السبت 19 أبريل 2025
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

محمد شعت يكتب: الإمام الطيب.. مسيرة الاعتدال بين تطرفين

الإمام الأكبر الدكتور
الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

شيخ الأزهر يدرك أن التطرف يغذي بعضه بعضا وأن الغلو في جانب يقابله غلو أكبر في الجانب الآخر

يتمسك بخطاب معتدل يواجه الإفراط والتفريط والخروج عن روح الإسلام ومعانيه

يتصدى لموجات التكفير وهدم الثوابت إدراكاً لخطورة التيارين على أمن المجتمعات

يؤكد دائما أن فهم الثابت والمتغير في الشريعة الإسلامية أساس لمواجهة الخلاف

يحرص على تقديم خطاب متوازن إدراكاً بتأثير المؤسسة العابر للحدود

 

 

منذ 15 عاماً تولى الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب مسئولية أكبر مؤسسة إسلامية على مستوى العالم، وأدرك منذ اليوم الأول أن مهمته شريفة وثقيلة في آن واحد، فمسئولية توحيد المسلمين في جميع أنحاء العالم ليست بالهينة، وجمعهم تحت راية واحدة أمر يحتاج الكثير من الوقت والجهد والصبر أيضًا.

الأعوام التي تولى فيها الطيب المسئولية شهدت تحولات حادة في الدول الإسلامية الكبرى، وكان لهذه التحولات ارتدادات وانعكاسات على أمة الإسلام التي تجمع العديد من التيارات والاختلافات، والتي تحتاج إلى مشرط جراح للتعامل معها، والتقريب بين الجميع لتظل "الأمة الواحدة" قوية ومتماسكة في ظل وجود أعداء متربصين يهمهم التفريق والتشرذم ليدب الانقسام والوهن في أواصر الأمة.

على مدار هذه السنوات، وجه الرجل مؤسسة الأزهر الشريف لتكون رمانة الميزان بين جميع التيارات، والحفاظ على الاعتدال وسط ظهور تيارات متشددة من الجانبين، فما بين تيارات التطرف وتيارات تسعى لهدم ثوابت الدين يحافظ الأزهر على مسيرة الاعتدال بين تطرفيّن، ويتمسك بخطاب معتدل يواجه الإفراط والتفريط والخروج عن روح الإسلام ومعانيه.

مواجهة التطرف

وضعت مؤسسة الأزهر الشريف بقيادة الإمام الطيب نصب عينيها مهمة مواجهة التطرف بكل أشكاله، إيمانا بأن التطرف يغذي بعضه بعضًا، وأن الغلو في جانب يقابله غلو أكبر في الجانب الآخر، وهو الأمر الذي سيكون له أثر سيئ على أمة الإسلام؛ وانطلق في مواجهة هذه المهمة بإطلاق مؤسسات ومبادرات تنطلق من منطلقات فكرية لحماية المسلمين من أي أفكار شاذة تتناقض مع سماحة الإسلام.

ولايمكن تحقيق هذه المهمة إلا من خلال صناعة الوعي والعمل على تنشئة أجيال واعية بروح الإسلام الصحيح والتمسك بتعاليمه السمحة، والقدرة على التعايش مع مختلف الأفكار دون عنف، وتعزيز ثقافة الحوار مع الجميع وقبول الآخر ورأب الصدع بين أبناء الأمة الواحدة والتعايش مع الديانات الأخرى، لينعكس ذلك بدوره على المجتمع وتقدمه وتماسكه بدلا من الاقتتال والتناحر.

يدرك الأزهر أن تأثيره يتجاوز الحدود، وأن اختلاف الثقافات داخل المجتمعات الإسلامية يتطلب خطابا واعيا لايصطدم بثوابتها وإنما خطاب يبني على المشتركات الراسخة بين هذه المجتمعات، لتظل مؤسسة الأزهر قوية فاعلة ومؤثرة في جميع أنحاء العالم وقادرة على صناعة إطار شامل يجمع ولا يفرق ويحقق التوازن المطلوب في وقت تزداد فيه وتيرة النزاعات والانقسامات.

