إن مرجل التغيير الذي يشتد في بلادنا لا تشعل نيرانه قوى عربية داخلية فقط بل تشارك في إضافة الوقود وإلقاء الزيت قوى إقليمية ودولية عديدة تقدم نفسها باعتبارها المخرج من الأزمة رغم أنها جوهرها.
ولعل المصطلح المفتاح لفهم طبيعة ذلك التغيير الذي يشتد مرجله في منطقتنا هو مصطلح "الشرق الأوسط" وتشير الدراسات السياسية والتاريخية إلى أن الشرق الأوسط تم استخدامه لأول مرة عام 1902 من قبل المؤرخ الأمريكي الفريد ماهان في مقاله له نشرت في المجلة اللندنية الفصلية National Review بعنوان: الخليج" الفارسي" والعلاقات الدولية عند مناقشته للاستراتيجية البحرية البريطانية في مواجهة التحرك الروسي في إيران، ومخطط ألمانيا في إنشاء خط للسكك الحديدية – وقتذاك – يربط بين برلين وبين بغداد العثمانية من ناحية أخرى، وذلك بهدف تحديد المنطقة الواقعة بين شبه الجزيرة العربية والهند، ثم استخدم هذا المصطلح من قبل تشرشل وزير المستعمرات البريطاني عندما أنشأ إدارة الشرق الأوسط عام 1921 لتشرف على شؤون فلسطين والأردن والعراق، وزاد استعماله بعد الحرب العالمية الثانية نتيجة إنشاء مركز قيادة وتموين الشرق الأوسط للحلفاء.
ويبدو أن مصطلح الشرق الأوسط كان حاضرًا في ذهن البريطاني "مارك سايكس" والفرنسي 'فرانسو بيكو' أثناء رسمهما لحدود الدول العربية وتقسيم الكعكة العربية بين بلديهما بريطانيا وفرنسا، فعندما أوشكت الحرب العالمية الأولى على نهايتها وبدا النصر أقرب للفرنسيين والإنجليز شرعوا على الفور في الاتفاق على تقسيم واقتسام تلك المنطقة الواقعة شرق قناة السويس، والتي كانت تشكل جزءا من الدولة العثمانية وقبلها العباسية وقبلها الأموية، وفي 19 مايو 1916 تم توقيع اتفاقية سايكس بيكو
ومضت سنوات طوال على اتفاقية سايكس بيكو، وجرت في النهر مياه كثيرة، وتعدلت خريطة العلاقات الدولية، وأصبحت الولايات المتحدة الأمريكية قائدة العالم الغربي، وفي سبعينات القرن الماضي أصدر (زيبغينينو بريجنسكي) مستشار الرئيس الأمريكي (جيمي كارتر) للأمن القومي، كتابًا بعنوان "بين جيلين" دعا فيه صراحة إلى إعادة تشكيل خريطة العالم العربي، وقال بوضوح إن الشرق الأوسط يتكون من جماعات عرقية ودينية متباينة يجمعها إطار إقليمي، وفي ضوء ذلك دعا بريجنسكي إلى صناعة شرق أوسط مكون من جماعات عرقية ودينية منسجمة.
في أواخر السبعينيات نشرت جريدة النهار البيروتية مقالة بقلم السيدة علياء الصلح، كريمة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رياض الصلح وعقيلة الصحافي المعروف ناصر الدين النشاشيبي السابقة، وذلك بمناسبة تعيين هولمز سفيرا للولايات المتحدة الأمريكية في المملكة العربية السعودية، أشارت فيها إلى مخطط أمريكي يرسم حدودا جديدة لدول المنطقة.
ولو عدنا إلى قبل ذلك في أوائل الستينيات لرأينا الدكتور أنيس صائغ، يتحدث في كتابه "الهاشميون" عن حرص كل من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية على تعزيز صلة كل منهما بهذه الأقلية أو تلك من مجموعة الأقليات الدينية والمذهبية والعنصرية والقومية منذ أوائل القرن العشرين بل منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر لبعض الدول.
ونشر الضابط الأمريكي السابق رالف بيترز في مجلة القوات المسلحة الأمريكية عدد يوليو 2006 مقالة بعنوان "حدود الدم" وهي جزء من كتابه الجديد لا تترك القتال أبدا. يعتبر رالف بيترز الصراعات الشرق أوسطية والتوتر الدائم في المنطقة نتيجة "منطقية" لخلل كبير في الحدود الاعتباطية الحالية التي وضعها حسب تعبيره "الأوروبيون الانتهازيون".
