تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
لا أكرههم.. ولا أخافهم..
أخاف عليهم.. وأشفق على أعمارهم التي أهدرت في التعبد لشيوخهم.
أولئك الظالمون بجهل، المنفِّرون بإخلاص، الساكبون لزيوت التشويه والعكارة على نقاء سرائرنا، الـُمسيَّرون نحو الألم، المدفوعون إلى الظلام، الذين يصدقون أساتذتهم، ويطيعونهم دون مناقشة، ويقبلون أحكامهم دون تفكير.
لم أتعجب أن يكفِّر محمد عبد المقصود نصف الأمة أو يزيد، ولم أندهش أن يتهمنا وجدي غنيم بالإلحاد والضلال، لكن عجبي الحقيقي من أولئك الذين صدقوا كليهما وصفقوا لكليهما.
آمن المستضعفون أن أساتذتهم أنصاف أنبياء، ويملكون مفاتيح الجنة والنار؛ فأطاعوهم في القتل والذبح والسرقة والاستبداد باسم السماء، فصاروا من الأخسرين أعمالاً، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا.
في 14 أكتوبر عام 1994 سار محمد ناجي مصطفى حاملاً سكينًا صغيرة قاصدًا رجلاً مسنًّا تجاوز الثمانين عامًا لا يقوى على المقاومة، ولا يحمل حقدًا لأحد، فسدد سكينه في رقبته وهو يكبر ويهلل!!
لم يكن الضحية سوى نجيب محفوظ، الروائي العالمي، الذي أطلق عليه المتشددون سهام التكفير، وسُئل حامل السكين إن كان قرأ شيئًا لنجيب محفوظ أم لا؛ فنفى الشاب بشدة قراءة الكفر والضلال، مكتفيًا برأي شيخه في الجماعة بضرورة ذبح الأديب ذي الثمانين عامًا!
قبلها بعامين أطلق بائع سمك، لا علاقة له بالفكر أو الفلسفة، رصاص الموت على الدكتور فرج فودة متبعًا فتوى شيخه باستحلال دم المفكر الليبرالي.
لم يسع القاتل أن يحاوره أو يناقشه أو يعرف حتى ماذا يقول.. عبد شيخه فقتل من أراد، ودفع الثمن من حياته، بينما ربح من أفتى له بالقتل الأمن والزعامة والغنى.
وبعدهم وغيرهم المئات الذين ساروا نحو الجحيم، وساموا الناس فزعًا وإرهابًا إيمانًا بكلمات أدعياء جهنم.
القتلة طيبون، بلهاء، يتقدمون بإخلاص نحو أهدافهم، بينما محرضوهم أذكياء يطلقون كلماتهم كرصاص فشنك، وتبقى أياديهم نظيفة.
القتلة صادقون، يفعلون ما يعتقدون، ويفتخرون بما فعلوا، بينما محرضوهم يتلونوّن، وينكرون ويتحايلون كي لا يوصموا بالإجرام.
القتلة مباشرون، يحددون ضحاياهم بدقة، ويسلّون أرواحهم دون مراجعة، بينما المحرضون يتأرجحون ويتلاعبون لجني أكبر قدر من المكاسب.
لو قدر لي أن أكتب لقاتلي رسالة لكتبت:
“,”أيها القاتل القاتل:
قف لحظة حداد على جثماني واطلب لي الرحمة.. امنحني كلمة رثاء تليق بصراعنا وباختلافنا في الرأي. امنحني ابتسامتك لعلَّنا نلتقي يومًا ما فنتصاحب ونتحاور دون رصاص أو تربص.. حاول أن تعيد النظر في مبادئ الطاعة العمياء التي تقتل فيك روح الإنسان.
أيها القاتل:
أنت مقتول مثلي، بل أشد موتًا. مسلوب الإرادة تمامًا. قيدوك وكبلوك وانتهكوا براءتك. زرعوا فيك كراهيتي، رفضي، تكفيري، تخويني، ودعَوْك أن تتعبد إلى الله بدمي.
أيها القاتل الضعيف: إنني أحبك رغم كل هذا.
باسم الإنسانية..
باسم السلام..
باسم الوطن..
أيها القاتل الجميل الذي يمنحنا خلودًا..
ويفتح لنا نافذة الإثارة:
شكرًا
من
القلب.