بيقين، فإن رئيس وزراء بريطانيا المحافظ دافيد كاميرون –اليوم– فى مأزق (هوية) كبير، هو –في ما يبدو– دافعه نحو الصدام مع جماعة الإخوان الإرهابية، التى ما زلت أصر أن الكلام عن البحث فى جذورها الفكرية، ومراقبة سلوكاتها الحركية هو محض استعباط سياسى بريطانى، لأن الأجهزة الأمنية البريطانية تعرف عن تلك الجماعة ما هو أكبر –بكثير– مما نعرفه نحن، لأن الإخوان (في الحساب الختامى أو التحليل النهائى) هم صنيعة بريطانيا منذ عام 1928 وحتى الآن.
ولكن صدام لندن مع الجماعة الإرهابية لا يأتي –فقط– تحسبا لتهديدات المتطرفين الإسلاميين لأمن بريطانيا، ولكن بسبب مباشر لأزمة (الهوية) التى يعانيها حزب المحافظين البريطانى نتيجة للصعود اللافت لحزب الاستقلال الملكى البريطانى، والذى حصل على المركز الرابع فى آخر انتخابات محلية، ويتبنى رئيسه نايجل فاراج (51 عاما) فكرة الانسحاب من الاتحاد الأوروبى، بالضبط مثل حزب (الاستفتاء) الذى ظهر فى التسعينيات بزعامة مايكل جيمس جولدسميث (رحل عام 1997 عن 81 عاما).. ولكن منطق (نقاء العنصر) يحكم فلسفة حزب الاستقلال الملكى بأكثر من حزب الاستفتاء، وبخاصة إذا وضعنا فى الاعتبار تزمت نايجل فاراج الشديد إزاء المهاجرين، وإصراره على سحب الجنسية من البريطانيين الذين يثبت تورطهم فى الإرهاب.
وهنا نجح ذلك الحزب فى تبنى خيار شعبوى ومحافظ يعادى (الإسلاميين المتطرفين) الموجودين فى البلاد، ومن ثم أحرج الأحزاب التقليدية: (المحافظون – العمال – الليبراليون الديمقراطيون) الذين يتبنون سياسات طرية مراوغة تدعى عدم المعرفة بتاريخ الإخوان وعلاقتهم بالإرهاب.
وهكذا بدأ كاميرون زعيم حزب المحافظين يتحدث عن مواجهته للإخوان، وتحت ضغط حزب الاستقلال الملكى ومعاداته للمهاجرين، وبالذات ذوى العلاقة بالإرهاب.. يعنى حزب الاستقلال نجح فى تحريك زعيم حزب المحافظين من (يمين الوسط) إلى (اليمين)، وبحيث بدأ رئيس الوزراء كاميرون (48 عاما) يتبنى مقولات نصف عنصرية يقول فيها إن بريطانيا (دولة مسيحية)، وبالذات فى خطاباته خلال أعياد الفصح، الأمر الذى دفع العشرات من المثقفين والمسرحيين والأدباء والأكاديميين وحائزى نوبل (55) إلى كتابة وتوقيع بيان يدين ذلك النوع من الخطاب الذى –فى رأى الموقعين– يعزز الانقسام الطائفى فى البلاد، حتى لو كانت الرؤية الدستورية الضيقة فى بريطانيا ترى أن لديها كنيسة راسخة فإن ذلك لا يعنى أن بريطانيا دولة مسيحية (وطبعا تعرفون أن ملكة إنجلترا هى رئيسة الكنيسة الإنجيلية، ومن ثم فإن الوزن الذى تحتله الكنيسة فى البلاد ليس بسيطا، ولكنه لا يصل أبدا إلى الإقرار بأن بريطانيا دولة مسيحية).
بريطانيا دولة تنوع ثقافات، ويحتل اللادينيون فيها أرجحية كبيرة، لا بل وصلوا إلى حال مغالاة كبير، ربما تمثله أحزاب اخترعت لنفسها عقائد وديانات أرضية عجيبة، وأحدها هو حزب (الخبل) Loony – Party الذى تزعمه قطب الإعلانات الأشهر لورد ساتشى آند ساتشى، ويقوم أفراده بطقوس غريبة، ويؤدون صلوات للشمس عند الفجر، ويرتدون ملابس شاذة مدهشة.
ولقد ضربت مثل حزب (الخبل) –رغم ما فيه من غرابة– حتى أؤكد المدى الذى وصل إليه الاعتراف بالتنوع الثقافى فى بريطانيا، والذى يجعل تكرار دافيد كاميرون لفكرة (الدولة المسيحية) يبدو مستغربا لا بل ومستهجنا فى ساحة الثقافة البريطانية.
