعات على الأرض خلال الأشهر المقبلة ستفاجيء المواطنين".

فالمهمة المباشرة خلال السنوات الأربع المقبلة كما حددها المرشح الرئاسى عبد الفتاح السيسي هي "الخروج من دائرة الفقر والانطلاق نحو آفاق المستقبل" مشددا على "اننا سوف نعتمد على قوتنا الذاتية لتمويل المشروعات الجديدة" وصولا لاستعادة "الدولة الحديثة" التي بدأت في عهد محمد علي ثم توقفت وسقطت وعادت من جديد في عهد جمال عبد الناصر غير ان مشروعه الوطني سقط عام 1967.
وإذا كانت الطاقة عنصرا جوهريا في أي مشروع وطني واقعي للمستقبل فقد شرع قطاع الكهرباء في إجراءات إنارة 73 قرية وتجمعا سكانيا بالطاقة الشمسية في محافظات جنوب الوادي وسيناء ومطروح والبحر الأحمر.
وثمة دراسة أعدتها "شبكة فيميس" للأبحاث الممولة من الاتحاد الأوروبي حول الآثار الناجمة عن التغير المناخي في مصر وقد حذرت من خطورة تأثير انقطاع التيار الكهربي على منظومات الإنتاج وأن تحول هذا الانقطاع لظاهرة متكررة يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف لهروب المستثمرين.
وحذر الكاتب الصحفي في صحيفة الأهرام صلاح منتصر من تجاهل الحقيقة المؤكدة بأن هناك "أزمة كهرباء إذا لم نواجهها بسرعة فسيأتي وقت يسود فيه الظلام" وقترح عدة إجراءات لمواجهة هذه الأزمة من بينها إطفاء إعلانات الشوارع والميادين والاكتفاء برؤيتها نهارا وإطفاء واجهات المحال في التاسعة مساء.
كما اقترح منتصر إغلاق المحال التجارية في الحادية عشرة مساء وانتهاء العمل في المطاعم والمقاهي ودور السينما في منتصف الليل وأن تنتهي جميع برامج التلفزيون في الواحدة صباحا.
وتعيد مثل هذه الأفكار وهذا الجدل للأذهان كتبا ظهرت في الغرب حول "تاريخ الإظلام" وأزمات انقطاع الكهرباء مثل كتاب "عندما ينقطع النور:تاريخ الإظلام في أمريكا" لدافيد ناي يتناول من منظورثقافي - تاريخي وعبر التجربة الجمعية مسألة الآثار الاجتماعية الناجمة عن انقطاع التيار الكهربي وحالة الإظلام الشامل أو الجزئي.
والكتاب ينتمي بامتياز لثقافة الحداثة بألوانها المتعددة ومن بينها التاريخ الثقافي للتكنولوجيا وذلك التخصص أو الفرع في علم الاجتماع الذي يدرس تأثير التكنولوجيا في المجتمع ويمكن تسميته "بعلم الاجتماع التكنولوجي أو التقني".
والمؤلف دافيد ناي ينتمي لتلك المنطقة الثقافية الحداثية فهو مؤرخ التقنية بقدر ما هو الباحث في التأثيرات التكنولوجية على المجتمع والجماعات الإنسانية ومدى التغير في السلوك الإنساني بفعل التطور التقني الهائل.
فالمدينة المعاصرة في أي مكان بالعالم هي مدينة الأسلاك حيث توافر الكهرباء قضية مفروغ منها أو هكذا يبدو الأمر لأن دافيد ناي عمد لدراسة الوجه الآخر للقضية وهو :"ماالذي يحدث عندما تنقطع الكهرباء"؟.."ماالذي يحدث للإنسان المعاصر في أجواء العتمة والتعتيم وأي حقائق جديدة بالنسبة لهذا الإنسان يمكن أن تظهر"؟.

