5 بلدان دُمرت باسم الحق والمقاومة
كيف أخطأت حماس وشقيقاتها فى حق الشعب الفلسطينى وشعوب المنطقة؟
حقيقة خطايا الحوثى فى اليمن وحزب الله بلبنان والميليشيات الإيرانية بالعراق

عبر التاريخ، لم تكن المقاومة مجرّد ردة فعل، بل فعل مقصود له ضوابطه في الفقه الإسلامي، وآدابه في الفكر السياسي الراشد، ومقاصده في تحقيق الخير العام ودفع الظلم والعدوان. غير أن بعض الحركات التي رفعت شعار المقاومة، لم تلتزم بهذه الضوابط، وسرعان ما تحوّل المشروع من مقاومة الاحتلال إلى مقاومة الداخل، ومن مقارعة العدو إلى مقاتلة المخالف.
وهكذا غابت الحدود بين الحق والواجب، وبين التحرير والتدمير، وصار شعار المقاومة مظلة لتمرير مشروعات تخدم أعداء الأمة أكثر مما تضرّهم.
التوظيف السياسي
لكن هذه القاعدة الشرعية والإنسانية تعرضت لاختطاف منهجي، حين استُخدمت المقاومة شعارًا لا لتحرير الأرض، بل لتبرير مشروعات فوضوية، أو أجندات خارجية، أو تصفية حسابات سياسية، أسفرت عن دمار خمس دول عربية على الأقل، وخسائر بشرية ومجتمعية لا تحصى.
ومن أكبر تلك الخطايا ذلك الشعور الذي ينتاب الكثير ممن يظنون أن انتقاد المقاومة فعل إجرامي أو أنه يصب في صالح الاحتلال أو أن الناقد متواطئ خائن لقضية العرب الأولى وبالتالي يصبح عرضه مستباحًا حتى لو كان أقرب الناس إليهم طالما انتقد المقاومة أو أحد أفعالها مثلما حدث الفقيه والمفكر الفسطيني المقرب من حركة حماس الدكتور سلمان الداية الذي نشر مقالا انتقد فيه عملية طوفان الأقصى برمتها وقدم الأدلة الشرعية التي تؤيد موقفه.
تدمير دول باسم الحق
باسم الحق، وباسم العدل وباسم الحرية، وباسم المقاومة وباسم التحرر الوطني، وباسم الاسلام، دُمرت 5 دول عربية بالكامل وبعضها لم يعد صالحا للعيش الإنساني، ويحتاج عشرات السنوات كي يعود مرة أخرى إلى المربع صفر، ويتمنى أهلها الآن أن تعود عقارب الساعة للوراء ليعيشوا في ظل ما كانوا يرفضونه وثاروا عليه عندما استجابوا للخدعة والنداء باسم الثورة وباسم التحرر.
أولًا: فلسطين: قضية عادلة شوهتها الشعارات
حركة حماس، منذ تأسيسها، أعلنت أنها مقاومة فلسطينية، لكنها سرعان ما دخلت دوائر المحاور الإقليمية، فتحولت من فصيل وطني مقاوم إلى أداة في أيدي جهات خارجية. اختارت الاصطفاف مع إيران وحزب الله، وضاعفت العزلة المفروضة على قطاع غزة، مما أجهض مشروع الدولة، وأضعف وحدة الصف الفلسطيني.
وفي كل جولة تصعيد، يدفع الشعب الفلسطيني الثمن، بينما تتقاطع مصالح حماس مع داعميها الإيرانيين والسوريين وغيرهم، رغم أنهم أنفسهم متورطون في سحق شعوبهم، كما في سوريا واليمن ولبنان.
عندما تقاتل حماس بـ«الوكالة»
ربما تغضب هذه العبارة الكثيرين، لكن هذا ما حدث، وظهر جليا في الكثير من المواقف، ظهر تصريحًا وتلميحا وإيحاءً في تصريحات وتصرفات قيادات الحركة وما يطلقون عليه محور المقاومة الذي يلعب لصالح الجمهورية الإيرانية ويخضع لتوجيهات ولاية الفقيه والحرس الثوري الإيراني الذي حول حركة مقاومة شعبية ضد المحتل في دولة فلسطين المحتلة إلى وكيل عن دولة إيران يحقق لها أحلامها ويتعامل مع منافسيها بعيدًا عن الأراضي الإيرانية حتى إذا كانت هناك خسائر لا تصيب دولتهم بسوء.
