الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

«التطبيل في المِطَّـبِّل»..

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

القصد تكرار الكلام في أمر ما.. أو تأكيد المؤكد.. أو توضيح الواضح.. بالمختصر: «اللت والعجن».. أجدني في أحيان عدة.. «أطبل في المِطَّبِّل».. بالمناسبة هو مَثلُ صعيدي.. خاصة عندما يكون الكلام عن جماعات «الإسلام السياسي» بشكل عام، وجماعة «الإخوان المسلمون» على الخصوص.
طوال ما يقارب عقدين كاملين، اجتهدت -هكذا أدعي لنفسي ولو بالقدر القليل- في متابعة ورصد وقراءة خطاب وسلوك جماعات الإسلام السياسي على تنوعها (الدعوية، الإصلاحية، الجهادية، الراديكالية): فكرًا ونهجًا، تنظيمًا وتجنيدًا، أهدافًا وغايات، ممارسة وسلوكًا.
وتزايد الاهتمام بمتابعة تيارات الإسلام السياسي، عقب ما شهدته من نمو وتمدد وانتشار، ليس في مصر فقط، ولكن في أغلب الدول العربية.. وباتت «ظاهرة الإسلام السياسي» رقمًا كبيرًا لا يمكن تجاهله أو التغاضي عن ممارساته ومقاصده؛ لذا «كثر الكلام» عن تلك الظاهرة المتنامية في مجتمعاتنا.. وانخرطت قطاعات وأفراد، بعضها مؤهل وكثير منها دون ذلك، في تفنيد وكشف ملامح ومكونات تيار الإسلام السياسي..
وكثر الكلام حتى وصل في مواضع منه لـ«اللت والعجن».. لكن ما حيلتنا والأمر فيما نعتقد مهم وخطير؟ لا بأس إذن من تكرار الكلام.. لكن سأحاول أن أختصره، وأتجاوز تفاصيل وأحداث ودلالات، واثقًا في فطنة القارئ الكريم وأنه لن يخذلني..
وإلى أهم ما خلصنا إليه في «التوقف والتبين» في حال تيار الإسلام السياسي:
1. خطأ وخطورة -في آن- خلط الديني (الثابت والمطلق) بالسياسي (المتغير والنسبي).. دون أن يعني رفضنا لهذا الخلط المتعمد القول بفصل الدين عن الحياة.. إنما القصد فصل الدين عن السياسة.
2. إن كل الجماعات والتيارات الإسلامية، على تنوعها، هي في واقع الأمر تقدم رؤيتها هي في الدين، وفهمها هي لمقاصده؛ بما يعني ضرورة «إسقاط الايهام» عن أن ما تراه وتفهمه هو الدين.. أي صحيح الدين.. وما سواه باطل!
3. إن كل تلك الجماعات السياسية الدينية تستهدف الوصول للسلطة، وهذا حقها.. بشرط أن تمارس ذلك كقوى سياسية، ذات مرجعية دينية ملزمة لمن يقبلها فقط، وأن تتوسل ذلك –شأن أي جماعة سياسية– من خلال برنامج سياسي واضح الأهداف والغايات والوسائل.
4. اعتمدت هذه القوى السياسية الإسلامية، خاصة «الإخوان المسلمون»، على مدار تاريخها، خطابًا جماهيريًّا مراوغًا.. ضبابيًّا.. يدغدع المشاعر ويتلاعب بها.. لا يتوقف أمام التفاصيل.. ويهرب من القضايا الشائكة: النظام الاقتصادي، التعددية، الموقف من غير المسلمين الموقف من قضايا المرأة، حرية الرأي والإبداع، الصراع العربي الإسرائيلي وغير ذلك كثير.
5. إن كل هذه الجماعات والقوى تتفق في الغاية النهائية «الإستراتيجي»: «إقامة دولة الخلافة الإسلامية».. وإن اختلفت في السبل نحو تلك الغاية «التكتيكي»، بين التدرج والمراحل «الوسطية الإصلاحية»، وبين الراديكالي «الجهادي الانقلابي».
