مع اقتراب الاحتفال بعد ساعات بأحد الشعانين تستعيد الكنائس المسيحية في لبنان نبضها الروحي وطقوسها العريقة، إذ تعمّ التحضيرات في الأبرشيات والرعايا، وتعلو الأناشيد في البيوت والكنائس استعدادًا للأسبوع العظيم الذي يسبق عيد القيامة المجيد.
في هذا الموسم، لا تقتصر الاستعدادات على الطقوس الدينية فحسب، بل تنعكس على الحياة الاجتماعية والثقافية، حيث تشهد المدارس المسيحية والجمعيات الكشفية حراكًا واسعًا، تحضيرًا للمواكب والاحتفالات التي ترافق “أحد الشعانين” يوم دخول المسيح إلى أورشليم، والذي يحمل رمزية النور والرجاء.
فرحة الأطفال.. زينة الشعانين
في أحياء بيروت، جبل لبنان، زغرتا، البترون، وصيدا، تبدأ زينة الشعانين بالظهور على أبواب البيوت والمحلات، بينما تنهمك العائلات في تحضير ملابس الأطفال البيضاء المزينة بالورود وأغصان الزيتون.
تقول السيدة ريتا، وهي أم لطفلين في الأشرفية: “أحد الشعانين له مكانة خاصة في قلوب أولادنا، نعدّ لهم الملابس البيضاء ونصنع لهم شموعًا مزيّنة يدويًا، إنها لحظات فرح ودفء عائلي ننتظرها كل عام”.
وفي الساحات الخارجية للكنائس، ينخرط الأطفال في التمارين الكشفية استعدادًا للمواكب التي تتخللها الترانيم والأناشيد، حاملين سعف النخيل والزيتون، في رمزية تجمع بين الفرح والروحانية.
أعمال ريادية وإبداع شبابي
بعيدًا عن الطقوس، برزت هذا العام مبادرات شبابية ريادية، حيث أطلقت مجموعات من الشبان والشابات في مختلف المناطق اللبنانية مشاريع فنية وحرفية لإنتاج زينة الشعانين، وشموع مزخرفة يدوياً، تذهب ريعها لدعم العائلات المحتاجة خلال فترة الصوم.
كما أقيمت ورش عمل للأطفال في عدد من الكنائس، لتعليمهم صناعة الزينة والتعرّف على رمزية الأسبوع العظيم، في محاولة لزرع المعاني الروحية في قلوب الجيل الجديد.
كنائس لبنان.. نبضٌ لا يخفت
رغم كل التحديات الاقتصادية التي يمر بها لبنان، تبقى الكنيسة حاضرة بقوة، تبثّ الأمل وتعيد ترتيب الإيقاع الروحي في حياة المؤمنين. وتُنظّم الرعايا برامج روحية مكثّفة تشمل قداديس، وصلوات درب الصليب، وأيام خلوة وتأمل.
فالشعانين ليس مجرد ذكرى، بل دعوة متجددة للدخول مع المسيح في درب الحب والخلاص. الكنيسة تنبض بحياة أولادها، وبمبادرات شبابها الذين يصنعون الفرق رغم الألم”.
في لبنان، حيث تختلط العراقة بالتجدد، يبقى الشعانين عيدًا يزرع الفرح، ويعيد التأكيد على أن الإيمان، متى اقترن بالفعل، يثمر رجاءً يتجاوز الأزمات.