المقاومة في أصلها
منذ الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، برزت حماس كحركة مقاومة إسلامية رفعت شعار تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وارتبطت بما أطلقوا عليه اسم المشروع الإسلامي العام، وقدّمت تضحيات كبيرة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، خصوصًا في العمليات الاستشهادية خلال التسعينيات، وهو ما جعل اسم الحركة يتردد في العالم الإسلامي أو في الأوساط الشعبية كصورة نموذجية للجهاد الإسلامي المدافع عن الإسلام وأهله مقابل ما أطلقوا عليه التخاذل في نجدة ونصرة الشعب الفلسطيني، وهو الشعارات التي تهدف لما هو أعمق من مجرد مقاومة شعب لمحتل اغتصب أرضه، مثلما يحدث في كل حركات التحرر الوطني عبر التاريخ الإنساني، لإيمانهم بأن القضية الفلسطينية هي قضية العالم الإسلامي والعربي، لما فيها من مقدسات إسلامية ومسيحية على حد سواء.
وبالتالي، فإن أي تقصير من الدول العربية والإسلامية يكون ذريعة جيدة لتأليب الشعوب على حكامها واتهامهم بالخيانة التي تستوجب لديهم إسقاط هذه الدول واستبدال حكامها بعملاء للداعمين لتلك الجماعات والكيانات الدولية والإقليمية التي تغذي حماس ومن وراءها.
الانحراف السياسي
كانت الأمور في الظاهر تسير لصالح حركة حماس باعتبارها المدافع الأول عن القضية الفلسطينية، لكن بعد انتخابات 2006، دخلت الحركة في مواجهة دموية مع حركة فتح انتهت بانقلاب غزة عام 2007، وهنا بدأ التحول الخطير: تحولت المقاومة من سلاح موجّه ضد العدو، إلى أداة لحسم الخلافات الداخلية، ومن مشروع فلسطيني إلى جزء من محور إقليمي بقيادة إيران.
ورغم الهوة العقائدية بين الحركة وولاية الفقيه الإيرانية، ارتبطت حماس بتحالف وثيق مع طهران، وهو ما ظهر في الدعم العسكري والمالي المعلن، حتى صرّح قادة في كتائب القسام علنًا بأن السلاح في غزة جزء من محور المقاومة بقيادة إيران، وهو ما جعل غزة تدفع الثمن: من حصار خانق، إلى حرب كل سنتين، إلى عزلة سياسية.
حُوصرت غزة لا من الاحتلال فقط، بل من الجوار العربي المتشكك في ارتباطاتها. تحوّلت إلى ساحة تجريب صواريخ، ومعمل دعاية إيرانية، بينما بقي الاحتلال مستفيدًا من الانقسام، ورافعًا شعار لا شريك فلسطيني للسلام.
النتيجة
وكانت النتيجة كما ترى دمارا شاملا ليس في قطاع غزة وحدها، ولكن في الضفة أيضًا بل وفي القدس العربية المحتلة، وما يقرب من 80 ألف شهيد من المدنيين ومئات الآلاف من المصابين والمشردين، وارتباك دولي على كل المستويات لإيجاد مخرج آمن لتلك الكارثة الكبرى التي حلت على الشعب الفلسطيني.
ثانيًا: سوريا... المقاومة تقتل شعبها
نظام الأسد رفع منذ عقود شعار الممانعة، واحتفظ بجبهة الجولان هادئة مقابل رصيد سياسي في الشارع العربي.
وكانت النتيجة انزواء نظام الأسد في رقعة لا تتعدى بضعة كيلو مترات في محيط العاصمة دمشق وريفها وبعض المحافظات المجاورة، وتدمير كامل للجيش الوطني لسوريا الموحدة حتى وإن كانت الأقلية هي التي بيدها مقاليد الحكم.
