الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة ستار

الله في السينما!

 الفيلم المصري رسالة
الفيلم المصري "رسالة إلى الله" إخراج كمال عطية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كلنا نفكر في الله سبحانه وتعالى، مهما كانت علاقتنا به ومهما كانت درجة إيماننا به، وكل شخص فينا يتصور الله سبحانه في هيئة من صنع خياله مستوحاة عادة من الأفكار والمشاعر الأولى التي غرزت داخل الشخص في طفولته المبكرة. فهناك من يتصوره جدا حانيا رحيما، وهناك من يتصوره أبا غضوبا يميل للبطش والعقاب، وهناك من يتخيله قاضيا أو حكما عادلا في مباراة كرة.. يمنح الطيبين أهدافا، ويصد ركلات السيئين!
الله موجود في خيالنا وصلواتنا وكلماتنا كل يوم، ونحن نتحدث عنه ونصفه ونضع على لسانه الكثير مما نرغب نحن في قوله ولا أحد يحاسبنا على ذلك، ولكن حين يأتي الأمر للسينما فالحساب يكون عسيرا في الغالب، والسبب هو فكرة التصوير التي تنتقل عبرها أفكارنا من التخيل إلى التجسيد. كيف تخيلت السينما، الفن الشعبي الأول، صورة الله، وكيف جسدتها؟
هذه رحلة عبر أكثر الموضوعات صعوبة وخطورة في السينما.

