حسناً فعلت وزارة الداخلية حيث قامت بتنسيق من قطاع الأمن العام مع الأجهزة المعنية بالوزارة بتوجيه حملات مكبرة منذ بداية شهر رمضان استهدفت مصنعى ومروجى الألعاب النارية، الحملات التي تواصلت خلال الأسبوعين الماضيين أسفرت عن ضبط 1300 قضية تشمل 1339 متهماً و9 ورش تصنيع، أما المضبوطات فقد بلغت أكثر من 60 مليون قطعة مختلفة الأنواع والأحجام، كما تم ضبط كمية كبيرة من المواد الخام والمستلزمات التى تستخدم فى تصنيع تلك الألعاب النارية، ومازالت الحملات تتوالى بعد أن تزايدت شكاوى المواطنين من هذه الظاهرة المزعجة التي تتزامن مع شهر رمضان وتتكرر سنويا بشكل عجيب ومبالغ فيه.
هذا المشهد المستفز لا يختلف عليه اثنان، حيث نستمع يومياً مع أذان المغرب إلى فرقعات عشوائية غير منضبطة ناتجة عن ما يسميه المستهترون بالصواريخ، تصاحبها صيحات المراهقين الذين يحوِّلون شوارع مصر إلى ساحة حرب وهمية.
الألعاب النارية، التي يُفترض أن تكون مظهرًا للبهجة، أصبحت كابوسًا يهدد السلامة العامة، خاصة في ليالي رمضان. فكيف تحولت هذه العادة إلى ظاهرة خطيرة؟ وما الدور الذي يمكن أن يلعبه القانون والمجتمع للحد منها؟
جذور الظاهرة جاءت من ارتباط الألعاب النارية في مصر بمناسبات محددة كالأعياد والمناسبات الوطنية، ويأتي شهر رمضان في الثقافة الشعبية كواحد من الأعياد التي تستمر ثلاثين يوماً وهو ما يدعو للبهجة والفرح لذلك توسعت الألعاب النارية في السنوات الأخيرة لتكون "طقسًا رمضانيًا" لدى فئة من المراهقين الذين يرون فيها تعبيرًا عن الفرح، أو مجرد تقليد أعمى لوسائل الترفيه التي يشاهدونها عبر الشاشات. المشكلة أن هذا "الفرح" تحول إلى سلاح ذي حدين فبينما يلهو الصبية بانفجارات تشابه مدفع الإفطار، يعاني الناس من إزعاج لا ينتهي، وتتعرض المنازل لخطر الحرائق، ناهيك عن الإصابات التي تصل أحيانًا إلى البتر أو فقدان البصر.
لذلك لا نجد أمامنا سوى القانون للقضاء على هذه الظاهرة وحسب حدود علمي فإن قانون العقوبات المصري يحاسب كل من "يعرض حياة الغير للخطر"، وتندرج تحت هذه المادة استخدام الألعاب النارية دون ترخيص، وكذلك يحظر القانون تداول أو استخدام المواد المتفجرة، وبالرغم من ذلك، تظل هذه القوانين حبرًا على ورق ما لم تُفعّل بصرامة.
على مدار السنوات السابقة كنا نقرأ عن مجهود وزارة الداخلية لضبط هذه المخالفات وكان الحصاد سنويا ضبط عشرات الأطنان من الألعاب النارية قبل بيعها في الأسواق لكن التحدي الأكبر يكمن في شبكات التهريب التي تغذي السوق المحلية بمنتجات مجهولة المصدر، بعضها صيني أو تركي، يتم استيراده عبر حدود غير رسمية، وبعضها الآخر يُصنع محليًا في ورش عشوائية، حيث تُخلط مواد كيميائية خطرة دون رقابة.
هنا يثور سؤال جوهري: كيف تصل هذه الكميات إلى أيدي الصغار؟ الإجابة تكمن في "السوق الموازي" الذي يبيعها بأسعار زهيدة تبدأ من 10 جنيهات للعبوة، إضافة إلى دور بعض الأهالي الذين يقومون بشرائها "هدية رمضانية" لأطفالهم!.
هنا يبرز دور التوعية ونلاحظ كل عام، قيام الجهات المعنية بحملات تحذيرية عبر وسائل الإعلام، تُظهر صورًا لمصابين فقدوا أطرافهم بسبب العبث بالألعاب النارية، لكن يبدو أن الرسالة لا تصل بالعمق المطلوب. والسبب يعود إلى عوامل متشابكة منها مثلا غياب البديل وتراجع الأنشطة الترفيهية الآمنة للشباب في الأحياء الشعبية، كنا نسمع عن الدورات الرمضانية لكرة القدم ثم كادت أن تختفي، ومع غياب البديل نجد ما يمكن تسميته بثقافة التحدي حيث يرى بعض المراهقين في استخدام الألعاب النارية تعبيرًا عن "الرجولة" أو الشجاعة، خاصة مع تشجيع الأقران. وهنا ينكشف ضعف الرقابة الأسرية لاقتناع كثير من الأهالي بأن "الحادث لن يحدث"، متناسين أن اللعب بالنار لا ينتهي إلا بالحرق.
مع استمرار هذه الظاهرة لا أجد أمامي إلا الدعوة لسن قوانين أكثر قسوة مع تدبير بدائل ذكية للحد من هذه الظاهرة وذلك في إطار خطة متكاملة تجمع بين التشديد القانوني والتوعية المجتمعية.
تفعيل القانون بلا تسامح وزيادة غرامات حيازة الألعاب النارية دون ترخيص، وتجريم تداولها تمامًا كما تُجرّم المخدرات قد يؤدي إلى مجتمع آمن وفي ذات الوقت مراقبة المنافذ الحدودية والورش العشوائية التي تقوم بصناعة هذا الأذى المتكرر.
قنوات التوزيع الألعاب النارية واضحة ومكشوفة وكذلك النظر إلى متاجر الإنترنت ومواقع التواصل وهما يمثلان منصات لبيع الألعاب النارية بشكل سري، ما يتطلب تعاونًا أمنيًا إلكترونيًا لرصدها.
وعندما أتشدد في الملاحقة الأمنية أضع على الخط الموازي التوعية الممنهجة مثل إدراج مخاطر الألعاب النارية في المناهج الدراسية وكذلك استضافة أطباء وضحايا سابقين للحديث عن تجاربهم وتكون تلك الاستضافة في الإعلام وفي المدارس والنوادي.
الحد من ظاهرة الألعاب النارية ليس مستحيلًا، لكنه يحتاج إلى إرادة مجتمعية قبل أن تكون أمنية. فكما تحولت عادة "الفتوة" القديمة التي كانت تعني إطلاق الرصاص في الأفراح إلى ممارسة من الماضي بفضل الوعي والقانون، يمكن أن تختفي الألعاب النارية حين نُدرك أن الفرحة الحقيقية هي تلك التي لا تُزعج الجيران، ولا تترك أطفالنا بين نيران اللعب والندم.