تفتت سوريا وتداعت عليها الدول من أصحاب المصالح والجماعات التي تسربت إليها من محيطها الإقليمي والدولي فتمزقت الدولة كل ممزق وتشرد شعبها في دول الجوار ومات الكثير منهم في عرض البحر المتوسط خلال رحلات الهروب المأساوية.
وكانت الأراضي السورية مركزًا وقبلة رئيسية لأخطر الجماعات الإرهابية في التاريخ الإسلامي، وعلى رأسها تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، الذي باض وفرخ وعشش هو وغيره في الأراضي السورية، بل وما زاد هناك تم تصديره للعالم الإسلامي في شكل ما أطلقوا عليه ولايات تابعة للإدارة المركزية في سوريا فهذه ولاية خرسان وتلك ولاية نيجيريا وهذه ولاية تشاد ومالي والصومال والنيجر.... إلخ.
وتقسمت سوريا إلى مناطق نفوذ للجماعات المختلفة التي تدين كل منها بالولاء لدولة أخرى غير سوريا تنفذ أهدافها وترعى مصالحها حتى أصبح حراما على بلابلها الدوح حلالًا للطير من كل جنس.
وأخيرًا كان الحل الأزمة وهي صعود قائد إحدي الميليشيات المسلحة إلى قمة السلطة وبشكل دراماتيكي لا يخفي أن هناك نوايا ليست طيبة لهذا الصعود المفاجئ.
حزب الله يدخل المعركة
في 2013، أعلن حسن نصر الله صراحة دخول قواته إلى سوريا لمنع سقوط محور المقاومة، وسرعان ما توالت قوافل الميليشيات الطائفية المدعومة من إيران من العراق ولبنان وأفغانستان وباكستان. لم يعد الهدف هو حماية القدس، بل سحق حمص وحلب والغوطة.
النتيجة
دُمرت سوريا باسم مقاومة لم تطلق رصاصة واحدة على الجولان المحتل منذ 1974، وجرى تسليم القرار الوطني السوري لإيران وروسيا. تحوّلت دمشق من عاصمة العروبة إلى مركز العمليات الإيرانية في المشرق.
ثالثًا: اليمن... الحوثي من أجل طهران
رفعت جماعة الحوثي شعار «الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود»، وهي الشعارات نفسها التي تتبناها الجمهورية الإيرانية منذ عام 1979م إلى الآن، لكنها لم تطلق رصاصة واحدة على هذه الجهات. بل بدأت صعودها بالانقلاب على الحكومة اليمنية المنتخبة عام 2014، واحتلال صنعاء، وتهجير وزراء الدولة.
المشروع الطائفي
فرض الحوثيون الخطاب الزيدي المعدل بطابع ولائي لإيران، واستدعوا النموذج الإيراني في الحكم والثقافة، واستهدفوا المساجد والمدارس السنية، ودمّروا البنية التحتية عبر معارك مع المقاومة اليمنية في تعز وعدن ومأرب.
حتى إن السنة في مناطق نفوذ الحوثي لم يكن مسموحا لهم بممارسة عباداتهم وكثير منهم دفع حياته ثمنا لإعلان عبادته ومنهم أئمة المساجد، وخرجت الفتاوى الحوثية التي تحرم اليمنيين من شعائرهم الدينية ومنها صلاة التراويح في شهر رمضان التي يعتبرها الحوثيون بدعة ينبغي معاقبة من يعلن عنها أو يؤديها من أئمة المساجد.
أدوات إيرانية
استخدم الحوثيون كل الأدوات الإيرانية لإثارة الشعب والفوضى في المنطقة ومنها الطائرات المسيّرة إيرانية الصنع لضرب منشآت حيوية في كل من السعودية والإمارات، بل وقع بعضها بالقرب من المقدسات الإسلامية في مكة والمدينة المنورة وكان أخطرها استهداف شركة أرامكو السعودية.
وعلى المستوى المحلي الصواريخ الباليستية لضرب المدن التي تخرج عن سيطرة الحوثي، كذلك تجنيد الأطفال وزرع الألغام في المناطق الريفية.