الله في السينما المصرية.. والحرية المفقودة

في الفيلم المصري "رسالة إلى الله" إخراج كمال عطية 1961 يقوم كل أبطال الفيلم تقريبا بكتابة رسائل إلى الله، ليس فقط الطفلة عائشة التي تريد منه أن يبث الحياة في دميتها، ولكن أيضا الصحفي الذي يصبح زوجها عندما تكبر، والذي ينشر رسالته إلى الله في الصحيفة التي يعمل بها، ويطالبه فيها ببث الحياة في أطراف عائشة المشلولة وإنقاذ حياتها المهددة، وفي النهاية يقوم الأب نفسه، حسين رياض، وهو الذي يقدمه الفيلم كصاحب إيمان عقلاني يؤمن بالسببية والعلم، بكتابة رسالة إلى الله هو أيضا، يعتذر فيها عن إيمانه العقلاني ويطلب منه أن ينقذ حياة ابنته.
الفيلم هو أحد الأعمال النادرة في السينما المصرية التي تتناول موضوع الإيمان بجرأة نسبية، وسوف يقوم المخرج كمال عطية بمناقشة ثنائية الإيمان والعلم في فيلم لاحق هو "قنديل أم هاشم" (1968) الذي قدم فيه شخصية الطبيب الشاب المتعلم في أوروبا المنحاز للعلم ضد الخرافات الشعبية المخلوطة بالدين، والتي أودت بعيون ابنة خالته وحبيبته. وفي أحد المشاهد القوية في الفيلم يقوم الطبيب، الذي يؤدي دوره شكري سرحان، بتحطيم قنديل الزيت بمسجد السيدة زينب الذي "يتبرك" به العامة ويزعمون أنه يعالج العيون المريضة فتكون النتيجة تفاقم المرض وإصابة الكثيرين بالعمى.
القنديل أو زيته لا علاقة لهما بالدين، وهما ينتميان للخرافات الشعبية، وتحطيم القنديل ليس معناه رفض الدين أو الله، والمجتمع المصري في الستينيات كان يفهم ذلك أفضل مما يفهمه الآن، وبالتحديد منذ بداية الثمانينيات عندما هبت موجات متتالية من التطرف والتخلف على العقل المصري.. ولذلك قام البعض بشن هجمة "قانونية"، من خلال بلاغات ومحاضر، لفيلم "للحب قصة أخيرة" (إخراج رأفت الميهي 1986) لأنه ينتهي بمشهد تقوم فيه الزوجة معالي زايد بتحطيم شاهد ضريح يستخدمه دجال مشعوذ في النصب على العامة باسم الدين.
ومن العجيب أن ما تحطمه معالي زايد هنا لا ينتمي لبيوت الله وليس مزارا دينيا رسميا، وإنما رمز للتدين الشعبي الخرافي، أو للخرافات الملتصقة بالدين، ومع ذلك فقد اعتبره البعض رمزا للدين نفسه.
ولو عدنا لفيلم "رسالة إلى الله" فمن العجيب أيضا أنه على الرغم من أن الصلاة هي عبارة عن حديث إلى الله، أو معه أحيانا، إلا أن الرقابة الرسمية والشعبية طالما أصيبت بالهلع من المشاهد التي تقوم فيها الشخصيات السينمائية بالتحدث إلى الله، إلا لو كان هذا الحديث مجرد ترديد للنصوص الدينية، أو الأدعية والجمل المحفوظة.. لدرجة أن الكثيرين دهشوا من مشهد محمود حميدة في فيلم "بحب السيما" (إخراج أسامة فوزي 2004) الذي يقوم فيه بالحديث مباشرة إلى الله معترفا له بأنه اعتاد على أن يخشاه ويفزع من عقابه وليس على أن يحبه. وربما لا يعلم الكثيرون أن رجال دين مشهورين أقاموا الدنيا في الثمانينيات على الأديب الكبير توفيق الحكيم عندما قام بنشر سلسلة من المقالات في صحيفة "الأهرام" عام 1983 تحت عنوان "حديث مع الله".
لن تجد الكثير من الأفلام التي تشبه "رسالة إلى الله" أو "قنديل أم هاشم" في السينما المصرية التي اعتادت الانحناء أمام كل أنواع الرقابة والسلطة سواء الرسمية أو الشعبية، وفي سينما غير مسموح لها أصلا بتصوير الأنبياء أو الصحابة وغيرهم من الشخصيات الإسلامية التاريخية، فمن غير المتصور بالطبع أن يفكر أحد، مجرد تفكير، في أن يقوم بتصوير الله، رمزيا بالطبع، على الشاشة.
مع ذلك فهناك بعض الحالات الاستثنائية مثل فيلم "طريد الفردوس" (إخراج فطين عبد الوهاب 1965)، الذي يروي في قالب كوميدي قصة رجل ساذج اسمه الشيخ عليش – يؤدي دوره فريد شوقي- يموت ويذهب إلى الآخرة فلا يجد اسمه في كشوف أهل الجنة ولا في كشوف أهل النار، لأنه شخص سلبي لم يفعل خيرا أو يرتكب شرا في حياته!
الفيلم لا يصور الله بشكل مباشر ولكنه يصور عالم الآخرة في إطار خيالي رمزي حيث نسمع صوت الله أو حارس الجنة، بأداء عماد حمدي، والشيطان أو حارس النار، بأداء توفيق الدقن!...والطريف أن الفيلم بالأبيض والأسود ولكن مشاهد الآخرة تم تصويرها بالألوان، في إشارة إلى أن الحياة على الأرض ليست سوى نسخة أقل من الحياة الآخرة.
ينادي عليش الله طالبا الهداية والنصيحة فيجيبه صوت عماد حمدي من بين السحاب ناصحا إياه بالعودة لبلده وعمل الخير، ويقاطعه صوت توفيق الدقن مطالبا عليش بعيش حياته بالطول والعرض والاستمتاع بها ليجني الذنوب ويستحق جهنم، وهكذا يعود عليش إلى الأرض من جديد ليبدأ حياة جديدة ممتلئة بالتجارب.. هذه المرة يتعلم عليش الإيمان الحقيقي من خلال تجربة الخير والشر ولكن الطريف أن الفيلم الذي بدأ بأهل القرية السذج وهم يودعون جثمان عليش باعتباره وليا من أولياء الله الصالحين، ينتهي بقيامهم بقتله لأنه هدم الضريح ومعتقداتهم الخرافية.. وفي مشهد أخير بالألوان تصعد روح عليش إلى السماء مرة أخرى مع تعليق بصوت عماد حمدي يشير فيه إلى النهاية السعيدة لعليش.

الله في السينما العالمية.. رجل وامرأة وبرنامج كمبيوتر!

