تعيش الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أجواء روحانية مميزة في احد الشعانين، تُحيي خلالها ذكرى دخول المسيح إلى مدينة أورشليم، في موكب مهيب استقبل فيه كملك، لا بقوة السيف، بل باتضاع وسلام. وفي قلب هذا المشهد، تتكرر دائمًا عبارة: “وفرشوا ثيابهم في الطريق”.. لكن من هم هؤلاء؟ ولماذا فعلوا ذلك؟
شعب بسيط.. وقلب مُنتظر
بحسب ما ورد في الأناجيل الأربعة، كان الذين فرشوا ثيابهم على الطريق هم من عامة الشعب، من البسطاء الذين سمعوا عن معجزات يسوع، وآمنوا برسالته، وربما شهدوا مواقفه الإنسانية الشافية والمُحبة. لم تكن لديهم عباءات فاخرة أو رايات ملكية، بل قدّموا أغلى ما يملكون في لحظتهم: ملابسهم، تعبيرًا عن محبتهم واحترامهم له كملك روحي جاء ليُخلّص.
رمزية عميقة.. إعلان ولاء وقبول
في تقاليد الشرق القديم، كان فرش الثياب أمام الملوك فعلًا رمزيًا يُعبّر عن الطاعة والخضوع، وكأن من يفرش ثوبه يعلن: “أنا أضع نفسي تحت قدميك”. وبالتالي، فإن هذا التصرف لم يكن مجرد حفاوة، بل إعلان واضح من الشعب: “نقبل بك ملكًا علينا، رغم أنك لا تحمل سيفًا ولا تركب حصانًا، بل أتيت على جحش ابن أتان”.
سعف النخيل والثياب.. مشهد ملوكي بطابع سماوي
لم يكن المشهد عاديًا، بل حمل رموزًا كثيرة: سعف النخيل في أيدي الناس إشارة للانتصار والسلام، وهتافاتهم: “أوصنا لابن داود” تؤكد إيمانهم بأنه المسيح المنتظر. أما الثياب المفروشة فكانت بمثابة سجادة بشرية امتدت لتُمهّد طريق المخلّص إلى قلب أورشليم… وإلى قلوبهم.
اليوم، ونحن نعيد هذا المشهد في الكنائس بتيجان السعف والزينة والترانيم، يبقى السؤال الأهم: هل نفرش له قلوبنا كما فرشوا ثيابهم؟ هل نعطيه مكانًا في حياتنا كما أعطوه في مدينتهم؟ فالثياب تُطوى وتزول، لكن القلوب التي تفتح له تبقى مسكنًا أبديًا للسلام الحقيقي.