يُعَدُّ شهرُ رمضانَ فُرصةً عظيمةً للإكثارِ من الطاعاتِ وفِعلِ الخيراتِ والتقرُّبِ إلى اللهِ تعالى، فشهرُ رمضانَ ليسَ للصومِ وحسب، بل هو فُرصةٌ للاستزادةِ من أعمالِ الخيرِ كلِّها، ويتجلّى فيه أيضًا أوجُهُ التكافلِ والتراحمِ بين أفرادِ المجتمعاتِ الإسلاميَّة.
ومن أحبِّ الأعمالِ إلى اللهِ تعالى الصدقاتُ، فهي من أجَلِّ الأعمالِ التي حثَّ عليها الإسلامُ في هذا الشهرِ الفضيل، لما لها من أجرٍ عظيمٍ وفوائدَ روحيَّةٍ واجتماعيَّةٍ تجعلُها منارةً للخيرِ والإحسانِ.
وإذا كان اللهُ تعالى يُضاعفُ أجرَ الصدقاتِ على مدارِ العامِ كما قالَ عزَّ وجلَّ: ﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ﴾ (البقرة: 261)، فإنَّ مُضاعفتَها في شهرِ رمضانَ أعظمُ، لا سيَّما أنَّه الشهرُ الذي تُفتحُ فيه أبوابُ الجِنانِ، وتُغلقُ أبوابُ النارِ، وتُصفَّدُ الشياطينُ، وتتهيَّأُ النفوسُ لطاعةِ اللهِ فيه، و"كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَد مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ" (رواه البخاري)، مِمَّا يُظهِرُ مكانةَ العطاءِ في هذا الشهرِ الكريمِ.
وتتنوَّعُ الصدقاتُ في شهرِ رمضان، فمنها زكاةُ الفطرِ، وهي صدقةٌ واجبةٌ على كلِّ مسلمٍ قبل صلاةِ عيدِ الفطرِ، تُطهِّرُ الصائمَ من اللغوِ والرَّفثِ، وتُطعِمُ الفقراءَ، كما قال ابنُ عبَّاسٍ: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ" (رواه أبو داود).
وتتجلَّى فيه الصدقاتُ التطوُّعيَّةُ من إطعامِ الطعامِ، وسُقيا الماءِ، ودعمِ المحتاجينَ، وهي من أفضلِ الأعمالِ، خاصَّةً في ليالي رمضانَ المباركة، ويتسابقُ الناسُ لنَيلِ أجرِ إفطارِ صائمٍ، فقد قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا" (رواه الترمذي).
وللصدقاتِ فوائدُ روحيَّةٌ عظيمةٌ، فهي تُزكِّي النفسَ، وتُخلِّصُ القلبَ من أمراضِ الشُّحِّ والبُخلِ، وتُربِّي المؤمنَ على البذلِ والتضحيةِ.
كما أنَّ للصدقةِ أثرًا اجتماعيًّا، فهي تُعزِّزُ التماسكَ الاجتماعيَّ، وتُشعرُ الأغنياءَ بمعاناةِ الفقراء، وتُلبِّي حاجاتِ المحرومين، مِمَّا يُحقِّقُ العدالةَ، ويُخفِّفُ من الفقرِ.
فعلى المسلمِ أن يغتنمَ هذا الشهرَ الكريمَ ويُكثِرَ من فِعلِ الخيراتِ وإعطاءِ الصدقاتِ، فيَنالَ في الدنيا الطُّهرَ والنقاءَ، وفي الآخرةِ يَنالَ أعلى الدرجاتِ.
د. محمود راغب. عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية