تُعد «أيام الشارقة التراثية» والتي تأتي تحت رعاية الشيخ الدكتور محمد بن سلطان القاسمي حاكم الشارقة وعضو مجلس الأمناء، واحدة من أهم المهرجانات التي رسخت اسمها ضمن أحد أهم المشروعات الثقافية والحضارية التي تحرص على الحفاظ على التراث والموروث الثقافي الشعبي، فعلى مدار الـ 24 عامًا شهدت إمارة الشارقة حدثًا ثقافيًا واستشرافيًّا كبيرًا، يهتم بالتراث والموروث الثقافي، ويحمل في طياته الهم الأكبر والحرص الشديد على استمرار هذا الإرث الثقافي، ونقله إلى الأجيال الجديدة، حتى يحقق الاستمرارية وصون التراث الإنساني سواء في الإمارات او في مختلف الدول، وحتى لا يتعرض هذا الإرث إلى الاندثار.
وتأتي أيام الشارقة التراثية في دورتها الـ 22 والتي حملت شعار «جذور» وأقيمت خلال الفترة من 12 وحتى الـ 23 من فبراير الجاري، وتحل دول مجلس التعاون الخليجي دول ضيف الشرف لهذه العام، وامتدت الأيام إلى سبع مدن في إمارة الشارقة وهم مدينة كلباء ومليحة، والذيد وخورفكان ودبا الحصن والحمرية، فمهرجان أيام الشارقة التراثية ليس مجرد مهرجان ولكنه محطة مهمة لتلاقى ثقافات الشعوب.
لوحة فنية
إن مرورك بساحه السور أو في مدينة دبا الحصن وكأنك عدت بعجلة الزمن إلى الوراء فتجد نفسك أمام كرنفال شعبي تغمره الأزياء التقليدية إذا تتوافد الأسر من أباء وأبناء وفتيات صغار يرتدن الزي التراثي التقليدي مع جدائل الشعر المنسدلة وراء ظهورهن مع سماع الموسيقى التقليدية وحفل زفاف تقليدي بأغانيه ودقات الطبول والرقصات الشعبية، وفي حد الأركان تسمع صوت أم كلثوم يخرج من الجرامافون وتجد نفسك أمام شرائط الكاسيت لأم كلثوم وعبد الحليم ووردة وعبد الوهاب وأحمد عدوية وغيرهم الكثير إذا تعرض شركة صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات كأحد العارضين وباعتبار أن القوة الناعمة المصرية متجسدة وحاضرة وبقوة في أيام الشارقة التراثية هذا بالإضافة إلى العارضين من مختلف المناطق المصرية سواء من القاهرة والمدن التراثية أو من كفر الشيخ وكان لـ "البوابة" نيوز لقاءًا مع بعض العارضين والذي عبروا عن سعادتهم بالمشاركة في أيام الشارقة التراثية والتي يعتبرونها فرصة كبيرة للتلاقي بالثقافات الأخرى.
الحرفيون هم حماة التراث، الذين يسعون جاهدين لنقل مشعل الثقافة من جيل إلى جيل، وهنا تقول أيه حافظ فنانة متخصصة في فن التطريز :"أن فن التطريز هو فن النقش على الاقمشة والتي تستخدمه لإظهار ثقافات الشعوب المختلفة عبر العصور ، حيث نقوم باستخدام الخيوط ممزوجة بالأقمشة والتي نعيد استخدامه في الكثير المتعلقات الشخصية كالشنط والملابس والتي نقوم بالطريز عليه بالخيوط والاستخدامات"
وعن بداية علاقتها بفن التطريز ، أوضحت أنها في البداية موهبة بدأت فيها منذ ست سنوات، وقامت بثقل تلك الموهبة من خلال الدراسة والاطلاع على ثقافات الآخر، إذا أنها اكتشفت أن لكل دوله لها الغرزة التي تشتهر بها وتتخصص بها"
وعن مشاركتها بأيام الشارقة التراثية قالت:" أن هذه هي المشاركة الأولى لي، وفي الحقيقة استفدت كثيرًا من تلك المشاركة حيث أنني تعرفت من خلالها على الكثير من الفنون الخاصة بالدول الأخرى والتي لم أكن أعرف عنها أي شيء، وكيف يتم التعامل مع بعض الفنون الخاصة بالأشغال اليدوية والتي استفدت منها بشكل كبير، مثل كيف يتم استخدام النول لعمل تطريز، وأنني لم أكن أعرف الدور المهم للصناعات والحرف اليدوية وأن هناك اقبال كبير على كل المشغولات التي تصنع باليد".