وسعى الأزهر في ترسيخ الخطاب المعتدل لمعالجة  الفجوات في الخطاب الديني التي قد تؤدي إلى النزعات المتطرفة، إذ يؤدي غياب المعالجة المعاصرة والمتوازنة للأسئلة الدينية والأخلاقية الكبرى إلى دفع الشباب والمتدينين للبحث عن بدائل قد تكون مشبعة بأيديولوجيات متطرفة، وفي سبيل ذلك حرص الإمام الطيب على إقامة الفعاليات المناهضة للفكر المتطرف والتيارات التي تتبنى العنف والإرهاب.

وفي إطار جهوده لمواجهة التحديات الراهنة، أطلق شيخ الأزهر عددًا من الفعاليات التي تعكس التزام المؤسسة الأزهرية بمحاربة التيارات الإرهابية التي ألقت بظلالها على العالمين العربي والإسلامي، مهددةً أمنه واستقراره. وقد نشأت هذه التهديدات نتيجة الفهم الخاطئ للنصوص القرآنية والأحاديث النبوية، مما أدى إلى تأويلها بعيدًا عن مقاصد الدين الحقيقية، التي تقوم على التوازن بين شئون الدنيا والدين، ومن بين أبرز هذه الفعاليات، جاء "مؤتمر الأزهر العالمي لمواجهة التطرف والإرهاب". 

أكد فضيلة الإمام الطيب خلال المؤتمر أن الجماعات التكفيرية المتطرفة هي المحرك الأساسي للفتن التي تعصف بالأمة، معبرًا عن أسفه العميق - كما هو حال كل مخلص لهذا الدين - من الجرائم التي ارتكبتها تلك الجماعات التي تدعي زورًا وبهتانًا أنها "دولة إسلامية". 

وفي كلمته، أشار الإمام الطيب إلى خطورة ما تقوم به هذه الكيانات الإرهابية، إذ إنها تُبقي الأمة في حالة من الضعف واليأس المستمر، وتعوق تقدمها وتطورها. كما أوضح أن تلك الجماعات تمثل أداةً لحروب بالوكالة، لا يتحمل مشعلوها خسائر تذكر في الأرواح أو العتاد. ولذا، شدد على أن الحل يكمن في توحيد الصف العربي، وتجاوز الخلافات، وإخماد الفتن، لمواجهة هذا الخطر الداهم. كما دعا المجتمع الدولي إلى تحمل مسئوليته في التصدي لهذا الإرهاب، باعتباره تهديدًا للإنسانية جمعاء. 

وأكد الإمام الطيب على دور العلماء والمفكرين - لا سيما أبناء الأزهر الشريف - في تصحيح المفاهيم التي استغلتها الجماعات المتطرفة لتبرير أعمالها الإجرامية، مثل قضايا الإيمان والكفر والجهاد والخلافة، كما شدد على ضرورة توجيه الشباب نحو مسارات التقدم العلمي والتقني والحضاري، بما يضمن نهضة الأمة، شريطة أن يكون ذلك وفق ضوابط الشرع. 

وأوضح البيان الختامي للمؤتمر أن جميع الفصائل والجماعات المسلحة والميليشيات الطائفية التي تمارس العنف تحت ستار الدين هي جماعات منحرفة فكريًا وخارجة عن تعاليم الإسلام الصحيحة. كما أكد البيان على أن المسلمين والمسيحيين في الشرق يشكلون نسيجًا حضاريًا واحدًا، ينتمون معًا إلى أمة واحدة، ما يستدعي التكاتف لمواجهة الأخطار المشتركة. 

وحمل المؤتمر دعوة صريحة إلى نبذ العنف، وترسيخ القيم الإنسانية، والتأكيد على المسئولية الجماعية في مواجهة التطرف، إذ يقع على عاتق العلماء مسئولية تصحيح المفاهيم المغلوطة وإطفاء نيران الفتن المذهبية، وعلى الدول واجب التعاون لتحقيق الأمن والاستقرار في المجتمعات، إيمانا من الأزهر بأن المجتمعات الإسلامية لن تنهض في ظل مايعصف بها من أفكار بعيدة عن روح الإسلام ودعوته إلى الوحدة والسلام وحقن الدماء وتوجيه الطاقات إلى بناء المجتمعات وحفظ النفس.

