جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر لتجسد فكرة أن ثمة مؤامرة كبرى تستهدف القضاء على ثوابت الأمة وعقيدتها الإسلامية، وفي ظل اختلال موازين القوى يتصاعد لدى جمهور المسلمين الإحساس بالتهديد والخطر الغربي "الصليبي".
لم يختلف الأمر كثيرًا على الجانب المسيحي المصري، تزايد لدى جمهور الأقباط الإحساس بالتهديد والخطر "الإرهابي الإسلامي" الذي يستهدف الصليب والمسيحية، وارتفع صوت جماعة أقباط الولايات المتحدة دفاعًا عما تعانيه الجماعة القبطية المسيحية المصرية إحساس بالتهديد، ولم يكن من الصعب على أي من الجماعتين المهددتين- المسلمة و المسيحية- أن تلتقط من "الوقائع الصحيحة" ما يدعم ذلك الإحساس بالتهديد.
وكان طبيعيًا أيضًا أن تجد كل من الجماعتين نفسها بين شقي الرحى: الحرص على الانتماء الوطني من ناحية والحرص من ناحية أخرى على الدفاع الشرس عن الجماعة الفرعية المهددة التي تعيش ثقافة الهزيمة، الجماعة القبطية المسيحية المصرية يدفعها الحرص على وحدة النسيج الوطني إلى إبراز التمايز عن "الخارج" بكل ما يمثله، ومقاومة إغراء ما يمكن أن يقدمه لها من دعم دعائي ومادي، وهي من ناحية أخرى حريصة في ظل مناخ ثقافة الهزيمة الذي يسود الجميع على ممارسة أشد الآليات سلبية في الدفاع عن الجماعة الفرعية، رغم ما قد يحمله ذلك من مخاطر، وكذلك الحال بالنسبة للجماعة المسلمة المصرية التي يدفعها الحرص على وحدة النسيج الوطني في ظل ثقافة الهزيمة إلى مقاومة إغراء الإحساس باستعلاء الأغلبية والتراجع أمام ما تصوره العين المرعوبة "تهديدًا صليبيًا".
إن الإحساس بالتهديد والخطر قد يكون عاملًا من أهم العوامل الإيجابية لتوحيد الجماعة القومية وهو ما حدث مثلًا خلال ثورة 1919، حيث كان الأمل في الانتصار قائمًا، أما في ظل ما ترسخه ثقافة الهزيمة من تشاؤم حيال المستقبل وافتقاد للأمل في الإصلاح، يصبح الأمر مختلفًا.. ولعل ذلك هو الفرق بين الهزيمة كواقعة مادية لا يخلو منها تاريخ شعب من الشعوب، و"ثقافة الهزيمة" التي يمكن أن تظل راسخة في وعي الجماعة حتى بعد أن تختفي الهزيمة المادية ويتحقق الانتصار، تلك هي حالتنا: نصر أكتوبر الذي حققناه مسلمين ومسيحيين أنهى واقعة الهزيمة، ولكننا جميعًا ظللنا نعيش ثقافة تلك الهزيمة.
وجاء يناير 2011، أو الربيع العربي، وكان زلزالًا كبيرًا، قال البعض إنه صناعة أمريكية، والبعض الآخر قال إنه اختراع مصري، لكن لا أحد يستطيع أن ينكر أن هذا كان زلزالًا كبيرًا، سبقته مقدمات في تونس، وتلته توابع، أهمها سوريا، فما هو الملمح العام المشترك؟ في النهاية يتولى السلطة التيار الإسلامي عن طريق انتخابات. نجحت جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات، وكان يمكن أن يمضي هذا السيناريو إلى نهايته، و إلي جوارنا تونس حيث تولى السلطة أيضا التيار الإسلامي، أما في سوريا، فكانت المشكلة أعقد، ففيها نظام ديكتاتوري ثار الناس عليه، لكن هؤلاء الثوار فيهم كل تصنيفات الربيع العربي، فمنهم إخوان مسلمون، ويساريون، وسلفيون، وكل له من يدعمه في الإقليم، واحتفظ بشار الأسد بتماسك القوة الضاربة للجيش السوري، فأصبح المشهد غريبًا.. في تونس، ترك الرئيس السلطة، وفي مصر ترك أيضًا الرئيس السلطة، أما في سوريا، فلم يترك الرئيس السلطة، لم تسير الأمور وفقًا للسيناريو المعتاد لثورات الربيع العربي: جماهير غفيرة تنزل الشارع، وتهتف "الشعب يريد إسقاط النظام"، هذا المشهد كان في تونس، ومصر، وسوريا، ولكن الجيش هو الذي تولى عمليًا إسقاط النظام، أما في سوريا، فلم يهرب الرئيس، ولم يتنازل، ولم يترك السلطة، فارتبكت الخيوط، وأصبح الخيار الذي طرح على جماهير المنطقة متجسدًا في سوريا: إما الحرب الأهلية أو التقسيم، وحين طال الصراع، بدأت نذر التدخل الأجنبي "لإنقاذ الشعب السوري من الأسد"، و لا تزال تفاصيل هذا التدخل في علم الغيب.
