تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
ونواصل رحلتنا مع الإمام محمد عبده مجددًا، ونستمع إليه متحدثا عن علاقة المواطن بالحاكم ثم علاقته برجل الدين، الحاكم يريد أن يفرض عليه سلطته وجبروته ورجل الدين يريد أن يفرض عليه رأيه وفقهه، ونقرأ: "لقد أخطأ المسلم في فهم معنى الطاعة لولي الأمر، والانقياد لأوامره، فألقى مقاليده إلى الحاكم ووكل إليه التصرف في شئونه، ثم أدبر عنه حتى ظن أن الحكومة يمكنها القيام بشئونه جميعاً من إرادة وسياسة، ومن هنا انصرف المسلم عن النظر فى الأمور العامة جملة، وضعف شعوره بحسنها وقبيحها اللهم إلا ما يمس شخصة منها "الإسلام دين العلم والمدينة ـ صـ80" أما الحكام فقد كانوا في رأي محمد عبده: "أقدر الناس على انتشال الأمة مما سقطت فيه فأصابهم الجهل، ولم يفهموا من معنى الحكم إلا تسخير الأبدان لأهوائهم وإذلال النفوس لخشونة سلطانهم، وإبتزاز الأموال لإنفاقها فى إرضاء شهواتهم، لا يعون في ذلك عدلاً ولا يستشيرون كتابا ولا يتبعون سنة، حتى أفسدوا أخلاق الكافة بما حملوها على النفاق والكذب، والاقتداء بهم في الظلم وما يتبع ذلك من الخصال التي ما فشت في أمة إلا حل بها العذاب وتلك علة من أشد العلل فتكا بالأرواح والعقول "المرجع السابق – صـ81" هذا عن سلطة الحاكم فماذا عن سلطة رجال الدين؟ الحقيقة أن عبده قد جردهم من أي سلطان على البشر أو عقولهم ونقرأ: "ليس المسلم مهما علا كعبه في الإسلام على آخر مهما انحطت منزلته فيه سوى حق النصيحة والإرشاد، فليس في الإسلام ما يسمى عند قوم بالسلطة الدينية، أو المؤسسة الدينية، بوجه من الوجوه، ولم يعرف المسلمون في عصر من العصور تلك السلطة الدينية" "الأعمال الكاملة – الجزء الأول – صـ105" ويمضي عبده قائلاً: "الإسلام لا يجعل للقاضي أو المفتي "نلاحظ أنه كتب ذلك وهو مفتي الديار المصرية" أو لشيخ الإسلام أدنى سلطة على العقائد وتقرير الأحكام، وكل سلطة تناولها واحد من هؤلاء هي سلطة قدرها الشرع الإسلامى، والشرع لا يسمح لواحد منهم أن يدعي حق السيطرة على إيمان أحد أو عبادته لربه أو ينازعه في طريقة نظره". "المرجع السابق – الجزء الثانى – صـ125".
وإذا كان محمد عبده قد رفض سلطة الحاكم على مصائر المسلمين، ورفض سلطة رجال الدين على عقول وإيمان المسلمين، فإنه يصبح أشد رفضاً لاقتران السلطتين معاً فيصيح: "من الضلال القول بتوحيد الإسلام بين السلطتين المدنية والدينية، فهذه الفكرة خطأ محض، وهي دخيلة على الإسلام، ومن الخطأ الزعم بأن السلطان أو الحاكم هو مقرر الدين وواضع أحكامه ومنفذها، وأن المسلم مستعبد لسلطانه "المرجع السابق" ويفسر الباحث دكتور محمد كامل ضاه،ر هذه العبارات قائلاً: "إن التأكيد على نفي دينية المؤسسات والتأكد على مدنيتها، يعني إضفاء الطابع المدني الذي لا يفرق بين المواطنين ويمكننا أن نقرر وباطمئنان أن محمد عبده قد أسهم إسهاما كبيرا في صياغة صورة الدولة المصرية الحديثة القائمة على حقوق المواطنة المتكافئة، وعلى تأكيد الوحدة الوطنية بين المصريين برغم اختلاف دياناتهم، صحيح أن هناك آخرين من المفكرين قد أسهموا في بناء هذه الفكرة، لكن فضل محمد عبده يأتي من أنه نادى بذلك وهو مفتٍ للديار المصرية، ففرض مهابة دينية على فكرة الوطنية المصرية، في مواجهة دعاة الخلافة وخاصة الشيخ جاويش وغيره" دكتور محمد كامل ضاهر– الصراع بين التياريين الديني والعلماني – صـ183" . وهكذا فإن الأستاذ الإمام محمد عبده قد أكد: "إن شكل الحكومة باق على الأصل من الإباحة والجواز -بمعنى حق المسلم في اختيار شكل الحكومة التي يراها ملائمة لعصره- ثم يمضى شارحاً: "وهو اختيار يجب أن يلائم مصالحنا، ويطابق منافعنا، ويثبت بيننا قواعد العدل وأركانه". "الأعمال الكاملة – الجزء الأول – صـ360" فقط نعود إلى مفردات محمد عبده، التي حدد بها شكل الحكومة التي يفضلها .. تلائم مصالحنا، وتطابق منافعنا، وتثبت بيننا قواعد العدل وأركانه" "الأعمال الكاملة – الجزء الأول – صـ360".
ونتواصل مع رحلة مجيدة للأستاذ الإمام.