كمال زاخر
لو أن غريبًا حل ضيفًا علينا يستطلع واقعنا وراح يحلل التوجهات فى معركة الرئاسة التى تقف على الأبواب، بعقل بارد بعيدًا عن انفعالات "من يدهم بالنار" وتخوفات الشارع المتباينة والمنقسمة "جيليًا" بين شباب يرى أن نسف الماضى بجملته هو المدخل الصحيح لبناء جديد، وفى ذاكرته خبرات مؤلمة مازالت تنبض بالحياة، فى مواجهاته مع رموز الفساد أو عناوين المجلس العسكرى السابق أو مع النظام الفاشى الذى اختطف ثورته، وفى كل هذا كان دم الشباب هو المُرَاق على مذبح السلطة.
بينما يقف فريق جيل آخر مع الخروج من الثورة الى الدولة، وفى تصوره أن الثورة لحظة والدولة حياة، وأن كلفة تمديد الثورة خارج قدرات وطن تم تجريف أساساته اقتصاديًا وفكريًا وقيميًا، وذهب قطاع ثالث ـ أربكته اختلالات المرحلة ـ الى مناصبة ثورة يناير العداء ويرونها منتج مؤامرة متعددة الأطراف تحالفت فيها قوى دولية وإقليمية ومحلية، لتفكيك مصر باعتبارها رمانة ميزان المنطقة.
وربما يصدم الغريب الضيف أن كل فريق يقدم رؤيته ويزعم أنه يقبل فى النهاية بما يفرزه صندوق الاقتراع ـ المُفْتَرَى عليه ـ وعندما يتعرض طرحه لنقد أو قراءة تحليلية يقذف بالديمقراطية بعيدًا ويعتبر المخالفين له من الساعين لإعادة إنتاج الاستبداد والقهر، وفى ظنى أن هذا طبيعى ومنطقى فالديمقراطية ليست قرارًا بل منظومة حياتية لم يتح لنا على اختلاف أجيالنا أن نختبرها أو نتدرج فيها لتصبح نسق حياة.
فى تجوالى بين صفحات "فيس بوك" استوقفنى طرح شبابى يرهن صوته بتحدى المجتمع الذكورى، ولذا فسيدخره لمرشحة "امرأة" وإن لم يتح لها توفير القدر المقرر لداعمى ترشحها فسيذهب به الى مرشح آخر يقرر الشاب ابتداء أن فرصه فى الفوز ضعيفة، فكتبت تعليقًا مطولاً قلت فيه:
يبدو الأمر وكأننا فى رحلة مدرسية لنفر خرجوا لتوهم من مرحلة الصبا ويطرقون باب الشباب.. حيث تغلب الانطباعية ونزق المراهقة، بينما الوطن مثخن بجراحه، ومازال، نفاضل فى الخيارات المتاحة.. لا على أساس الأفضل والأنسب لضغوطات المرحلة وتحدياتها، ونضع أمامنا الرؤى والإمكانات، والقدرة على ترجمتها على الأرض، ومن خلال هذا يأتى الاختيار.. بل تأسيسًا على موقف انطباعى بتحدى لا موروث أو سياق سائد أو معارك متوهمة..
:::::::::::::::::::::
تذكرت حسين السيد وعبدالحليم وعبدالوهاب حين قدموا لنا أغنية يا حبايب بالسلامة فى ستينيات القرن المنصرم.. وكنا وقتها فى ذات المرحلة السنية وانتشينا ونحن نتمايل مع الصورة الذهنية التى رسمتها كلمات الأغنية عن ما حققناه فى اليمن
يا حبايب بالسلامة
رحتم ورجعتم لنا بألف ســـــــلامة
رحلة نصر جميلة مشوار كله بطولة
خطوة عزم نبيلة لسنين جاية طويلة
:::::::::::::::::::::
بينما كانت دماء شبابنا تنسكب أنهارًا على جبال اليمن والخسائر تترى.. فى مناخ وتضاريس جبلية وعرة لم نتدرب عليها، فى مواجهة علاقات قبلية متشابكة وتحالفات عتية تتصيدهم.. ضربة خنجر بروح جندى وحياة ضابط.
بينما يصدح حليم
يا فرحة أحبابكم وأهاليكم وشــــــعوبكم
ويا نكبة حســــــــادكم والخونة أعدائكم
لطموا خدود الحسرة وشبعوا ميت ندامة
:::::::::::::::::::::
كانت الثياب السوداء تفرض نفسها على الأمهات الثكلى والأطفال وربما الرضع اليتامى والمطارات والموانئ تستقبل جثامين الشهداء فى حرب أشعلتها صراعات الزعامة وحلم الإمبراطورية بلا مردود إيجابى على الوطن وخارج حدوده.. وكانت تدفن فى جنح الظلام
وكان حسين السيد يكتب هائمًا
بالأحضان يا حبايبنا يا حياتنا يا شبابنا
اليوم دا يوم عيدنا والورد مواعدنا
يملا عيون الدنيا فرحة وابتســــــامة
كل العرب إخواتكم عايشين في انتصاراتكم
عرفوا تضحياتكم وشــــــــــهامة عروبتكم
عشت يا جيشنا العربي وتحيا الشهامة
::::::::::::::::::::
على بُعد أيام كانت نكسة يونيو 67 الكارثية
وكانت دونكيشوتية اليمن أحد أسبابها
:::::::::::::::::::::
الواقع أخطر من تصوراتنا
انتهى التعليق ولم ينته الاشتباك، فقد رأى صاحب الطرح اننى أوجه باتجاه مرشح بعينه وانتهى الى نتيجة قاطعة.. (يا سيدي اختياراتكم الناضجة الرشيدة ستعيد إنتاج القهر والاستبداد والفروق الاجتماعية الكارثية والتوترات السياسية تحت شعار رنان خاو من المضمون ومضلل للحقائق اسمه الاستقرار فهنيئًا لكم به).
:::::::::::::::::::::
وعلى الرغم من ذلك مازلنا بحاجة الى تجسير المسافات بين الأجيال فالمستقبل لهم.. وعلينا إضاءة المساحات المظلمة فى الوعى الشبابى.