أيام قليلة ويأتي عيد الفطر حاملاً معه أجواء من الفرح والسرور، مناسبة سعيدة للتجمعات العائلية، يتبادل فيها الأهل والأحباب عبارات التهاني والتبريكات، وتنتشر فيها رائحة الكعك في مداخل العمارات، أما البيوت فيعلن فيها حالة الطوارئ، وتتحول إلى ورش تنظيف في محاولة لاستعادة البريق الذي فقد بسبب بخار "المحاشي" و"الرقاق" و"الملوخية" خلال شهر رمضان.
وسط كل هذه الاستعدادات، هناك طقس سنوي آخر لا يقل أهمية وهو "خناقة العيد"، هذه المشاحنة التي تبدأ صغيرة وقد تتطور في بعض الأحيان، تحدث غالباً ليلة العيد أو في صباحه، وتكون بسبب سوء تفاهم بسيط كاختلاف وجهات النظر حول مثلاً زيارة مَن أولاً؟ أهل الزوج أم أهل الزوجة؟، وسرعان ما يتطور الأمر إلى حرب كلامية طاحنة يتم فيها استدعاء كل الملفات القديمة والتي يعود تاريخها أحياناً إلى مرحلة الخطوبة، وبعد التصعيد، تأتي لحظة الهدنة وتستعيد العائلة هدوءها وتقرر الزوجة أن تتناسى كل التهم التي نسبتها إلى زوجها، أما الأطفال فقد أصبحوا خبراء في متابعة هذه المشاهد المكررة سنوياً وفي نفس الموعد.
تتوجه أصابع الاتهام إلى النساء، إذ هناك فكرة نمطية شائعة تلقي باللوم عليهن وأنهن السبب في هذه المشاجرات العائلية، وغالباً ما يتم ربط ذلك بالتقلبات المزاجية الناتجة عن التغيرات الهرمونية، لكن هذه النظرة تختزل المشكلة بشكل غير منصف، لأن الأعياد فترة تكثر فيها الضغوط والتوترات على الجميع، رجالاً ونساء، مما قد يؤدي إلى المشاحنات.
بعيداً عن التوترات العابرة، تبقى الأعياد والمناسبات من أجمل اللحظات التي تظل محفورة في الذاكرة، هي أوقات يملؤها الدفء العائلي والفرح الصادق، حيث تلتقي الأجيال وتصنع الذكريات التي تُحكى لسنوات، ففرحة الأعياد تتجسد في التفاصيل الصغيرة، ضحكات الأطفال وهم يتسابقون لجمع العيدية، بهجتهم بملابسهم الجديدة، لمة العائلة حول مائدة عامرة بأشهى الأطباق التي تعدها الأمهات بحب، وابتسامة الأجداد وهم يشاهدون أحفادهم ينشرون البهجة في أرجاء البيت.
هي لحظات نادرة تمنح الجميع فرصة لنسيان الهموم والانغماس في أجواء الألفة والمحبة، لتبقى في القلب كذكرى لا تُنسى، نسترجعها كلما اشتقنا إلى دفء العائلة وروح العيد.