تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
[email protected]
“,”رحم الله من أهدى إليَّ عيوبي“,”..
ثمة تصويب واجب نبهتني له مشكورة الأستاذة المستشارة نهى الزيني، بشأن ما تناولته في مقال سابق عن العلوم اليقينية والإرهاب؛ فقد أدى إطلاقي لتعبير الإرهاب -دون تحفظ- إلى خلط أتحمل مسئوليته بين “,”العمل الفدائي“,” و“,”العمل الإرهابي“,”، وبين تعذيب يجري على أبرياء لدفعهم لاعترافات مشبوهة، وبين إعلان إرادي بارتكاب جرائم إبادة واضحة المعالم.
وقد وجدت من الأنسب أن أستبدل بتعبير “,”الإرهاب“,” تعبيرًا علميًّا أكثر رصانة وتحديدًا هو “,”العنف السياسي“,”، وهو نوع من أنواع العنف يتسم بعدة خصائص سلوكية نفسية، أهمها: الرمزية، والجماعية، والإعلانية، والإيثارية، واليقين المطلق بصواب التوجه، وشيطنة الآخر المختلف.
لعله مما يستلفت النظر حقًّا أن قوائم قيادات وممارسي العنف السياسي الديني تكاد تخلو من أبناء التعليم الأزهري، رغم أنهم الأقرب إلى مصادر المعرفة الدينية، والأقرب للانتماء إلى الفئات الأكثر فقرًا والأشد معاناة، كما أنهم أميل للتحفظ حيال المستحدث من أنماط السلوك ومستجدات العصر، وأميل للنظر لأنفسهم باعتبار أنهم حماة تراث مقدس لا يأتيه الباطل، وهم الأكثر إتقانًا لمفردات الفكر الديني والأكثر ألفة بجذوره. ترى لماذا إذن لم تجتذبهم تيارات العنف السياسي خاصة المتسربلة برداء الدين؟
حين لجأت إلى بعض القراءات في تاريخ التعليم الأزهري، وجدت أنه يقوم في الأساس على تدريس عدد من المذاهب الإسلامية باعتبارها جميعًا مذاهب شرعية، وأن طالب الأزهر منذ البداية الأولى لتعليمه الأزهري يعتاد سماع أساتذته خلال عرضهم لآراء المذاهب المختلفة حول قضية مطروحة يعرضون مثلاً لرؤية المذاهب المختلفة للقضية، ولا بأس بعد ذلك من أن يعلن الأستاذ الشيخ انتماءه لواحد من تلك المذاهب، مرجحًا صواب توجهه، مختتمًا حديثه بتلك العبارة بالغة الدلالة “,”والله أعلم“,”.
ومع مضي السنوات يصبح ذلك التعبير ضمن مفردات طالِبنا الأزهري. لا يزعجه اختلاف الاجتهادات ما دامت لم تتجاوز الحدود، أو بعبارة أخرى فإنه يجد يقينه متسعًا، ولو بمقدار، لتباين وجهات النظر، وأن رأيه –كما قال الشافعي- “,”صواب يحتمل الخطأ وأن رأي الآخر خطأ يحتمل الصواب“,”، ويظل متمسكًا حتى النهاية بأن “,”الله أعلم“,”.
لقد أتيح لي قراءة كتاب الدكتور أيمن الظواهري “,”الولاء والبراء“,”، وافتقدت بشدة تعبير “,”الله أعلم“,”، الذي لم يرد سوى مرات ثلاث على وجه التحديد ضمن كلمات الكتاب التي تجاوزت إحدى عشر ألف كلمة (11165كلمة)، وقد ورد التعبير في المرات الثلاث الاستثنائية ضمن نصوص لابن كثير والشافعي، ثم على سبيل التصحيح لعبارة وردت في كتاب المحلى، أما فيما عدا ذلك فالأحكام والتفسيرات قطعية يقينية مطلقة.
أتلفت حولي الآن لأشاهد سيلاً مندفعًا من الحوارات والمناقشات يديرها أو يشارك فيها من ينتسبون للدين الإسلامي الحنيف، وقلة منهم ممن ينتسبون للأزهر الشريف، فتعلو أصواتهم مزمجرة بالوعيد لمن يعتبرونهم من الخارجين على الأصول الدينية، يصدرون عليهم أحكامهم القاطعة، مستندين إلى العديد من النصوص والآيات والأحاديث؛ موزعين لصكوك الشهادة والتكفير؛ وأرهف السمع وأدقق النظر -دون جدوى- لعل أذني أو عيني تلتقط متحدثًا أو كاتبًا يختتم حديثه بذلك التعبير القرآني الإسلامي العظيم “,”الله أعلم“,”، الذي يفتح الباب لتفكير هادئ مطمئن، ويرسخ لدى الجميع أن أحدًا لا يمتلك الحقيقة المطلقة. ذلك التعبير الذي يبدو لي بمثابة الدرع الواقي لأبناء الأزهر القدامى الذين عرفناهم.
ترى.. هل ثمة ما تغير؟!