كما اضطلع الأزهر بمسئوليته في مواجهة موجات التكفير التي كادت تعصف بالمجتمعات الإسلامية، واتخذها المتطرفون ذريعة لإراقة الدماء، حيث جاء انعقاد مؤتمر "الإمام أبي الحسن الأشعري إمام أهل السنة" تحت رعاية مشيخة الأزهر ليكون رسالةً للعالم بأن العصمة من التطرف تكمن في مذهب أهل السنة والجماعة، ذلك المذهب الوسطي الذي لا يُكفِّر أحدًا من أهل القبلة. ومن هذا المنطلق، يتعين على المسلمين استيعاب هذا النهج المعتدل لمواجهة التيارات الفكرية المتشددة التي تسعى إلى إعادة إنتاج الأفكار التكفيرية.

وفي هذا السياق، أشار الإمام الطيب إلى أهمية المؤتمر، قائلاً: «يذكِّرنا واقع الأمة اليوم بواقعها في زمن الإمام أبي الحسن الأشعري، فهي بحاجة إلى منهج يوازي منهجه، ذلك المنهج الذي أنقذ الثقافة الإسلامية قديمًا من تهديدات مذاهب مغلقة تدير ظهرها للعقل، وأخرى تُخضع كل شيء لحكم العقل حتى فيما يتجاوز حدوده، وثالثة تخضع للهوى والسياسة والمنفعة، فتنتج عقائد مشوهة تحاكم الناس عليها وتقاتلهم من أجلها".

وأوضح الإمام الطيب أن الهدف الأسمى لهذا المؤتمر هو نشر الفكر الوسطي وإحياؤه بين الناس، ليكون حصنًا منيعًا ضد نزعات التكفير والتفسيق والتبديع التي تفرق الأمة، مشددًا على أن المذهب الأشعري هو الأجدر بهذه المهمة؛ لكونه مذهبًا لا يُكفِّر أحدًا من أهل القبلة. كما أكد أن داء التكفير يمثل مرضًا عضالًا أصاب أمةً جعلها الله خير أمة أخرجت للناس، مشيرًا إلى أن من أهم القيم الإنسانية التي يبرزها هذا المؤتمر هي تحقيق التوازن بين العقل والنقل، وهو المبدأ الذي قامت عليه دعائم هذا الدين، وسار عليه أهل السنة، وأحياه الأشعري بعد أن مال البعض إلى تغليب العقل على النص، بينما تمسك آخرون بظاهر النص وأهملوا دور العقل.

التصدي لهدم الثوابت

على الجانب الآخر، حمل الإمام الطيب على عاتقه مسئولية التجديد في إطار التمسك بالثوابت الإسلامية، ساعيًا إلى مواكبة متطلبات العصر بروحٍ متوازنة ونهجٍ معتدل وخطابٍ منضبط. ومن هذا المنطلق، جاء "مؤتمر الأزهر العالمي لتجديد الفكر والعلوم الإسلامية" ليؤكد هذا الدور المحوري. 

ومع انتشار تصورات مغلوطة حول مفهوم التجديد في الفكر الإسلامي، حيث بات يُفهم لدى بعض أبناء الأمة على أنه ثورة على الموروث العقدي والشرعي، تصدى الإمام الأكبر لهذه الرؤية الخاطئة، داعيًا إلى عقد هذا المؤتمر العالمي لوضع الأمور في نصابها الصحيح. 

وقد أوضح الإمام الأكبر أن الأحكام في الإسلام تنقسم إلى قسمين: الأول يشمل الثوابت التي لا تقبل التغيير أو التجديد، وهي الأحكام القطعية في الثبوت والدلالة. أما القسم الثاني، فهو الأحكام التي تتعلق بشئون الحياة المختلفة، كالقوانين المدنية والدستورية والجنائية، إضافةً إلى المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وهذه الأحكام تخضع للتغيير وفقًا لمتغيرات الزمان والمكان. 

وبذلك، يلفت الإمام الأنظار إلى ضرورة التمييز بين ما يجوز تجديده وما لا يجوز المساس به، محذرًا من محاولات البعض للتلاعب بالعقائد والعبادات الثابتة، أو من أولئك الذين اختزلوا الإسلام في بعض الفتاوى الشاذة، مما أدى إلى التطرف والتكفير والعنف. فكلا الطرفين – سواء من دعا إلى الانحلال أو من جنح إلى التشدد – قد ابتعد عن جوهر الإسلام ومقاصده السامية، وفي مواجهة هذا الواقع، قدم الإمام الأكبر رؤيته للإصلاح، مؤكدًا أن التيار الوسطي الإصلاحي هو المؤهل للقيام بمهمة التجديد، نظرًا لامتلاكه أدواته الفكرية والعلمية، على عكس التيارات الأخرى التي تفتقر إلى هذه المقومات الأساسية. 