في هذا الكتاب الجديد والطريف حقا يمكن للقاريء ان يعرف قصة مايسمى بالاظلام العظيم في شمال شرق الولايات المتحدة وهي قصة ترجع الى عام 1956 عندما وقعت حادثة تعد من اكبر حوادث انقطاع الكهرباء في التاريخ.
ويرسم الكتاب مشاهد نابضة بالتشويق للاظلام العظيم في الشمال الشرقي الأمريكي وخاصة في مدينة نيويورك عندما حبس الآلاف داخل المصاعد او في سياراتهم بالأنفاق واضطر الأطباء لاستكمال عمليات جراحية على الأضواء الخافتة الشاحبة لبطاريات الجيب.
ولأن التكنولوجيا ظاهرة ثقافية مجتمعية شاملة فقد عاد دافيد ناي لما فعله الاظلام العظيم "كتجربة جمعية انسانية جديدة" حينئذ في العلاقات الحميمة بين الأزواج ورصد الزيادة في معدل المواليد بعد تسعة اشهر من ليلة الظلام الشامل شمال شرق الولايات المتحدة.
وسواء في واقعة الاظلام العظيم او غيرها من الوقائع الكبرى لانقطاع الكهرباء في امريكا فان دافيد ناي مهتم للغاية برصد "الحميمية المفاجئة حيال الغرباء كما لو ان حالة الاظلام الكامل تحولت الى سهرة سديمية في برزخ مابين الموت والحياة".
طبيعي ان يحظى هذا الكتاب وهو في حقيقته دراسة بديعة لظاهرة تعاني منها مجتمعات عدة بنسبة مقروئية عالية في الولايات المتحدة وان يثير اهتماما لافتا في الصحافة الثقافية الغربية فيما يقول المؤلف دافيد ناي ان الأمريكيين يعانون من السنجاب الذي يقرض او يقضم كابلات الكهرباء ليتسبب كل عام في مئات من حوادث انقطاع الكهرباء على المستوى المحلي لبعض الأحياء السكنية ومن ثم تحول السنجاب الى مادة للسخرية بالحق او بالباطل في انقطاع الكهرباء.
آلا يعيد ذلك للأذهان على نحو ما قصة "فأر السبتية" التي ذاعت منذ سنوات بعيدة في الصحافة المصرية حول سبب انقطاع متكرر للكهرباء قيل على سبيل السخرية ان السبب فيه هو هذا "الفار" الذي يقرض كابلات الكهرباء في محطة كبرى لتوزيع الكهرباء بمنطقة السبتية في حي بولاق القاهري العريق؟!.

ووسط مخاوف من أن يكون الصيف المصري حافلا بانقطاعات للكهرباء أعرب وزير الكهرباء والطاقة المتجددة الدكتور محمد شاكر عن الاهتمام البالغ للحكومة بإيجاد حلول نهائية لأزمة تخفيف الأحمال وتأمين الكهرباء موضحا أن هذه الإشكالية مطروحة للنقاش في اجتماعات مجلس الوزراء لارتباطها بالمواطنين فيما بمقدور الشبكة الكهربائية تلبية متطلبات المواطنين إذا توافر الوقود المطلوب.
وأدى قرار باستخدام الفحم ضمن منظومة الطاقة لمواجهة مشكلة نقص الوقود لإثارة جدل حول الانعكاسات البيئية لاستخدام الفحم في المصانع بما يؤثر سلبا على المناخ ، غير أن أصحاب الرأي المضاد استشهدوا بما فعلته الولايات المتحدة ذاتها عندما انسحبت من "اتفاقية كيوتو" الخاصة بحماية المناخ وتقليل الانبعاثات لأنها خلصت إلى أن تطبيق هذه الاتفاقية يعني غلق آلاف المصانع وخفض الانتاج وزيادة معدلات البطالة وخاصة بين الشباب.
ويضيف أصحاب هذا الرأي المدافع عن استخدام الفحم مثل الدكتور ماهر عزيز وهو وكيل أول وزارة أسبق لشؤون الطاقة والبيئة وعضو بالوفد المصري في مفاوضات الأمم المتحدة حول التغيرات المناخية أنه "لا مخرج لمصر من أزمة الطاقة الحالية إلا باستخدام كل خيارات الطاقة المتاحة مع التطبيق الصارم للمعايير البيئية العالمية".
وأضاف عزيز إن تزايد الطلب على الطاقة الكهربية في ظل التناقص المطرد لمخزونات النفط والغاز الطبيعي سيجعل من الضروري تنويع مزيج الوقود لتوليد الطاقة الكهربية بمصر فيما رأى أنه يتحتم أن يشتمل هذا المزيج على كل من الفحم والطاقة النووية إلى جانب النفط والغاز والطاقة المتجددة لافتا إلى أن " الفحم يشكل الوقود الرئيس لتوليد الكهرباء في دول عدة صدرت للعالم مفاهيم وتكنولوجيا حماية البيئة".
والحقيقة أن قضية انقطاع الكهرباء أيضا تبدو أكبر من تقلبات موسمية في الشتاء أو الصيف وهي متصلة جوهريا بضرورة الحفاظ على نصيب مصر وحقوقها التاريخية في مياه النيل التي ليس من قبيل المبالغة ابدا القول بأنها قضية حياة او موت للمصريين كافة.
وكانت "مجموعة حوض النيل بجامعة القاهرة" التي تضم عددا من خبراء المياه وهندسة السدود قد حذرت مؤخرا من ان النتائج المؤكدة لمشروع سد النهضة بوضعه الراهن تتضمن "حدوث انخفاض كبير لانتاج الكهرباء بالسد العالي وخزان اسوان بالقدر الذي يسبب أزمة حادة في الكهرباء بمصر".
إنها قضية البيوت المصرية التي سهرنا حياتنا نؤسسها ونبنيها ونحنو على اطفالها..بيوت مصرية العطر والذكريات..بيوت لها ان تضاء بالعمل والأمل وعشق وطن جدير بالعشق..وطن لايشيخ الحب فيه ونجمه يصعد الآن من جديد ليبهر الكون كما ابهر الدنيا مرارا .