على العكس من السينما المصرية التي تراجعت مساحات الحرية فيها أسوة بالمجتمع كله، سنجد أن السينما العالمية قفزت إلى الحاضر والمستقبل بسرعات خيالية تتناسب مع الطفرات التي حدثت في هذه المجتمعات.
من الصعب أن نحصر عدد الأفلام التي ظهر فيها الله، سواء كنص مكتوب على الشاشة في الأفلام الصامتة، أو كصوت فقط في معظم الأفلام الدينية وبعض الأفلام الأخرى، أو صوتا وصورة في العقدين أو الثلاثة الماضيين. وبعيدا عن الأفلام المستقلة التي يتمتع صناعها بحرية أكبر، أو الأفلام المأخوذة عن الأساطير الإغريقية أو الفرعونية وغيرها أو الديانة البوذية أو الهندوسية أو غيرها، والتي تختلف فيها صور الآلهة وكبير الآلهة كثيرا. سوف نقتصر هنا على الأفلام التجارية التي صنعت بهدف المشاهدة على نطاق واسع، والمبنية بالأساس على صورة الله وفقا للأديان الإبراهيمية الثلاثة، اليهودية والمسيحية والإسلام.
هذه الأفلام طالما قدمت صورة الله عادة في هيئة رمزية من خلال الصوت فقط أو كنور أو نار أو رعد وبرق قادم من خلف السحب، ونجد هذا الأسلوب في معظم الأفلام الدينية المأخوذة عن الكتاب المقدس.
ولعل أول فيلم يصور الله في هيئة بشرية عادية هو الفيلم البريطاني الكوميدي "يا الله!" إخراج كارل رينر، 1977)، حيث أدى الدور الممثل الكوميدي جورج بيرنز في هيئة رجل مسن ظريف يبحث عن ابن ليوصل رسالته إلى الناس!
وعلى الرغم من أن معظم الأفلام التي حاولت تصوير الله، أو مبعوث منه، في هيئة بشرية قدمته كرجل كبير أبيض أشيب غزير الشعر، يشبه الصورة التي تخيلها الرسام الإيطالي مايكل أنجلو في لوحته الشهيرة "قصة الخلق"، وبالتحديد الجزء الخاص بخلق آدم، المرسومة على سقف كنيسة "ألسستين" في بداية القرن السادس عشر.. إلا أن البحث قادنا إلى فيلم أمريكي طريف قديم بعنوان "القسس الخضر" يعود إلى عام 1936 من إخراج ويليام كيهلي. الغريب في هذا الفيلم أن أبطاله جميعا من السود (الأمريكيين الأفارقة) في وقت لم يكن للسود فيه مثل هذه المساحة في أي فيلم من الأفلام، والأغرب أن من بين شخصيات الفيلم رجل أسود في هيئة الله، في وقت لم يكن لمثل هذا التجاوز أن يحدث في السينما السائدة.
وتفسير ذلك كله يظهر في العناوين الافتتاحية للفيلم التي تنص على أن الشعوب المختلفة تتصور الله والرسل في هيئات تشبهها، وأن "الزنوج في الجنوب البعيد" يتخيلون الله والسماء على شاكلة حياتهم اليومية"، وهكذا يتخلص صناع الفيلم من المأزق الرقابي بمقدمة عنصرية بغيضة ظاهريا، ولكن المؤكد أن جمهور البيض حين يتأمل في الكلام ببعض العمق سيدرك أنه لا يختلف كثيرا عن الزنوج في مجاهل إفريقيا.
في الغالب لم تدرك، أو تعترف، هوليوود بهذه الحقيقة إلا مع بداية الألفية الجديدة تقريبا، التي شهدت حضورا كثيفا لصور الله على الشاشة في العديد من الشخصيات المثيرة للجدل: في صورة مدير تنفيذي لأحد برامج الواقع التليفزيونية في فيلم "برنامج ترومان" (1998)، حيث أدى الدور الممثل إيد هاريس، أو في صورة امرأة أدتها المغنية ألانيس موريسيت في فيلم "دوجما" (1999)، أو في صورة رجل أسود لعب دوره مورجان فريمان في فيلم "بروس القوي"، كما ظهر في بعض أفلام الخيال العلمي على هيئة مصمم برامج كمبيوتر، أو العقل الرئيسي للبرنامج، مثلما نجد في ثلاثية أفلام "الماتريكس"، أو أخيرا كأب لمجموعة من أنصاف البشر أنصاف الآلهة في المسلسل التليفزيوني "خرافات" الذي يبدأ عادة بعبارة تقول "هناك فرق بين القصص التي نؤمن بها وبين القصص التي نرويها"، في محاولة لتأكيد القاعدة الأساسية التي ينساها الجميع: السينما والحكايات هي مجرد ألعاب خيال تعزز علاقتنا بالواقع، ولكنها ليست الواقع نفسه!