الإثنين 24 مارس 2025
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

السيد ياسين.. رحلة عقل ونضال فكري.. وإرث فكري وثقافي وإسهامات تجاوزت حدود الزمن

السيد ياسين
السيد ياسين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ما يقارب قرن من الزمان، امتدت رحلة الكاتب والمفكر الراحل السيد يسين الفكرية، كانت حافلة بالقراءة والكتابة والمساهمات المؤثرة، ليس فقط في المجال الأكاديمي، بل أيضًا في تكوين أجيال واعية بما يدور حولها من تحديات وصراعات، ومدركة للأخطار التي واجهت الوطن في لحظاته الحرجة، والمراحل التي احتاج فيها إلى البناء والتطوير.

كان السيد يسين بالنسبة لرواد علم الاجتماع السياسي بمثابة شيخ المشايخ، إذ ساهمت أبحاثه الاستراتيجية في تشكيل الخطاب الثقافي وصياغة الوعي المجتمعي. ومن خلال موقعه كمدير لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الذي تولاه منذ منتصف السبعينيات وحتى منتصف التسعينيات، لعب دورًا يفوق تأثير العديد من الوزراء والسياسيين، حيث أسهمت رؤاه في وضع الخطط التي شكلت الأسس الثقافية للمجتمع المصري؛ كما أثرى وجوده المركز العربي للدراسات، والذي تولى مسئوليته في المحطة الأخيرة من رحلته الحافلة.

من الأدب إلى الفكر

وُلد السيد يسين عام 1933 في حي راغب باشا بالإسكندرية، ونشأ في بيئة متواضعة، لكن شغفه بالأدب فتح له أبواب الفكر. تأثر في بداياته بكتابات الشاعر الأمريكي "ت. س. إليوت"، وكان جزءًا من مجموعة أدبية تناقش الأعمال الفكرية في منزله. وسرعان ما تحول هذا الاهتمام إلى شغف، فبدأ في كتابة الخواطر والتأملات.

في عام 1950، شهدت حياته انعطافة غير متوقعة، حيث انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين، التي لم يكن قد مضى على اغتيال مؤسسها سوى عامين. لكن، أتاح له ذلك في الوقت نفسه فرصة فريدة للاطلاع على الفكر الإسلامي من داخله، فدرس القرآن الكريم والأحاديث النبوية، وقرأ أعمال مفكرين إسلاميين مثل أبي الحسن الندوي والشيخ الغزالي. وخلال تلك الفترة، تعرّف على شيخ أزهري ضرير، نشأت بينهما صداقة قوية، فأصبح قارئه الشخصي واطلع على المقررات الأزهرية، بل وتخرج في مدرسة الدعاة خطيبًا معتمدًا، وبدأ يمارس الخطابة في مساجد الإسكندرية.

القطيعة مع الإخوان 

مع نضوجه الفكري وتعمقه في الفلسفة الإسلامية، بدأ السيد يسين في إدراك تناقضات جماعة الإخوان وزيف شعاراتها، فابتعد عنها، بل وكرّس جزءًا كبيرًا من حياته لمحاربة فكرها وكشف هشاشته وتاريخه الدموي، وهو ما انعكس لاحقًا في العديد من مقالاته التي حذرت من خطر هذا التيار. في تلك الفترة، التحق بكلية الحقوق، وبعد نجاحه في الثانوية العامة، انفتح على عالم عميد الأدب العربي الراحل الدكتور طه حسين وتأثر بأستاذ القانون الجنائي الدكتور حسن صادق المرصفاوي، الذي عرّفه بأصول البحث العلمي وساعده في إعداد أول بحث له. 

ورغم دراسته للقانون، لم يكن ميالًا للعمل في المحاماة أو القضاء، لذلك انتهز فرصة إعلان المعهد القومي للبحوث عن حاجته إلى باحثين، وتمكن من اجتياز الاختبارات بجدارة، ليبدأ مسيرته البحثية. وكان قد سافر إلى فرنسا لإعداد رسالة الدكتوراة في القانون، لكنه سرعان ما شعر بالملل، ووجد نفسه أكثر انجذابًا لعلم الاجتماع، فقرر تغيير مساره نهائيًا نحو هذا المجال، الذي أصبح شغله الشاغل.

إلى علم الاجتماع السياسي

في أعقاب نكسة 1967، عاد السيد يسين إلى مصر وشهد حالة الإحباط التي سادت المجتمع، لكنه لم يتوقف عند حدود الشعور بالهزيمة، بل رأى أن مفتاح الفهم يكمن في دراسة العدو. لذلك، التحق بمركز الدراسات الفلسطينية والصهيونية بمؤسسة الأهرام عام 1968، وهو المركز الذي تحول لاحقًا إلى مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الذي ترأسه منذ تأسيسه وحتى عام 1994.

 وبعد مغادرته مركز الأهرام، واصل مسيرته البحثية عبر المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، ثم أسس في 2012 "المركز العربي للبحوث والدراسات" بالتعاون مع الكاتب الصحفي عبد الرحيم علي، ليضم مجموعة من أبرز الباحثين في مجالات الاقتصاد، السياسة، الاجتماع، والإعلام.

إرث حافل

ترك السيد يسين إرثًا فكريًا غنيًا، من بينه مؤلفات مهمة في علم الاجتماع والسياسة، مثل "أسس البحث الاجتماعي"، و"دراسات في السلوك الإجرامي"، و"الشخصية العربية بين تصور الذات ومفهوم الآخر"، و"مصر بين الأزمة والنهضة"، و"تحليل مفهوم الفكر القومي"، و"السياسة الجنائية المعاصرة"، وهي أعمال ساهمت في تشكيل وعي أجيال من الباحثين والمفكرين. وعلى مدار مسيرته الفكرية، نال العديد من الجوائز والتكريمات، منها وسام الاستحقاق الأردني من الطبقة الأولى عام 1992، ووسام العلوم والفنون والآداب عام 1995، وجائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية عام 1996. واستمر عطاؤه حتى آخر أيامه، وظلت مقالاته تنشر في جريدة الأهرام وغيرها من الصحف. وفي صباح يوم 19 مارس 2017، رحل عن عالمنا، تاركًا وراءه إرثًا فكريًا سيظل مصدر إلهام للأجيال القادمة.