وكانت النتيجة أن دخل اليمن في أسوأ أزمة إنسانية في العالم، بحسب الأمم المتحدة. الملايين بلا غذاء أو دواء، والبنية التحتية مدمرة، والانقسام الوطني بلغ ذروته. وبدل أن تكون مقاومة وطنية، أصبحت ميليشيا وظيفية لإيران في الخاصرة الجنوبية للجزيرة العربية.
طوفان الأقصى
واستغل الحوثيون عملية طوفان الأقصى بإطلاق المسيرات لاستهداف المدن الإسرائيلية التي تطلقها بشكل عشوائي فلا تصيب هدفا ولا تنكأ عدوا، ولا تداوي جريحًا أو تؤوي مشردًا، بل تكون ذريعة لمزيد من التدخلات الغربية في البحر الأحمر وكثيرًا ما سقطت تلك المسيرات في دول الجوار.
رابعًا: العراق... الطائفية من رحم المقاومة
بعد الغزو الأمريكي في 2003، اجتاحت أمريكا العراق وأسقطت صدام حسين، وظهرت فصائل المقاومة الوطنية. لكن سرعان ما هيمنت على المشهد جماعات مسلحة ذات طابع طائفي، ارتبط أغلبها بإيران.
التيار الصدري
ادّعى التيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر أنه يقود مقاومة ضد الاحتلال، لكنه كان في الوقت ذاته يمارس تطهيرًا طائفيًا في بغداد والبصرة، ويُتهم بالمشاركة في فرق الموت التي قتلت مئات السنّة خلال الحرب الأهلية «2006–2007»
الحشد الشعبي
بعد ظهور داعش، ظهر الحشد الشعبي كقوة شيعية ترفع شعار المقاومة، لكنها ارتكبت فظائع ضد المدنيين في تكريت والفلوجة والموصل، بتغطية رسمية من الحكومة.
وكانت النتيجة: تفكيك النسيج الوطني العراقي. واستبدال الجيش الوطني العراقي بالفصائل المسلحة الموالية للمرشد الإيراني، لا للدولة العراقية. وكذلك فساد عميق في الحكومة. إضافة إلى آلاف الضحايا من المدنيين الأبرياء.
خامسًا: لبنان... حزب الله واحتلال الداخل
حزب الله، الذي صعد بعد الاحتلال الإسرائيلي للبنان عام 1982، نال احترامًا عربيًا واسعًا بعد انسحاب إسرائيل عام 2000، لكن بعد 2006، تغيّر كل شيء.
بدأ الحزب يفرض أجندته داخل لبنان بالقوة: وكان اجتياح بيروت عام 2008 لإسقاط الحكومة. وكذلك اغتيال قادة سياسيين مثل رفيق الحريري. والسيطرة على مفاصل الدولة: الرئاسة، الأمن، الإعلام.
ثم انسحب ذلك على المحيط الإقليمي للبنان عن طريق التدخلات الخارجية مثل القتال في سوريا ومساندة الفصائل والميليشيات الإيرانية التي تعيث فسادًا في الأراضي السورية.
كما شارك الحزب في تدريب الحوثيين باليمين، وإرسال العناصر المسلحة الموالية لإيران إلى العراق.
أدى ذلك إلى انهيار الاقتصاد اللبناني، وعزلة عربية شاملة، وتحوّل لبنان إلى دولة فاشلة تُحكم بميليشيا، وتُستخدم كمنصة إطلاق ضد الخليج.
بين المقاومة الراشدة والمقاومة المزيفة
لقد ثبت بالتجربة أن المقاومة ليست مجرد كلمة تُقال، بل مشروع يحتاج إلى:
1- هدف استراتيجي محدد: تحرير الأرض.
2- وسائل أخلاقية لا تُبرر الغدر أو الطائفية أو القمع.
3- استقلال عن المحاور الخارجية.
فالمقاومة الراشدة توحد الشعوب، أما المقاومة المزيفة فتفتتها. الأولى تحرر الأرض، والثانية تسلمها لأطراف جديدة تحت مسميات كاذبة.