الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

أسماء إبراهيم: ثورة دي ولا انقلاب؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كانت رسالتها "أشرف بصداقتكم على الفيس بوك .. وأتمنى لقاءكم في الواقع كي أهدي لكم نسختكم من كتابي "ثورة دي ولا انقلاب؟؟!".
وعندما انتهيت من قراءة آخر سطر من الكتاب تيقنت من صدق إيماني أن مصر أم ولود، وأن جيلًا جديدًا يعصف بأدواتنا ورتابتنا ويقتحم المشهد بجسارة لا ينقصها الصدق، وقيمة سطوره لا تتوقف عند مضمونها، بل تمتد إلى توقيتات كتابتها والقفز بها في وجوه متسيدي لحظتها، وهو رصد وتحليل لمواقف ومشاهد وأحداث، بل قل لقطات فوتوجرافية، معاشة، تحول الكلمات إلى كاميرا تحرص على كشف ما وراء المرئي، وبين السطور تأتي الرسالة والحكم على الحدث.
وعلى الرغم من أن الكتاب مجموعة من المقالات نشرت قبلًا متوزعة بين موقع إلكتروني وجريدة مطبوعة تقول الكاتبة الشابة أنها استلهمتها من 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013  وما بينهما، إلا أنك تجد نفسك أمام فصول متماسكة تنتقل بك في هدوء عاصف، لتجيب أنت على السؤال العنوان؛ ثورة دي ولّا انقلاب؟.
أنت أمام نوع مبتكر من الكتابة الشبابية التي لا تخلو من "شقاوة" البنات، لا تصدمك برأي، بل تدخل بك إلى كواليس الحدث وتكسر الحاجز بين المشهد السياسي على جهامته والحياة اليومية بتفاصيلها الصغيرة، وتُحمّل تفاصيل الحياة ما تريد أن تسقطه على أبطال اللقطة، وتنسحب قبل أن يلاحقها من أصابتهم تحليلاتها، على الطريقة المصرية "والحدق يفهم".
خِلت لحظات أن الكاتبة استعارت قلم يوسف إدريس في إبداعات قصصه القصيرة التي تربع على عرشها، وأحيانًا تجلس بجوار أحمد بهاء الدين بجمله القصيرة الرصينة، أو علي أمين وهو يقفز بفكرته البسيطة في عموده الأشهر إلى عقلك وقلبك ووجدانك، وتذكرت الوصف الذي أطلقوه على أسطورة الملاكمة الأمريكي محمد علي كلاي "يحوم كالفراشة ويلسع كالنحلة"، استطاعت الكاتبة أن ترد الاعتبار لجيل الكتاب الشباب.
تحت عنوان صادم "ماجستير دعارة" تنطلق من مشهد داخل أكاديمية الفنون وتحديدًا في أروقة معهد النقد الفني، وفيه يتابع الدكتور ناجي فوزي مع طلبة قسمي النقد السنيمائي والتلفزيوني ما أنجزته إحدى باحثات الماجستير في رسالتها حول أدب نجيب محفوظ، وتضعك الكاتبة أمام تصريحات القيادي السلفي عبد المنعم الشحات؛ المتحدث الرسمي للحركة السلفية ـ وقتها ـ والذي وصف إبداع محفوظ بأنه (أدب إلحادي يشجع على الرذيلة ... ويدور داخل أماكن المخدرات وبيوت الدعارة)، وتحرص الكاتبة على أن تنبهك أن الشحات هذا ليس بطل محفوظ لرواية عن ذات الاسم .. وتضع مشرطها على الورم السرطاني لتستأصله (الشحات "السلفي" ربما يكون قد قرأ أدب نجيب محفوظ وأحسه .. فهمه وهضمه، واكتشف أن روح محفوظ بمصريتها الخالصة ستقف عقبة في مشروع تياره الذي يتخذ من الطقوس والشعائر أفضلية على الإيمان الحق، رافعي شعار : انصر شرع الله يا أخي وانتخبنا لتدخل الجنة ... ويدخلون هم البرلمان).. وتعود لتطهر مكان الجرح فتقول ( في أدب نجيب محفوظ الإلحادي ـ بحسب وصف الشحات ـ يسري الحس الإيماني بين شخوصه، ويكون اللجوء لله بصوفية شفيفة ـ لا أصولية ولا سلفية ـ هو خيار محفوظ، وما بين صوفية مباشرة أو تلميح بها يقبع المسلم المؤمن ذو الأسئلة الحائرة والباحث عن يقين في نفس محفوظ، فيكون بطلًا أو صديقًا للبطل أو أحد معارفه، ليجعله محفوظ الشخصية الأساسية في روايته أو ظلّا أساسيّا لها، فسمير عبد الباقي صديق البطل عيسى الدباغ في "السمان والخريف" يتجه للدروشة بعد انهيار عالم كل منهما ... والزاوية بشيخها تصير ملاذ سعيد مهران في "اللص والكلاب"، يهرع إليها ويلتجئ بها كلما أعيته الحياة ولفظه بشرها، وحتى السيد أحمد عبد الجواد في "بين القصرين" يمر على مقام سيدنا الحسين بعد مغادرته دكانه طالبًا من الله المغفرة ومتوسلًا توبة منه في المقام الطاهر).
وتنتقل الكاتبة الدكتورة (أسماء إبراهيم) المخرجة والإعلامية الأكاديمية إلى خارج صفوف الطلبة، لتتابع المناظرة الرئاسية الشهيرة، في مقال ـ 12 مايو 2012 ـ تحت عنوان مفارق (سونيا .. بكارت شحن) ومدلولات العنوان يعرفها الشباب المدمن لمواقع الإنترنت، وتجعل من أحد هؤلاء الشباب بطل الطرح، فبينما يفاضل بين فتاتين يعرضان خدماتهما على الشباب عبر تواصل يشبع نهمه لتعويض حرمان فرضته تشابكات الحياة وقصورها عن تحقيق حاجاته البيولوجية، في فضاء افتراضي بلا رقيب أو ضوابط، فيما هو يتأرجح بين العرضين يلفت نظره هوجة تعليقات أقرانه الفورية على تلك المناظرة، فيتابعها على شاشة التلفزيون، وهنا تمارس الكاتبة حرفة الإخراج والانتقال مع هذا الشاب في لقطات متتابعة بين المناظرة والمفاضلة، وتمارس عبقرية الإسقاط .. وتتساءل معه عن تكلفة كارت الشحن الرئاسي ؟ (بالتأكيد ستكون أكثر كلفة من الحصيلة الإعلانية للمناظرة التي تجاوزت الـ 30 مليون جنيه، في خمس ساعات من المتعة والمغازلة لأحلام الفتى وأحلام فتيان الأمة).
أدعوك لقراءة الكتاب لتسترد ثقتك في جيلك وفي مستقبلك وفي قدرة شعبنا على حماية مسيرته نحو غد أفضل، وستقف معي وأنا أوجه الشكر للكاتبة الشابة المبدعة والتي تقدم للشاشة قماشة أدبية سياسية تنتظر من يجسدها عبر شاشتي السنيما والتلفزيون في أعمال فنية تسهم في معركة التنوير الحاسمة واللازمة.