موقف دافيد كاميرون وكلامه عن الدولة المسيحية، يشبه موقف فاليرى جيسكار ديستان، الرئيس الفرنسى الأسبق حين قال عن الاتحاد الأوروبى أنه (نادى مسيحى) ومن ثم لا يحق لتركيا دخوله.. كل من فاراج وديستان كان يريد المسيحية، ولكن نايجل فاراج كان يريد النأى ببريطانيا عن الاتحاد لتأكيد مسيحية (بريطانيا)، ولكن ديستان يبغى الاندماج فى الاتحاد الأوروبى لتأكيد مسيحية تلك المنظمة القارية.
والواقع أن ديستان كان ينطلق فى مقولته من تأثير ظهور بعض قوى اليمين المتطرف فى فرنسا –بالذات– مثل جان مارى لوبان (83 عاما) مؤسس حزب الجبهة الوطنية الذى ترأسه – منذ 2011 - ابنته ماريان لوبان، ويرفع شعار: (فرنسا للفرنسيين)، وينتهج فكرا متشددا، ويبغى التخلص من المهاجرين.
يعنى حالة (ديستان/ لوبان) تشبه حالة (كاميرون/ فاراج) وهى التى يندفع بسببها يمين الوسط يمينا ويتبنى خيارات ضد التنوع العرقى والثقافى والطائفى.
وبذلك المعنى يأتى اندفاع كاميرون للحديث عن بريطانيا (دولة مسيحية) وكذلك الحديث عن مواجهته للإخوان وإعلان ارتباطها بمؤسسة التطرف، وليس لأن ضغوطنا –فى مصر– أثمرت مثل ذلك الموقف!!
ولكن القوى غير الدينية التى تعتبر نفسها أغلبية فى المجتمع البريطانى أكدت فى بيانها سالف الذكر، والذى جاء فيه أنه من الخطأ محاولة استثناء مساهمة بقية أفراد الشعب البريطانى الذى يحمل معتقدات مختلفة عن المسيحية، وبخاصة أن استطلاعات الرأى أثبتت أن غالبية البريطانيين لا يريدوا للدين أو الهوية الدينية أن تكون لها أولوية عند حكومتهم المنتخبة.
منافسة حزب الاستقلال الملكى لتحالف المحافظين والليبراليين الديمقراطيين الحاكم فى بريطانيا هى السبب فى إعلانات الحكومة البريطانية ضد الإخوان (حلفائهم التاريخيين) وليس اكتشافهم المفاجئ أن شبهات الإرهاب تحوم حولهم بسبب حادث تفجير باص لسائحين كوريين فى طابا، أو لضغوطنا السياسية والدبلوماسية التى أعادت لندن لصوابها، أو لتحكيم ضميرها!!
ولكن صدام لندن مع الجماعة الإرهابية لا يأتي –فقط– تحسبا لتهديدات المتطرفين الإسلاميين لأمن بريطانيا، ولكن بسبب مباشر لأزمة (الهوية) التى يعانيها حزب المحافظين البريطانى نتيجة للصعود اللافت لحزب الاستقلال الملكى البريطانى، والذى حصل على المركز الرابع فى آخر انتخابات محلية، ويتبنى رئيسه نايجل فاراج (51 عاما) فكرة الانسحاب من الاتحاد الأوروبى، بالضبط مثل حزب (الاستفتاء) الذى ظهر فى التسعينيات بزعامة مايكل جيمس جولدسميث (رحل عام 1997 عن 81 عاما).. ولكن منطق (نقاء العنصر) يحكم فلسفة حزب الاستقلال الملكى بأكثر من حزب الاستفتاء، وبخاصة إذا وضعنا فى الاعتبار تزمت نايجل فاراج الشديد إزاء المهاجرين، وإصراره على سحب الجنسية من البريطانيين الذين يثبت تورطهم فى الإرهاب.
وهنا نجح ذلك الحزب فى تبنى خيار شعبوى ومحافظ يعادى (الإسلاميين المتطرفين) الموجودين فى البلاد، ومن ثم أحرج الأحزاب التقليدية: (المحافظون – العمال – الليبراليون الديمقراطيون) الذين يتبنون سياسات طرية مراوغة تدعى عدم المعرفة بتاريخ الإخوان وعلاقتهم بالإرهاب.