وينطلق أيضا من فرضية مفادها "أن الحدود الدولية لا يمكن أن تكون عادلة بشكل كامل"، ولكن حجم الظلم الناتج عم ذلك يحدد الفرق بين ما يسميه "الحرية والقمع، التسامح والوحشية، الشرعية والإرهاب أو الحرب والسلم". ويزعم أن "الحدود غير المنصفة في الشرق الأوسط تولد اضطرابا أكبر مما تستطيع المنطقة تحمله". صحيح أن الشرق الأوسط يعاني من مشكلات متعددة مثل الركود الثقافي والظلم الاجتماعي والتطرف الديني ولكن مفتاح فهم الفشل الكبير في المنطقة، كما يقول، ليس الإسلام بل الحدود القائمة بين دول المنطقة والتي ما يزال الحديث عنها محظورا.
ورغم اعتراف رالف بيترز أن المجموعات الاثنية والدينية في الشرق الأوسط مارست الاختلاط والتعايش والتزاوج، ولكن لا بد من إعادة رسم الحدود لإنصاف الاثنيات الموجودة، ويذكر قائمة طويلة بهذه المجموعات من منظور اثني وتصنيف ديني أو طائفي. ويقر أن الموضوع الذي يتصدى له يتكون من "تشوهات هائلة من صنع بشري – تشوهات لن تتوقف عن توليد الكراهية والعنف إلا إذا تم تصويبها" ويذكِّر بيترز أولئك الذين لا يريدون إعادة ترتيب الحدود باعتباره نوعا من "التفكير بالمستحيل" يذكرهم "بالتطهير العرقي" السائد منذ خمسة آلاف عام من أجل العودة إلى ما يسميه "حدود الدم". ويرى بيترز أن الحروب المستمرة بين العرب وإسرائيل ليست صراعا على الوجود بل هي خلاف على الحدود وأن المنطقة ستظل تعاني من الاضطراب مادامت الحدود مضطربة وغير نهائية.
لذلك ومن أجل شرق أوسط أمريكي جديد يتقدم بيترز بخارطة أمريكية جديدة تلغي الحدود القائمة ويقسم الدول الحالية فتتحول الدولة الواحدة إلى دويلات وتنشا دول جديدة وتكبر دول صغيرة وتصغر دول كبيرة. الخاسر الأكبر في الخارطة الجديدة هي السعودية، أما العراق فيتحول إلى ثلاث دويلات، وهناك وضع جديد لسوريا وغيرها كما سيظهر لاحقا.
ترى كيف تصدينا ونتصدى لذلك المخطط المعلن المنشور منذ سنوات.
ولعل المصطلح المفتاح لفهم طبيعة ذلك التغيير الذي يشتد مرجله في منطقتنا هو مصطلح "الشرق الأوسط" وتشير الدراسات السياسية والتاريخية إلى أن الشرق الأوسط تم استخدامه لأول مرة عام 1902 من قبل المؤرخ الأمريكي الفريد ماهان في مقاله له نشرت في المجلة اللندنية الفصلية National Review بعنوان: الخليج" الفارسي" والعلاقات الدولية عند مناقشته للاستراتيجية البحرية البريطانية في مواجهة التحرك الروسي في إيران، ومخطط ألمانيا في إنشاء خط للسكك الحديدية – وقتذاك – يربط بين برلين وبين بغداد العثمانية من ناحية أخرى، وذلك بهدف تحديد المنطقة الواقعة بين شبه الجزيرة العربية والهند، ثم استخدم هذا المصطلح من قبل تشرشل وزير المستعمرات البريطاني عندما أنشأ إدارة الشرق الأوسط عام 1921 لتشرف على شؤون فلسطين والأردن والعراق، وزاد استعماله بعد الحرب العالمية الثانية نتيجة إنشاء مركز قيادة وتموين الشرق الأوسط للحلفاء.
ويبدو أن مصطلح الشرق الأوسط كان حاضرًا في ذهن البريطاني "مارك سايكس" والفرنسي 'فرانسو بيكو' أثناء رسمهما لحدود الدول العربية وتقسيم الكعكة العربية بين بلديهما بريطانيا وفرنسا، فعندما أوشكت الحرب العالمية الأولى على نهايتها وبدا النصر أقرب للفرنسيين والإنجليز شرعوا على الفور في الاتفاق على تقسيم واقتسام تلك المنطقة الواقعة شرق قناة السويس، والتي كانت تشكل جزءا من الدولة العثمانية وقبلها العباسية وقبلها الأموية، وفي 19 مايو 1916 تم توقيع اتفاقية سايكس بيكو
ومضت سنوات طوال على اتفاقية سايكس بيكو، وجرت في النهر مياه كثيرة، وتعدلت خريطة العلاقات الدولية، وأصبحت الولايات المتحدة الأمريكية قائدة العالم الغربي، وفي سبعينات القرن الماضي أصدر (زيبغينينو بريجنسكي) مستشار الرئيس الأمريكي (جيمي كارتر) للأمن القومي، كتابًا بعنوان "بين جيلين" دعا فيه صراحة إلى إعادة تشكيل خريطة العالم العربي، وقال بوضوح إن الشرق الأوسط يتكون من جماعات عرقية ودينية متباينة يجمعها إطار إقليمي، وفي ضوء ذلك دعا بريجنسكي إلى صناعة شرق أوسط مكون من جماعات عرقية ودينية منسجمة.