6. وعلى ما سبق، يبرز موقف غير ناجز، وغير إيجابي في منتهاه، لكل القوى الإسلامية، وإن بدرجات متفاوته، من قضايا ومعان سياسية واجتماعية وفكرية، مثل: دولة المواطنة، الدولة المدنية، الديموقراطية، حقوق غير المسلمين، حقوق المرأة، حرية الفكر والإبداع، وثقافة الحوار والاختلاف وقبول الآخر.
7. السعي للاستحواذ والهيمنة وتهميش وتشويه الآخر (المختلف سياسيًّا أو دينيًّا أو فكريًّا)، واعتماد نهج «تغليظ القول»، والإيذاء المعنوي للمخالفين، وهو حال جماعات سياسية دينية (الإخوان مثلاً).. وصولاً لممارسة العنف والإيذاء المادي واعتماد خطاب التهديد والوعيد، بل وممارسته فعليًّا، كحال «الحازمون» وأنصار المفاهيم «الوهابية» لفكرة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».. ليظل هذا النهج ملازمًا لتيارات وفصائل الإسلام السياسي، يتوارى ويخفت أحيانًا، لكنه يبقى مكونًا «شبه» عقيدي.. يتكئ على تفسيرات وتخاريج ووقائع تخلط الديني بالتاريخي، وتتباعد عن مفاهيم الاعتدال والوسطية الإسلامية، لترتمي في أحضان مفاهيم التشدد.. «الإسلام الصحراوي».
8. إن هذه القوى والتيارات الإسلامية، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، أهدرت وأضاعت على نفسها بالأساس، وعلى مسار التحول والتغيير، بعد ثورة 25 يناير 2011، فرصة قيادة تيار الإسلام السياسي (بتنوعه) –باعتبارها الأخ الأكبر– نحو تحول حقيقي وجاد لصياغة مشروع ذي مرجعية إسلامية، يتأسس على مفاهيم ومفاصل مدنية حديثة (البعض كان يأمل في الاقتراب من النموذج التركي مثلاً).. لكن الإخوان وحزبهم، وبلا آسف فالأمر محكوم فيما أعتقد برؤية ونهج وتاريخ وقيادة الإخوان الحالية. بممارستهم الاستحواذ والهيمنة والاستعلاء والمغالبة والمداراة والمراوغة، وتغليب مصلحة الجماعة في حال تعارضها مع مصلحة الوطن.
في ذات الوقت، كشف تيار الإسلام السياسي، وفي القلب منه الإخوان، عن غياب رؤية شاملة متكاملة، وافتقاد سياسات بديلة، ونقص «مفجع» في الكفاءات «الخبراء/ التكنوقراط».. في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية .. (وتحول «مشروع النهضة» -دالتهم وشعارهم- إلى مصدر «مُلهم» للتنكيت والتبكيت عند المصريين!! زاد من قتامة الحال وقلة الحيلة، عند الجماعة الحاكمة المتحكمة الآن، التخبط والتردد و«التوهان».. في الأقوال والأفعال.. ليكتشف الجميع، وفي مقدمتهم الإخوان وأنصارهم، أن حكم مصر كبير عليهم..
ما سبق الإشارة إليه، بعض من الاستخلاصات والنتائج والمحددات التي قال بها، ولفت النظر لخطورتها، كثير من الباحثين والمتابعين والمعنيين برصد جماعات الإسلام السياسي، وكثر الحديث عنها والتدليل على مصداقيتها، خاصة في العقود الثلاثة الأخيرة..
وها هي الأشهر الأخيرة.. منذ شرع تيار الإسلام السياسي في تنفيذ حلم «التمكين» لإدارة البلاد لحساب رؤاهم ومخططاتهم.. تؤكد صحة وجدية تلك «الاستخلاصات».. ومع ذلك.. وبدون عجب.. ما زلنا في حاجة لتكرار ذات الكلام.. حتى ولو بدا الأمر وكأننا «نطبل في المِطَّبِّل».. لا بأس.. نقول كمان.. والله المستعان.