الخميس 04 يوليو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة ستار

جمهور كان يصفق بحرارة لفيلم موريتاني عن عصابة بوكو حرام

مشهد من فيلم تمبوكتو
مشهد من فيلم "تمبوكتو
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في "كان" أيضا يوجد شحاذون... لكن الشحاذين هنا لا يتسولون المال أو الطعام، وإنما يتسولون دعوة فائضة أو تذكرة زائدة لواحد من أفلام المهرجان.
أمام قصر المهرجان والملحق الإداري المخصص لخدمات الضيوف والصحافة ستجد الكثيرين منهم على الأبواب، رجال وسيدات وشباب من أعمار مختلفة، يرتدون ملابس عادية أو أنيقة، ويحملون في أيديهم لافتات أو أوراق صغيرة مكتوب عليها "دعوة من فضلك"، "تذكرة لا تحتاج إليها لو سمحت".
في "كان" هناك أيضا شحاذون عاديون، لكنهم قليلون، معظمهم "فنانو شوارع" يعزفون على الآلات الموسيقية أو يرتدون ملابس المهرج أو يستعرضون مهاراتهم في القفز في الهواء، ولكن الأمر لا يخلو أيضا من شحاذة عربية عجوز أو متسول أفريقي شاب...الاثنان الأخيران شاهدتهما قبل حفل الافتتاح بيوم، ولكن منذ أن بدأ المهرجان لم ألتق بمثلهما مرة أخرى. هل قام البوليس الذي يملأ المدينة بمنعهما؟
البوليس لم يستطع أن يمنع إضراب سائقي الأتوبيسات في المدينة التي تستقبل عشرات الآلاف من الضيوف، لم يجرؤ البوليس على التدخل بحجة سمعة المهرجان وسمعة فرنسا، أو بحماية أمن الضيوف من نجوم وصحفيين ورجال أعمال، أو خوفا على ملايين اليوروهات التي يتم تداولها في المدينة بفضل المهرجان كل عام، المسئولون أيضا لم يتهموا السائقين المضربين بأنهم مخربون.
بوكو حرام...في موريتانيا!
"تمبوكتو" هو اسم أول فيلم يعرض من أفلام المسابقة الرسمية في "كان"، وهو اسم قرية صغيرة في موريتانيا سيطرت عليها الجماعة الإرهابية التي تسمي نفسها "بوكو حرام"، والتي قامت منذ أيام بخطف عدد من فتيات المدارس في نيجيريا، أعضاء عصابة "بوكو حرام" يحرمون كل شيء على سكان القرية: الغناء والموسيقى والتدخين ويفرضون على الرجال ارتداء السراويل القصيرة وعلى النساء ارتداء الحجاب والقفاز ويقومون بجلد ورجم كل من يخالف أوامرهم...وكله باسم الشريعة والدين.
الفيلم من إخراج أحد "أبناء كان" المفضلين، وهو المخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساكو، الذي عرف الشهرة من خلال عرض بعض أفلامه السابقة في "كان"، وأتذكر أن فيلمه "السعادة" فاز بالجائزة الكبرى كأفضل فيلم في مهرجان العالم العربي منذ حوالي عشر سنوات.
سيساكو له أسلوب خاص مستمد من طبيعة البيئة التي يصورها، وهي المجتمع الموريتاني الريفي الصحراوي الفقير، الذي يخلو بالطبع من صناعة السينما أو استهلاكها.
يعتمد سيساكو غالبا على ممثلين هواة أو نصف هواة، ومزجهم بمواطنين عاديين لا علاقة لهم بالتمثيل، وقصص أفلامه التي يكتبها أو يشارك في كتابتها بنفسه بسيطة وتخلو من الحبكة الدرامية وغيرها من قواعد كتابة السيناريو التقليدية. والسرد عنده أشبه بالحياة اليومية العادية بعفويتها ولحظاتها متباينة السرعة والتشويق.
هنا، مثلا، بالرغم من درامية الموضوع الذي يتناوله الفيلم: سيطرة جماعة إرهابية باسم الدين على قرية صغيرة والتحكم في حياة أهلها، مع وجود خط مواز لراع شاب يقتل صياد سمك خلال مشاجرة، ويحكم عليه قادة الجماعة بالإعدام...إلا أن الحكاية تروى بدرجة من العفوية والصوت الهادىء إلى درجة الهمس.
وبالرغم من إدانته الشديدة للتطرف ولما تفعله "بوكو حرام" من أعمال مجرمة، إلا أن الفيلم غير ميلو درامي ولا يتعامل مع الجماعة وأفرادها باعتبارهم شياطين، على العكس يعطي شخصياتهم الفرصة للتعبير عن وجهة نظرهم. وعندما يدينهم يفعل ذلك من خلال شيئين: إظهار معاناة البسطاء ومحبي الحياة من أفعالهم، وإظهار التناقضات التي يعانون منها شخصيا، فمثلا الجماعة تمنع أهل القرية من التدخين، ولكن أحد قادتها لا يستطيع أن يقلع هو نفسه عن التدخين، ويتسلل داخل الصحراء كل فترة ليدخن سرا!
الفيلم رغم بساطته التي تصل إلى حد السذاجة والبدائية أحيانا نال إعجاب الغالبية هنا، وحظي بتقدير كبير لا ينافسه فيه سوى فيلم "السيد تيرنر" للمخرج مايك لي.
فن جميل...وفنان قبيح!
جوزيف تيرنر رسام بريطاني شهير ولد في الربع الأخير من القرن الثامن عشر وتوفي في منتصف القرن التاسع عشر، ينتمي إلى مذهب الرومانتيكية، أثار الجدل في عصره بين أنصاره القلائل ومعارضيه الكثر، ولكن التاريخ أنصفه باعتباره واحدًا من أكبر الفنانين في التاريخ، خاصة أن بعض لوحاته سبقت عصرها ومهدت لمولد مذاهب فنية مثل التعبيرية والتجريدية.
حياة تيرنر لا تحمل أي شيء درامي مميز يجعل منها فيلمًا جاذبًا، وشخصيته تكاد تكون كريهة، فهو بدين قصير قبيح فظ الطباع يبدو للآخرين مجردا من العواطف والمشاعر، مع ذلك استطاع المخرج البريطاني الكبير مايك لي، الحاصل على السعفة الذهبية من قبل والذي طالما حل ضيفا على مهرجان "كان"، استطاع أن يجعل من حياة ولوحات تيرنر تحفة سينمائية بديعة هي أفضل شيء عرض في "كان" حتى الآن.
مايك لي المعروف بأفلامه الواقعية التي تتبنى حياة الطبقة العاملة والمهمشين، يتجاوز هنا تلك الواقعية الاجتماعية ليخطو بعيدا باتجاه "واقعية تاريخية" يندر أن قدمت السينما مثلها، خاصة حين نقارنها بأفلام هوليوود "التاريخية".
الفيلم يتميز، بجانب تصويره الفذ ومواقع تصويره الساحرة بأداء ممثليه، وعلى رأسهم الممثل تيموثي سبال الذي أدى دور تيرنر، في أداء يصعب أن تتجاهله لجنة التحكيم، حتى لو كنت أكتب ذلك قبل مشاهدة باقي أفلام المسابقة!