في أواخر السبعينيات نشرت جريدة النهار البيروتية مقالة بقلم السيدة علياء الصلح، كريمة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رياض الصلح وعقيلة الصحافي المعروف ناصر الدين النشاشيبي السابقة، وذلك بمناسبة تعيين هولمز سفيرا للولايات المتحدة الأمريكية في المملكة العربية السعودية، أشارت فيها إلى مخطط أمريكي يرسم حدودا جديدة لدول المنطقة.
ولو عدنا إلى قبل ذلك في أوائل الستينيات لرأينا الدكتور أنيس صائغ، يتحدث في كتابه "الهاشميون" عن حرص كل من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية على تعزيز صلة كل منهما بهذه الأقلية أو تلك من مجموعة الأقليات الدينية والمذهبية والعنصرية والقومية منذ أوائل القرن العشرين بل منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر لبعض الدول.
ونشر الضابط الأمريكي السابق رالف بيترز في مجلة القوات المسلحة الأمريكية عدد يوليو 2006 مقالة بعنوان "حدود الدم" وهي جزء من كتابه الجديد لا تترك القتال أبدا. يعتبر رالف بيترز الصراعات الشرق أوسطية والتوتر الدائم في المنطقة نتيجة "منطقية" لخلل كبير في الحدود الاعتباطية الحالية التي وضعها حسب تعبيره "الأوروبيون الانتهازيون".
وينطلق أيضا من فرضية مفادها "أن الحدود الدولية لا يمكن أن تكون عادلة بشكل كامل"، ولكن حجم الظلم الناتج عم ذلك يحدد الفرق بين ما يسميه "الحرية والقمع، التسامح والوحشية، الشرعية والإرهاب أو الحرب والسلم". ويزعم أن "الحدود غير المنصفة في الشرق الأوسط تولد اضطرابا أكبر مما تستطيع المنطقة تحمله". صحيح أن الشرق الأوسط يعاني من مشكلات متعددة مثل الركود الثقافي والظلم الاجتماعي والتطرف الديني ولكن مفتاح فهم الفشل الكبير في المنطقة، كما يقول، ليس الإسلام بل الحدود القائمة بين دول المنطقة والتي ما يزال الحديث عنها محظورا.
ورغم اعتراف رالف بيترز أن المجموعات الاثنية والدينية في الشرق الأوسط مارست الاختلاط والتعايش والتزاوج، ولكن لا بد من إعادة رسم الحدود لإنصاف الاثنيات الموجودة، ويذكر قائمة طويلة بهذه المجموعات من منظور اثني وتصنيف ديني أو طائفي. ويقر أن الموضوع الذي يتصدى له يتكون من "تشوهات هائلة من صنع بشري – تشوهات لن تتوقف عن توليد الكراهية والعنف إلا إذا تم تصويبها" ويذكِّر بيترز أولئك الذين لا يريدون إعادة ترتيب الحدود باعتباره نوعا من "التفكير بالمستحيل" يذكرهم "بالتطهير العرقي" السائد منذ خمسة آلاف عام من أجل العودة إلى ما يسميه "حدود الدم". ويرى بيترز أن الحروب المستمرة بين العرب وإسرائيل ليست صراعا على الوجود بل هي خلاف على الحدود وأن المنطقة ستظل تعاني من الاضطراب مادامت الحدود مضطربة وغير نهائية.
لذلك ومن أجل شرق أوسط أمريكي جديد يتقدم بيترز بخارطة أمريكية جديدة تلغي الحدود القائمة ويقسم الدول الحالية فتتحول الدولة الواحدة إلى دويلات وتنشا دول جديدة وتكبر دول صغيرة وتصغر دول كبيرة. الخاسر الأكبر في الخارطة الجديدة هي السعودية، أما العراق فيتحول إلى ثلاث دويلات، وهناك وضع جديد لسوريا وغيرها كما سيظهر لاحقا.
ترى كيف تصدينا ونتصدى لذلك المخطط المعلن المنشور منذ سنوات.