على شاطئ المحيط الأطلسي، في مدينة الدار البيضاء المغربية، يقف مسجد الحسن الثاني شامخا كمنارة تجمع بين الإيمان والفن المعماري الأندلسي المغربي، إنه ليس مجرد مسجد، بل تحفة فنية تشهد على إبداع الصانع المغربي الذي نحته بإتقان، ليصبح أحد أعظم المساجد في العالم.
في إحدى زيارات الملك الراحل الحسن الثاني إلى مدينة الدار البيضاء، ولد حلم إقامة صرح ديني يعكس عظمة الحضارة المغربية ويخلد ذكراها، استلهم الملك الراحل رؤيته من الآية القرآنية: "وكان عرشه على الماء"، فقرر بناء مسجد يمتد فوق أمواج المحيط الأطلسي، ليكون معلمة دينية وثقافية تربط الأرض بالسماء، وتجسد روعة العمارة الإسلامية.
في عام 1987، وضع حجر الأساس لهذا المشروع الضخم، وتكاتفت سواعد آلاف الحرفيين المغاربة، من نحاتي الخشب وصانعي الزليج والمقرنصات، ليصوغوا تفاصيل المسجد بدقة مذهلة، وبفضل اكتتاب وطني استمر 40 يوماً، قدم المغاربة أكثر من 300 مليار سنتيم مغربي، في مشهد يعكس وحدة الشعب حول مشروع حضاري خالد.
اكتمل البناء في ليلة المولد النبوي، في 11 ربيع الأول من عام 1414 هـ، الموافق لأغسطس 1993، ليصبح المسجد واحداً من أعلى الصروح الدينية في العالم، يمتد على مساحة 90 ألف متر مربع، ويتسع لـ105 آلاف مصل، منهم 25 ألفا داخل قاعة الصلاة، بينما تحتضن ساحته الخارجية 80 ألفاً، أما مئذنته، فهي الأطول عالميا بارتفاع 200 متر، تعلوها أشعة ليزر تمتد 30 كيلومتراً نحو القبلة، كأنها بوصلته الروحية التي ترشد المصلين إلى مكة المكرمة.
لكن روعة المسجد لا تقتصر على حجمه، بل تتجلى في تفاصيله المعمارية، سقفه المتحرك الذي يفتح ويغلق آلياً، يسمح لأشعة الشمس والقمر بالتسلل إلى داخله، بينما تزين جدرانه أعمدة الزليج المتقنة، والأخشاب المنحوتة بدقة، والزجاج الملون الذي يعكس ألوان المغرب الزاهية.
لم يكن مسجد الحسن الثاني مجرد مكان للصلاة، بل أصبح مجمعاً ثقافياً متكاملاً، يضم مكتبة عامة، ومركزاً لتحفيظ القرآن، ومتحفاً يعرض روائع الصناعات التقليدية التي شاركت في تشييده وبهذا، جمع المسجد بين روحانية جامع القرويين في فاس، وأصالة صومعة حسان في الرباط، وبهاء صومعة الكتبية في مراكش، وجمال الخيرالدة في إشبيلية، ليحكي قصة معمارية امتدت جذورها بين المغرب والأندلس.
*كاتبة وإعلامية مغربية