وعن مسئولية التجديد، أكد الإمام الطيب في تصريحات تليفزيونية أن الشريعة الإسلامية تمتاز عن غيرها من الشرائع والأنظمة بوضع برنامج متكامل صُمِّم بعناية إلهية فائقة لتلبية احتياجات الإنسان. فقد جاءت بنصوص ثابتة تلبي الحاجات المستقرة في حياة الناس، وأخرى عامة وكلية تراعي متطلبات الإنسانية المتجددة، موجهةً إياها نحو اتباع صراط الله المستقيم، ومحذرةً من الانحراف عن الطريق القويم. وذلك حتى لا يتحول التطور والتقدم إلى فوضى وضياع، تصديقًا لقوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

وبنبرته الهادئة في الحوار مع المخالفين والمهاجمين، دعا شيخ الأزهر المشككين في التراث الإسلامي إلى التأمل في تاريخ الفتوحات الإسلامية، والتوقف عند أبرز محطاتها، ليدركوا كيف استطاع المسلمون إخضاع أقوى دولتين في الشرق خلال العصور الوسطى، وتحقيق انتصارات حاسمة عليهما، وأشار الدكتور الطيب إلى أن المسلمين تسلموا بيت المقدس، وانكشفت أمامهم أراضي العراق والشام وإيران وأرمينيا وأذربيجان، إضافة إلى بلاد الأندلس وأفريقيا، بمشرقيها ومغربيها، وإندونيسيا والصين وغيرها، متسائلًا: (هل تمكن المسلمون من فتح هذه البلدان والبقاء فيها حتى اليوم استنادًا إلى شريعة "منتهية الصلاحية" كما يزعم البعض!". 

وأكد أن هذه الشريعة كانت، حتى وقت قريب، مصدر قوة وثبات للمسلمين، حتى في أشد فترات ضعفهم وتراجعهم. كما أوضح أن الإشكالية لا تكمن في الفقه أو الشريعة، بل في حالة الكسل والتشرذم الفكري والثقافي التي أصابت الأمة، والعجز عن توظيف تراثها الغني واستثماره بما يخدم القضايا المعاصرة، مع الاستفادة من قاعدة "الثابت والمتغير" التي أرسى دعائمها القرآن الكريم ووضحتها السنة النبوية، وأضاف شيخ الأزهر أن التشريعات الإسلامية قدمت للإنسانية منظومة قيمية وتشريعية تُعد من أرقى ما عرفه تاريخ الحضارات، وهو أمر أقرّ به المفكرون المنصفون، حتى من غير المسلمين.

انتقد شيخ الأزهر ما وصفه بالهجوم المستمر على التراث الإسلامي وأقوال الفقهاء، مشيرًا إلى أن هذا النقد غالبًا ما يعتمد على اقتطاع النصوص من سياقاتها الأصلية، مما يؤدي إلى تحريف معانيها. وأوضح أن أهل العلم والفتوى في العصر الحالي يواجهون ضغوطًا ومضايقات تتمثل في محاولات التشويش على التراث الإسلامي من قبل غير المؤهلين لفهمه أو دراسته، سواء من حيث العلم أو الثقافة أو حتى احترام قناعة أكثر من مليار ونصف المليار مسلم يعتزون بهذا التراث، وأضاف أن من الشائع الآن عرض عبارات الفقهاء خارج سياقها الدلالي، مما يجعلها تبدو غريبة أو منفرة، قبل أن تُوظَّف في حلقات نقاشية تهدف إلى ربطها بشريعة الإسلام بطريقة تفتقر إلى الدقة، وتعتمد على المغالطات والسفسطة وسوء الفهم.

أمة واحدة رغم الخلاف

رغم الجذور الخلافية القديمة بين السنة والشيعة، ومحاولات التقريب المتعددة التي لم تؤت ثمارها، يحاول شيخ الأزهر إحياء هذه المحاولات ويبين أسباب الخلاف إدراكًا لما يهدد الأمة من مخاطر وتحديات، ووجود أعداء متربصين يوظفون هذا الانقسام للانقضاض على الأمة الإسلامية، ساعيًا إلى رأب الصدع مهما كانت الجذور الخلافية، انطلاقا من حرصه على أن تتحول الأمة من مراحل الضعف إلى القوة.