ولنعد إلى النموذج المصري، لقد وصل الإخوان المسلمون إلى سدة الحكم في مصر بشكل ديمقراطي، ولكن ما هو سر الإخفاق والتعثر؟ نحن نذكر حين تم انتخاب الدكتور مرسي، لم تكن هناك معارضة شديدة له على الفور في الشارع، ولكن كان هناك انتظار لما سوف يفعله.
ترى لماذا تعثرت سلطة الإخوان المسلمين؟، في تقديري إن من تمرد على الإخوان المسلمين هو الدولة المصرية، ممثلة في مؤسساتها الأساسية، وهي الجيش، والشرطة، والقضاء، والإعلام، مما جعل الرئيس المنتخب لا يستطيع تفعيل سلطاته، وكان هذا أخطر المواقف، إلى أن وصلنا إلى 30 يونيو 2013، حيث خرج جمع كبير يطالب بإزاحة الرئيس، وإجراء انتخابات مبكرة، والذي نفذ هذا المطلب هو الجيش، أي أن السيناريو الأول الذي جرى في 25 يناير 2011 قد تكرر حرفيًا حينما خرج الجيش وقال إنه مع إرادة الشعب، وبدأت الأحداث تتوالى، الإخوان المسلمون تمسكوا بمواقفهم، معتمدين على أمور ثلاثة، الأمر الأول لا يجادلهم فيه أحد وهو أنهم منتخبون شرعيًا، الأمر الثاني: الشريعة وأنهم مسلمون، من ينازعهم السلطة ينازع سلطة الإسلام الذي اختاره الشعب، الأمر الثالث: العالم معهم ومع الديمقراطية، وضد الانقلاب العسكري كما يزعمون، وهذا هو المشهد الذي نعيش توابعه الآن.
ولكن ترى هل دلالة تعثر حكم الإخوان المسلمين شأن مصري خالص؟ أم أنه مرتبط بحلم إعادة إحياء الخلافة الإسلامية؟.
لقد ظل تجميع البشر تحت قيادة مركزية تستند إلى مرجعية فكرية واحدة، أملًا يداعب الفكر الإنساني منذ بداية التاريخ ولم يكف البشر عن محاولة تحقيق هذا الحلم حتى يومنا هذا، سعيًا لتجسيد عالم مثالي نموذجي ينعم البشر في ظله إذا ما تحقق بأقصى قدر من الرفاهية والسعادة.
لم يختلف الأمر كثيرًا على الجانب المسيحي المصري، تزايد لدى جمهور الأقباط الإحساس بالتهديد والخطر "الإرهابي الإسلامي" الذي يستهدف الصليب والمسيحية، وارتفع صوت جماعة أقباط الولايات المتحدة دفاعًا عما تعانيه الجماعة القبطية المسيحية المصرية إحساس بالتهديد، ولم يكن من الصعب على أي من الجماعتين المهددتين- المسلمة و المسيحية- أن تلتقط من "الوقائع الصحيحة" ما يدعم ذلك الإحساس بالتهديد.
وكان طبيعيًا أيضًا أن تجد كل من الجماعتين نفسها بين شقي الرحى: الحرص على الانتماء الوطني من ناحية والحرص من ناحية أخرى على الدفاع الشرس عن الجماعة الفرعية المهددة التي تعيش ثقافة الهزيمة، الجماعة القبطية المسيحية المصرية يدفعها الحرص على وحدة النسيج الوطني إلى إبراز التمايز عن "الخارج" بكل ما يمثله، ومقاومة إغراء ما يمكن أن يقدمه لها من دعم دعائي ومادي، وهي من ناحية أخرى حريصة في ظل مناخ ثقافة الهزيمة الذي يسود الجميع على ممارسة أشد الآليات سلبية في الدفاع عن الجماعة الفرعية، رغم ما قد يحمله ذلك من مخاطر، وكذلك الحال بالنسبة للجماعة المسلمة المصرية التي يدفعها الحرص على وحدة النسيج الوطني في ظل ثقافة الهزيمة إلى مقاومة إغراء الإحساس باستعلاء الأغلبية والتراجع أمام ما تصوره العين المرعوبة "تهديدًا صليبيًا".
إن الإحساس بالتهديد والخطر قد يكون عاملًا من أهم العوامل الإيجابية لتوحيد الجماعة القومية وهو ما حدث مثلًا خلال ثورة 1919، حيث كان الأمل في الانتصار قائمًا، أما في ظل ما ترسخه ثقافة الهزيمة من تشاؤم حيال المستقبل وافتقاد للأمل في الإصلاح، يصبح الأمر مختلفًا.. ولعل ذلك هو الفرق بين الهزيمة كواقعة مادية لا يخلو منها تاريخ شعب من الشعوب، و"ثقافة الهزيمة" التي يمكن أن تظل راسخة في وعي الجماعة حتى بعد أن تختفي الهزيمة المادية ويتحقق الانتصار، تلك هي حالتنا: نصر أكتوبر الذي حققناه مسلمين ومسيحيين أنهى واقعة الهزيمة، ولكننا جميعًا ظللنا نعيش ثقافة تلك الهزيمة.