وفي ذات السياق أكدت سجدة سلطان أحد الحرفيين التراثيين والمشاركة المصرية بأيام الشارقة للتراث والتي اكدت فيها على أن هذه هي المشاركة الأولى لها بالأيام، حيث تشارك بعدد كثير من المشغولات اليدوية والحرفية والتقليدية والتي تعبر عن الثقافة المصرية ومنها العبايات المشغولة بالأشغال اليدوية التقليدية واعمال نحت تجسد بعض الشخصيات المصرية وفانوس رمضان التقليدي المصري، وأعمال الخرز من شنط اليد وفوانيش رمضان والخيامية"
وأشارت "سلطان" في تصريحات خاصة لـ "البوابة" أنها سعيدة جدًا بهذه المشاركة وأنها لم تكن تتوقع هذا الاقبال على الأعمال والمشغولات اليدوية المصرية والتي لاقت استحسان الحضور من مختلف الدول، كما أنها لم تكن تتوقع كل هذه المشاركة المختلفة من كل هذه الدول، كما أن اختيار شعار "جذور لهذه الدورة" يأتي في إطار احياء من نحملة من تراث وإرث ثقافي متفرد ، وأننا نعيد احياء هذا التراث ولكن بلمسة حداثية تتوافق مع العصر الحديث" .
وعبرت عن سعادتها بالمشاركة لأنها أتاحت لها الفرصة في التعرف على ما يقدمه الآخر من فنون تتعلق بالحرف التراثية والتقليدية والتي لم تكن ستتمكن من التعرف عليها إلا من خلال المشاركة بأيام الشارقة التراثية كما وجهت الشكر للقائمين والمسؤولين عن أيام الشارقة التراثية" .
سجاد فوة والحفاظ على البيئة
من مدينة فوة بمحافظة كفر الشيخ يأتي أحد صناع النول المصري التقليدي الفنان مبروك محمد أبو شاهين والمشارك بأيام الشارقة التراثية بالنول التقليدي والكليم المصري التقليدي والذي يعود للحضارة المصرية القديمة حاملا معه إرث الأجداد ليعبر به قارات العالم وبهر جمهور أيام الشارقة التراثية .
وعن مشاركته بأيام الشارقة التراثية يقول "أبو شاهين" : "أن هذه هي ثاني مرة أشارك فيها بأيام الشارقة التراثية ونقوم فيها بتمثيل مصر بحرفة الغزل على النول التقليدي، والتي تشتهر به مدينة فوة بمحافظة كفر الشيخ، والتي تشتهر بصناعه السجاد اليدوي المصنوع على النول والتي نستخدم فيها صوف الغنم والقطن والتي ننسج عليه بعض الرسومات المستلهمة من البيئة المصرية والريف المصري والحضارة المصرية القديمة والتي نقوم بنسجها على النول بشكله التقليدي، لأننا نقوم بإنتاج نسيج من البيئة ونخرج منسوجات صديقة للبيئة، وأن كل المواد هي مواد طبيعية 100% ولا نقوم باستخدام أي نوع من الألياف الصناعية ولهذا هناك اقبال كبير على ما نقوم بصناعته على المستوى العالمي، كما أن المشاركة في أيام الشارقة تُعد فرصة كبيرة للتعرف على الثقافات الأخرى وما يقدموه من حرف تراثية نفيد بها فيما نقدمه من صناعات تقليدية"
وعن علاقته بالمهنة صناعة السجاد اليدوي أوضح قائلاً: "أنا ورثت المهنة عن والدي وانا في عمر الـ 12 عامًا، وقد شهدت المهنة تطويرًا كبيرًا ودخل في المهنة الكثير من مهندسي الديكور إذا أنهم يقومون بعمل تصميمات ورسومات خاصة ومعينة تتماشي مع العصر الحديث ونحن نقوم بتنفيذها بالخامات صديقة البيئة وعلى النول التقليدي، والتي تستخدم في الفنادق والشقق الحديثة" .
أيام الشارقة التراثية ليست مجرد احتفاليه للترفيه، بل هي دعوة مفتوحة للجميع للتفكر في ماضي الأجداد وما تركوه من إرث يسهم في تشكيل حاضرنا ومستقبلنا.، ودعوة للتأمل والاعتزاز بما تركوه لنا ، ففي كل زاوية من زوايا هذا الاحتفال، نجد دعوة للتواصل مع تراثنا، للغوص في أعماقه، ولإبراز جوهره الذي لا يقدر بثمن، إنها لحظة فخر واعتزاز وتعيد إلى الأذهان سؤالاً بسيطًا: ماذا سنترك للأجيال القادمة؟.