وتأتي محاولات شيخ الأزهر في ظل جهوده لترسيخ ثقافة الحوار والتعايش  بين جميع المذاهب والأديان، وإن كان تحقيق الوحدة بعيد المنال فإن التعايش والحوار لا يزال ممكنا، حيث أكد أن الاختلاف بين أهل السنة وإخوانهم من الشيعة هو اختلاف في الفكر والرأي، وليس انقسامًا في الدين. 

واستدل على ذلك بحديث النبي "صلى الله عليه وسلم" الذي تنبأ فيه بمخاطر التفرق والاختلاف، حيث قال: "دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمُ: الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ"، أي أن الحسد والعداوة قد تتفشى بين الأمم، مما يؤدي إلى تفككها، ثم قال: "وَهِيَ الْحَالِقَةُ، وَلَكِنْ حَالِقَةُ الدِّينِ"، موضحًا أن المقصود ليس حلق الشعر، بل ذهاب الدين. وأضاف النبي "صلى الله عليه وسلم": وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثْبِتُ ذَلِكَ لَكُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ"، أي أن تحقيق الإيمان الكامل يستوجب إشاعة السلام والمحبة بين الناس. 

وأوضح الطيب أن الخلافات كانت موجودة حتى بين الصحابة، ومنها الخلاف حول مسألة الخلافة، حيث قيل: "ما سل سيف في الإسلام مثلما سل على هذا الأمر"، ومع ذلك لم تصل خلافاتهم إلى حد الاقتتال فيما بينهم. وأكد أن الخلاف بين السنة والشيعة ليس خلافًا جوهريًا في العقيدة، وإنما هو تنوع في الفهم والتفسير، داعيًا كل من يتصدى للدعوة إلى استيعاب حديث النبي "صلى الله عليه وسلم": "من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلكم المسلم الذي له ذمة الله ورسوله، فلا تخفروا الله في ذمته"، وتطبيقه بفهم صحيح يعزز الوحدة بين المسلمين.

وجدد شيخ الأزهر تأكيده على أهمية وحدة المسلمين، مشيرًا إلى أن الأمة الإسلامية اليوم في أمسّ الحاجة إلى التآلف والتكاتف لمواجهة تحديات العصر والتصدي للأخطار المحدقة بها. وأوضح أن العديد من الكيانات العالمية قد توحدت رغم افتقارها إلى روابط ثقافية أو دينية مشتركة، كما هو الحال في الاتحاد الأوروبي، الذي اجتمعت دوله بدافع الضرورة العملية، مؤكدًا أن المسلمين أَولى بتحقيق الوحدة لما يجمعهم من عقيدة وتاريخ ومصير مشترك. 

واختتم حديثه بالتأكيد على أن الاختلاف الذي شهدته بعض الفترات كان أمرًا طبيعيًا، أملته الظروف والاحتياجات العملية آنذاك، ولا ينبغي أن يكون سببًا للفرقة أو التكفير. وأوضح أن هذا التباين يُعدّ رحمةً وسعةً في الفكر، مستشهدًا بما وقع بين الصحابة رضوان الله عليهم من اختلاف أقرّه النبي ﷺ دون أن يؤدي إلى نزاع أو تكفير. كما أشار إلى أن المذاهب الفقهية داخل أهل السنة، كالمذهب الحنفي والشافعي، تتباين في بعض المسائل، ومع ذلك ظلّ هذا الاختلاف في إطار الاحترام المتبادل والتقدير العلمي.

إن مبادرات الإمام الطيب في مجملها ترتكز على "لم الشمل" بين التيارات، وعودة الجميع إلى المنبع الصافي للدين الإسلامي الذي يستوعب أي تغيرات أو تطورات على مر العصور، وهو الأمر الذي يعيد إلى الأمة الإسلامية قوتها ويجعلها قادرة على مواجهة التحديات التي تحيط بها من كل جانب، وأعداء يسعون إلى ترسيخ الانقسام بين أبناء الأمة الواحدة وإثارة النزعات الخلافية مايجعلهم في دوامة من العنف والإضعاف.