وجاء يناير 2011، أو الربيع العربي، وكان زلزالًا كبيرًا، قال البعض إنه صناعة أمريكية، والبعض الآخر قال إنه اختراع مصري، لكن لا أحد يستطيع أن ينكر أن هذا كان زلزالًا كبيرًا، سبقته مقدمات في تونس، وتلته توابع، أهمها سوريا، فما هو الملمح العام المشترك؟ في النهاية يتولى السلطة التيار الإسلامي عن طريق انتخابات. نجحت جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات، وكان يمكن أن يمضي هذا السيناريو إلى نهايته، و إلي جوارنا تونس حيث تولى السلطة أيضا التيار الإسلامي، أما في سوريا، فكانت المشكلة أعقد، ففيها نظام ديكتاتوري ثار الناس عليه، لكن هؤلاء الثوار فيهم كل تصنيفات الربيع العربي، فمنهم إخوان مسلمون، ويساريون، وسلفيون، وكل له من يدعمه في الإقليم، واحتفظ بشار الأسد بتماسك القوة الضاربة للجيش السوري، فأصبح المشهد غريبًا.. في تونس، ترك الرئيس السلطة، وفي مصر ترك أيضًا الرئيس السلطة، أما في سوريا، فلم يترك الرئيس السلطة، لم تسير الأمور وفقًا للسيناريو المعتاد لثورات الربيع العربي: جماهير غفيرة تنزل الشارع، وتهتف "الشعب يريد إسقاط النظام"، هذا المشهد كان في تونس، ومصر، وسوريا، ولكن الجيش هو الذي تولى عمليًا إسقاط النظام، أما في سوريا، فلم يهرب الرئيس، ولم يتنازل، ولم يترك السلطة، فارتبكت الخيوط، وأصبح الخيار الذي طرح على جماهير المنطقة متجسدًا في سوريا: إما الحرب الأهلية أو التقسيم، وحين طال الصراع، بدأت نذر التدخل الأجنبي "لإنقاذ الشعب السوري من الأسد"، و لا تزال تفاصيل هذا التدخل في علم الغيب.
ولنعد إلى النموذج المصري، لقد وصل الإخوان المسلمون إلى سدة الحكم في مصر بشكل ديمقراطي، ولكن ما هو سر الإخفاق والتعثر؟ نحن نذكر حين تم انتخاب الدكتور مرسي، لم تكن هناك معارضة شديدة له على الفور في الشارع، ولكن كان هناك انتظار لما سوف يفعله.
ترى لماذا تعثرت سلطة الإخوان المسلمين؟، في تقديري إن من تمرد على الإخوان المسلمين هو الدولة المصرية، ممثلة في مؤسساتها الأساسية، وهي الجيش، والشرطة، والقضاء، والإعلام، مما جعل الرئيس المنتخب لا يستطيع تفعيل سلطاته، وكان هذا أخطر المواقف، إلى أن وصلنا إلى 30 يونيو 2013، حيث خرج جمع كبير يطالب بإزاحة الرئيس، وإجراء انتخابات مبكرة، والذي نفذ هذا المطلب هو الجيش، أي أن السيناريو الأول الذي جرى في 25 يناير 2011 قد تكرر حرفيًا حينما خرج الجيش وقال إنه مع إرادة الشعب، وبدأت الأحداث تتوالى، الإخوان المسلمون تمسكوا بمواقفهم، معتمدين على أمور ثلاثة، الأمر الأول لا يجادلهم فيه أحد وهو أنهم منتخبون شرعيًا، الأمر الثاني: الشريعة وأنهم مسلمون، من ينازعهم السلطة ينازع سلطة الإسلام الذي اختاره الشعب، الأمر الثالث: العالم معهم ومع الديمقراطية، وضد الانقلاب العسكري كما يزعمون، وهذا هو المشهد الذي نعيش توابعه الآن.
ولكن ترى هل دلالة تعثر حكم الإخوان المسلمين شأن مصري خالص؟ أم أنه مرتبط بحلم إعادة إحياء الخلافة الإسلامية؟.
لقد ظل تجميع البشر تحت قيادة مركزية تستند إلى مرجعية فكرية واحدة، أملًا يداعب الفكر الإنساني منذ بداية التاريخ ولم يكف البشر عن محاولة تحقيق هذا الحلم حتى يومنا هذا، سعيًا لتجسيد عالم مثالي نموذجي ينعم البشر في ظله إذا ما تحقق بأقصى قدر من الرفاهية والسعادة.