وهكذا بدأ كاميرون زعيم حزب المحافظين يتحدث عن مواجهته للإخوان، وتحت ضغط حزب الاستقلال الملكى ومعاداته للمهاجرين، وبالذات ذوى العلاقة بالإرهاب.. يعنى حزب الاستقلال نجح فى تحريك زعيم حزب المحافظين من (يمين الوسط) إلى (اليمين)، وبحيث بدأ رئيس الوزراء كاميرون (48 عاما) يتبنى مقولات نصف عنصرية يقول فيها إن بريطانيا (دولة مسيحية)، وبالذات فى خطاباته خلال أعياد الفصح، الأمر الذى دفع العشرات من المثقفين والمسرحيين والأدباء والأكاديميين وحائزى نوبل (55) إلى كتابة وتوقيع بيان يدين ذلك النوع من الخطاب الذى –فى رأى الموقعين– يعزز الانقسام الطائفى فى البلاد، حتى لو كانت الرؤية الدستورية الضيقة فى بريطانيا ترى أن لديها كنيسة راسخة فإن ذلك لا يعنى أن بريطانيا دولة مسيحية (وطبعا تعرفون أن ملكة إنجلترا هى رئيسة الكنيسة الإنجيلية، ومن ثم فإن الوزن الذى تحتله الكنيسة فى البلاد ليس بسيطا، ولكنه لا يصل أبدا إلى الإقرار بأن بريطانيا دولة مسيحية).
بريطانيا دولة تنوع ثقافات، ويحتل اللادينيون فيها أرجحية كبيرة، لا بل وصلوا إلى حال مغالاة كبير، ربما تمثله أحزاب اخترعت لنفسها عقائد وديانات أرضية عجيبة، وأحدها هو حزب (الخبل) Loony – Party الذى تزعمه قطب الإعلانات الأشهر لورد ساتشى آند ساتشى، ويقوم أفراده بطقوس غريبة، ويؤدون صلوات للشمس عند الفجر، ويرتدون ملابس شاذة مدهشة.
ولقد ضربت مثل حزب (الخبل) –رغم ما فيه من غرابة– حتى أؤكد المدى الذى وصل إليه الاعتراف بالتنوع الثقافى فى بريطانيا، والذى يجعل تكرار دافيد كاميرون لفكرة (الدولة المسيحية) يبدو مستغربا لا بل ومستهجنا فى ساحة الثقافة البريطانية.
موقف دافيد كاميرون وكلامه عن الدولة المسيحية، يشبه موقف فاليرى جيسكار ديستان، الرئيس الفرنسى الأسبق حين قال عن الاتحاد الأوروبى أنه (نادى مسيحى) ومن ثم لا يحق لتركيا دخوله.. كل من فاراج وديستان كان يريد المسيحية، ولكن نايجل فاراج كان يريد النأى ببريطانيا عن الاتحاد لتأكيد مسيحية (بريطانيا)، ولكن ديستان يبغى الاندماج فى الاتحاد الأوروبى لتأكيد مسيحية تلك المنظمة القارية.
والواقع أن ديستان كان ينطلق فى مقولته من تأثير ظهور بعض قوى اليمين المتطرف فى فرنسا –بالذات– مثل جان مارى لوبان (83 عاما) مؤسس حزب الجبهة الوطنية الذى ترأسه – منذ 2011 - ابنته ماريان لوبان، ويرفع شعار: (فرنسا للفرنسيين)، وينتهج فكرا متشددا، ويبغى التخلص من المهاجرين.
يعنى حالة (ديستان/ لوبان) تشبه حالة (كاميرون/ فاراج) وهى التى يندفع بسببها يمين الوسط يمينا ويتبنى خيارات ضد التنوع العرقى والثقافى والطائفى.
وبذلك المعنى يأتى اندفاع كاميرون للحديث عن بريطانيا (دولة مسيحية) وكذلك الحديث عن مواجهته للإخوان وإعلان ارتباطها بمؤسسة التطرف، وليس لأن ضغوطنا –فى مصر– أثمرت مثل ذلك الموقف!!
ولكن القوى غير الدينية التى تعتبر نفسها أغلبية فى المجتمع البريطانى أكدت فى بيانها سالف الذكر، والذى جاء فيه أنه من الخطأ محاولة استثناء مساهمة بقية أفراد الشعب البريطانى الذى يحمل معتقدات مختلفة عن المسيحية، وبخاصة أن استطلاعات الرأى أثبتت أن غالبية البريطانيين لا يريدوا للدين أو الهوية الدينية أن تكون لها أولوية عند حكومتهم المنتخبة.
منافسة حزب الاستقلال الملكى لتحالف المحافظين والليبراليين الديمقراطيين الحاكم فى بريطانيا هى السبب فى إعلانات الحكومة البريطانية ضد الإخوان (حلفائهم التاريخيين) وليس اكتشافهم المفاجئ أن شبهات الإرهاب تحوم حولهم بسبب حادث تفجير باص لسائحين كوريين فى طابا، أو لضغوطنا السياسية والدبلوماسية التى أعادت لندن لصوابها، أو لتحكيم ضميرها!!